العرب بين اليأس من الرفض واليأس من الانصياع!!بقلم- شفيق الحوت

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثل الطاووس وقف الرئيس بيل كلينتون قبل ايام امام الكاميرات التلفزيونية, زاما شفتيه, كعادته كل مرة, عندما يريد أن يضفي على حديثه مسحة وقار مستمدة من موهبته في التمثيل المسرحي , ليعلن انتصار الولايات المتحدة على العراق وارغامه صدام حسين على الانصياع غير المشروط لعودة (أونسكوم) لمباشرة اعمالها بقوة اكثر وصلاحيات اوسع. فعل الرئيس الامريكي ذلك, وهو محاط بوزير دفاعه ويليام كوهين عن يمينه, وبمستشاره لشؤون الامن القومي صموئيل بيرجر عن شماله, ومن ورائه يقف رئيس اركان حربه الجنرال هنري شيلتون, ليؤكد صدقية كلامه وجديته حول عزم الولايات المتحدة على ضرب العراق لو لم يتراجع صدام عن موقفه. ويزداد المشهد هالة وهولا عندما سمع من يعنيهم الامر ان هذه الضربة, فيما لو حدثت كانت ستتسبب في مقتل ما لا يقل عن عشرة آلاف مواطن عراقي وفق تقديرات الخبراء في البنتاجون. لقد كان من الواضح ان كلينتون, في حركته هذه, لم يكن متوجها في خطابه إلى حكام بغداد فقط, وانما لحكام كل عواصم العرب, بل لكل حاكم في اية دولة يحلم بانتهاج سياسة لا تروق لواشنطن ولرؤيتها إلى (النظام الجديد) الذي تعلم على تأسيسه وفرضه على عالم القرن الواحد والعشرين كما تصوره كلينتون عشية تجديد الولاية الثانية لرئاسته وتحدث عن الدور الامريكي في صياغته. وعلى الرغم من ان ملامح هذا النظام لم تتضح بالجلاء الكافي بعد, ولم تتحدد القوانين التي ستحكمه أو ستتحكم به, فإن ما لا يمكن اغفاله هو التوجه العارم لترسيخ نقلة نوعية في النظام الرأسمالي الراهن نحو عولمة عملية الانتاج وفرض ما تمليه هذه النقلة من تغيير في الروابط والعلاقات الدولية, وبناء على ذلك فانه على اعضاء المجتمع الدولي ان يتأقلموا مع هذا الاستحقاق باجراء التغييرات الجذرية في هياكلهم الاقتصادية المختلفة وان يتحملوا ما يترتب على ذلك من آثار هامة على النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي داخل دولهم. يقول الاقتصاديون ان هذه النقلة تعتبر مرحلة جديدة من مراحل الرأسمالية يمكن تسميتها بمرحلة (الاقتصاد بلا حدود) التي ستكون فيها السيطرة (لمؤسسات بلا حدود) , من أمثال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية, بالتعاون مع (شركات بلا حدود) , أي المتعددة الجنسيات والتي تتكاثر بسرعة مذهلة بفضل الثورة التقنية وما استحدثته من جيل جديد من الحواسيب الاليكترونية وتكنولوجيات الاتصال. يوجد اليوم ما يزيد عن 37 الف شركة متعددة الجنسيات, تهيمن بدورها على اكثر من 170 الف شركة تابعة لها وتعمل بتوجيه منها في كافة أرجاء العالم للسيطرة على الاقتصاد العالمي. ولذلك, فإن الرئيس الامريكي, عندما يخاطب العراق, وهو مدرك لموقع هذا القطر وأهميته المزدوجة, سواء بالنسبة لثروته النفطية, أو بالنسبة لصراعه مع اسرائيل كجزء من الوطن العربي, فإنه