أبجديات: بقلم- عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمريكا ترصد العالم بالأرقام, وتخيفه بالأرقام, وتحاصره بكل شيء, بدءا بالطعام الــ (تيك أوي) وانتهاء بأفلام الأكشن والتشويه الثقافي, وقبل ذلك فأمريكا ترصد نفسها كذلك بالارقام كي تثبت للعالم مدى مصداقية البدائل التي تقدمها له . آخر احصاءات امريكا تقول ان الامريكان ينفقون (105) مليارات دولار سنويا على الوجبات السريعة حيث يشكل هذا المبلغ نصف إنفاق الأمريكان على غذائهم. فالامريكان اذن هم ملوك (التيك أوي) بلا منازع, يأتي بعدهم الاستراليون الذين ينفقون ثلث ميزانيتهم للغذاء في مطاعم الوجبات السريعة. في مجتمعات العالم الثالث تنعدم مبررات اللهاث خلف النموذج الأمريكي, خاصة النموذج الحياتي والاجتماعي, هذه المبررات التي تقف بشدة خلف انتشار نمط (التيك أوي) كطبيعة العمل التي تمتد حتى الخامسة مساء, والعائلة التي لم يعد لها وجود والمناخ المساعد و... الخ, ومع ذلك فبلدان العالم الثالث تسير وراء امريكا بقوة وسذاجة. ربما انبهارا بنموذجها أو تأثرا بدعاياتها, والأغلب انه بسبب نظرية ابن خلدون القائلة بأن الضعيف المغلوب مندفع بتقليد الغالب القوي دائما. أمريكا تعامل كل شيء على طريقة (التيك أوي) أو الوجبات السريعة التي لا يستغرق اعدادها وتناولها ودفع حسابها أكثر من نصف ساعة, والسبب ان الأمريكان شعب لا يقف طويلا عند الأشياء, ولا يتعب نفسه في البحث عن التفاصيل, وليس لديه الوقت أو طول البال كي يعد ويفكر ويطهو وينتظر النتائج, والأسباب كثيرة. ان كل من يزور أمريكا أو يعيش فيها فترة من الزمن يكتشف للوهلة الأولى ان الأمريكان شعب لاهث, يبدأ لهاثه منذ السادسة صباحا وحتى السادسة مساء, لا يتوقف كما لا يستوقفه أمر ما, فهم في الأسواق, كما في محطات المترو والقطارات والشوارع والمقاهي والمطاعم لا يدققون كثيرا فيما يمر بهم, ولا يستهلكهم الفضول, ولا يبحلقون في الغرباء كما في أوروبا أو اليابان. وبالتأكيد فإن نمط الحياة وقسوتها, وظروف المجتمع الرأسمالي الفردي, جعلت الانسان عالما قائما بذاته, وجزيرة منفصلة عما حوله, ولهذا فهو يلهث ويركض في كل الاتجاهات, ويختصر قدر الامكان من ساعات اليوم, والطعام, ولقاءات الاصدقاء, وعلاقات الاسرة, كل ذلك كي يواصل اللهاث في الشوارع ومحطات المترو متوجها صوب مصانع توليد الدولارات وفرص العمل الأكثر ربحا. أمريكا تعامل السياسة والاقتصاد والبشر وحضارات الآخرين ومصائر البشرية بنفس الطريقة, ولذلك فهي لم تتعامل مع أزمة العراق وإيران وليبيا وماليزيا والسودان والفلسطينيين ومونيكا, إلا بنفس طريقة (التيك أوي) حيث كل هذه المفردات ساندويتش جاهز وسريع الالتهام, وحيث مصائر البشر زجاجة كوكاكولا لا أكثر, وبينما تفكر أوروبا طويلا وتضع جدولا لعقوبات العراق يعلن كلينتون ووزيرة خارجيته أولبرايت انه لا خيار غير الضربة العسكرية!! للأمريكان ظروفهم وحقهم في ان يقضوا نصف حياتهم خارج المنزل ونصف غذائهم يتناولونه من محلات (الفاست فود) , لكن ليس من حقهم ان يخرجوا العالم كله إلى الشوارع, ويفرضوا عليهم هذه الغوغائية الحياتية فقط لأنها نمط الحياة السائد في أمريكا.

Email