يريد ان يسمع الآخرون ممن يعنيهم الأمر في هذه المنطقة كلامه لكي يقيموا حساباتهم المستقبلية بناءً على ذلك, ولم يكن صدفة أن يحرص كلينتون على تسمية الدول العربية, الواحدة تلو الاخرى, ممن اعتبرهم ضمن الأصدقاء أو الحلفاء الذين دعموا موقفه ضد صدام. ان ما أراد كلينتون قوله صراحة للعرب هو أنه من الممنوع عليهم أن يقتربوا من أمرين: الأول التفكير بأية محاولة تنموية تستهدف الوصول الى مستوى من التقنية المتقدمة القادرة على الانتاج المركب, تحت ذريعة الخوف من انتاج اسلحة الدمار الشامل, والثاني, هو المضي في التفكير الصراعي ضد اسرائيل وتهديد أمنها, برفض الدخول في نهج التسوية والتهيؤ للتطبيع الكامل لعلاقاتهم مع الكيان الصهيوني. ولا أعتقد أن (الرسالة) لم تصل الى المسؤولين العرب, بل هي قد وصلتهم منذ سنوات, وقد انعكس ذلك على تصرفاتهم المتباينة التي أوصلتهم الى حدود العجز عن اللقاء على مستوى القمة بهدف تنسيق المواقف فيما بينهم والوصول الى حد أدنى من التضامن المشترك. ولذلك نشهد هذه الارتباكات في مواقف العواصم العربية من مجمل قضايانا المصيرية, وهذه المراوحة بين يأسين, اليأس من الرضوخ أو اليأس من رفض السياسة الأمريكية الطاغية. أما المفارقة الكبرى التي وقعت خلال هذا المشهد الدرامي في العلاقات الامريكية ــ العربية, وحديث الرئيس الامريكي عن الحرب والسلام, الارهاب والحرية, الفوضى والقوانين الدولية, وتحميل العرب جزءا كبيرا من المسؤولية تجاه هذه القيم, فكانت في الخبر الذي نشرته (الصنداي تايمز) البريطانية, ونقلته عنها وسائل الاعلام الغربية, وامتنعت اسرائيل عن التعقيب عليه. يفيد الخبر أن اسرائيل تعكف حاليا على تطوير أسلحة بيولوجية تستطيع المس بالانسان حسب أصله العرقي. ومما قالته الصحيفة البريطانية ان علماء اسرائيليين يحاولون استغلال اختراعات طبية من أجل تشخيص (جينات) مميزة خاصة بالعرب ويطورون وفقا لها (مايكرو اورغانيزم) يستطيع مهاجمة أولئك الذين يحملون هذه (الجينات) المميزة دون غيرهم من خلال تغيير نظام الـ (دي.ان.ايه) داخل الخلايا البشرية. ونقل المصدر ذاته عن علماء يعملون في معهد (نيس تسيونا) الاسرائيلي المتخصص في صناعة الأسلحة البيولوجية والكيماوية أنهم واجهوا صعوبات في تشخيص (جينات) مميزة للعرب بسبب انحدار اليهود والعرب من العرق السامي ذاته, فيما اشار اخرون الى انهم تمكنوا بالفعل من تشخيص مزايا معينة في (البروفيل الجيني) لمجتمعات عربية معينة, خصوصا الشعب العراقي, ويتم استخدام هذه الاسلحة من خلال رشها في الهواء او الماء, وقالت مصادر اسرائيلية ان من شأن هذه الاسلحة ان تدخل الى (خندق الرئيس العراقي صدام حسين) . مما يرجح صحة هذا الخبر, ان اسم المعهد المذكور تصدر عناوين الصحف الاسرائيلية قبل فترة من الزمن بعد نشر انباء عن تعرض بعض الاسرائيليين القاطنين بالقرب من موقعه الى حالات مرضية غامضة نتيجة لتسرب بعض المواد منه ولعل امتلاك اسرائيل لهذا السلاح هو الذي سمح لارييل شارون من ممارسة غطرسته عندما اعلن خلال الازمة مع العراق ان اسرائيل تستطيع الدفاع عن نفسها وتعرف كيف تمنع المس بها. صحيح ان هذا الخبر نشر في نفس اليوم الذي وقف فيه كلينتون كالطاووس وهو يتحدث عن (انتصار الديمقراطية على الارهاب العراقي) ولكن هذا لايعني انه لم يكن على علم مسبق به لان الصحيفة البريطانية اكدت ان تقريرا سريا عن تطور مشروع الاسلحة العراقي الاسرائيلي وصل الى وزارة الدفاع الامريكية منذ فترة وان البنتاجون حذر في العام الماضي في تقرير سري انه في الامكان تطوير صناعة بيولوجية عن طريق الهندسة الجينية لخلق اسلحة فتاكة جديدة. ماذا نقول بعد هذا؟ هل نكرر اسطوانتنا حول ازدواجية المكيال الامريكي وان ماهو حلال عندها بالنسبة لاسرائيل حرام على العرب؟ ونمضي بعد ذلك في دفن رؤوسنا مثل النعام لا من سمع ولا من رأى؟ ان الفصل بين الولايات المتحدة واسرائيل هو ضرب من المستحيلات وان حدثت المعجزة فلن يكون العرب اصحابها وانما تناقضات اخرى قد تنمو داخل المجتمع الامريكي نفسه في اطار التنافس الذي سيشهده النظام الجديد وماسيفرزه هذا النظام من تحالفات وتحالفات مضادة. ولكن ودون ان يساء فهمنا, فإننا لاندعو الى مجابهة ضد الولايات المتحدة على غرار ماحاوله صدام حسين وماترتب على ذلك من مزيد من الانهيار والتدهور في الاوضاع العربية, كما نرفض في الوقت نفسه الانصياع لسياستها على غرار مايحاوله ياسر عرفات منذ اتفاقية اوسلو الى مذكرة واي بلانتيشن الخائبة. هل نكتفي الان بتنفس الصعداء بأن العراق ومعه كل العرب قد نجوا هذه المرة من ضربة تقتل الالاف من ابناء شعبنا وندعو الله عدم تكرار التجربة ونعتبر ذلك انجازا يستحق حكامنا الشكر عليه!! وهل نكتفي كذلك بالاحتماء وراء السؤال عن (البديل) في فلسطين, ونحن نرى نتانياهو يجمد الانتشار وشارون يدعو علنا للاستيلاء على الاراضي, ومعهد (نيس تسيونا) ينتج الاسلحة العنصرية التي لا تقتل غير العربي!! ام ماذا؟ ان سوداوية هذه الصورة لا يجوز ان تحجب عنا حقيقة طال تجاهلها وهي ألا حلول قطرية لمشاكلنا الراهنة. ما من قطر عربي, ومن دن اي استثناء بقادر على مجابهة تحديات (النظام الجديد) بمفرده, بما في ذلك الرغبة في اللحاق بهذا النظام ودخول انديته المتعددة, وبغض النظر عن اي خيار استراتيجي نختار, الحرب ام السلام, فإنه لا فرصة للعرب بأي نجاح او تقدم اذا ما استمروا في نهوجهم القطرية وسياساتهم الوطنية الضيقة. ومن يقرأ دراسات خبرائنا العرب, في كافة جوانب حياتنا العامة, اقتصاديا وعسكريا وثقافيا وسياسيا, يدرك استحالة قدرتنا على مواكبة العصر في قاطرات منفردة. حتى الوهم السائد حول الثراء العربي يتبدد امام هذه الدراسات بالمقارنة مع ما لدى الغير, وبخاصة اسرائيل. أو ليس غريبا ان كبار اللاهثين وراء النظام العالمي الذي بلا حدود من دول العرب لا يزالون يرفعون اسوار التجزئة عاليا بين شعوبهم رغم انهم ينتمون لأمة واحدة ينتظرها مصير واحد؟

Email