السياسة في الفضائيات العربية: بقلم- ماجد كيالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ انطلاقتها اثارت قناة الجزيرة الكثير من التساؤلات, حول هويتها, وأغراضها, لكنها اثارت ايضا, قضية الحرية والديمقراطية, والرأي الآخر في المجتمعات العربية , وكانت (الجزيرة) قد ميزت نفسها باعتبارها قناة متخصصة في المواد الاخبارية, والبرامج والندوات ذات الطبيعة السياسية والفكرية, بعد ان ملأت فضائياتنا البرامج السطحية التي حولت نجوم الطرب والرقص والشعوذة إلى (مفكرين) يعتد بأفكارهم في شؤون دنيا العرب. ولكن (الجزيرة) لم تسلم من موجة الاثارة التي تسود الاعلام المرئي, والتي تجرد القضايا من محتواها وتجعلها مجرد سلعة, معروضة في السوق تخاطب الغرائز السلبية في الناس, ومعارفهم السطحية, وهكذا باتت الندوات والمناظرات, مجرد تغطية لاوقات الفراغ, والقضايا الكبرى التي تطرح فيها تكاد لا تصل بالمشاهدين إلى أي معنى, هذا اذا لم تصل إلى عكس الهدف المنشود منها, فبدلا من تعميق الوعي بالقضايا, وتعزيز لغة الحوار والتواصل, والتربية على الديمقراطية واحترام الرأي الاخر, تكون النتيجة مزيدا من البلبلة واثارة الاحقاد, والتشبث بالآراء. ولعل برنامج (الرأى المعاكس) , الذي تبثه هذه القناة, يوم الثلاثاء من كل اسبوع, خير مثال على ذلك, برغم ان هذه القناة تبث العديد من البرامج الغنية والمفيدة والناجحة, إذ لم تهدأ بعد الضجة التي احاطت بالحلقة التي بثتها (الجزيرة) حول الاردن, حتى بثت (الجزيرة) حلقة من (الرأي المعاكس) اقسى بكثير من سابقتها, والمسألة هنا ليس لها علاقة بالرأي, ولكنها تتعلق بكيفية طرح الافكار, وتوظيفها, ومدى جديتها واصالتها, كما تتعلق بكيفية ادارة البرنامج وطرح الاسئلة التي من المفترض ان تصل بالمشاهدين والمتحاورين إلى غايات سليمة. فقد استضافت حلقة (الرأي المعاكس) (يوم 10/11): حسن عصفور, منسق فريق المفاوضات الفلسطيني والوزير في السلطة الفلسطينية, وابومحمد مصطفى, ممثل حركة حماس في ايران, وقد ادار هذه الحلقة فيصل القاسم, وكان موضوعها الخلافات بين السلطة والمعارضة, بعد اتفاق (واي بلانتيشن) وتداعياته. وكانت هذه الحلقة مثيرة للغثيان, بطريقة الحوار التي سادتها, والتعابير التي اطلقت فيها, ومن حيث ادارتها, في هذه المرة لم توفق (الجزيرة) في اختيار المتحاورين, ولا في تنظيم الحوار, اللهم الا اذا كانت معايير نجاح الحلقة مجرد بثها, أو خلق الاثارة, وتعميق لغة الخصام, وهذا ما لا اعتقد به, وللاسف فقد كانت هذه الحلقة مجرد هلهلة فضائية للقضية الفلسطينية, وللمتحاورين الذين اساءا لنفسيهما ولمن يمثلان, وللقناة نفسها, كما كانت مؤذية للمشاهدين الذين تكبدوا عناء مشاهدة هذا الدرك الذي وصلت اليه السياسة في دنيا العرب. في الحلقة المذكورة لم يستطع الزميل فيصل القاسم, برغم براعته, إدارة الندوة بالطريقة المناسبة, وكان من الانسب للبرنامج وللمشاهدين لو أنه نفذ تهديده المتكرر بوقف بث الحلقة, ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: لماذا كانت (القناة) مصرة على اظهار المتحاورين, وهما يتشاجران بطريقة محزنة, في كادر الشاشة معا (صوت صورة) وفي وقت واحد, مع انه كان يمكن اظهار احدهما وحجب الاخر, بحسب تنظيم الحوار, ثم لماذا التعمد في طرح الاسئلة واثارة القضايا الكيدية؟ من حق المشاهدين على (الجزيرة) ان تقوم بمراجعة بعض برامجها, لاسيما ان اقنية عربية عديدة, من ضمنها (الجزيرة) تقدم مناظرات مشابهة بطريقة هادئة وهادفة, كما لا يجب ان يفهم من هذا الرأي انه تقليل من اهمية الدور الذي تلعبه (الجزيرة) ولكنه تأكيد على هذا الدور على قاعدة النقد من اجل ترشيد مسار هذه القتاة وتطويرها. وفي هذا المجال لابد من التنويه بالدور الذي بات يضطلع به الاعلام العربي المرئي وبالنجاح الذي حققه في تغطية المجال الفضائي, ما ساهم في تعزيز الصلات بين المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج وفي بلدان الشتات البعيدة, وليس من قبيل المبالغة القول ان الفضائيات العربية تلعب دورا توحيديا (ان صح التعبير) يتجاوز بكثير دور الاحزاب القومية, ومعها جامعة الدول العربية (مع الاسف) . اخيرا, تبدو العلاقة بين الاعلام والسياسة في زمن سيادة روح الاستهلاك والفضائيات علاقة سلعية, تبهت فيها القيم والاهداف النبيلة, وذلك بفضل (نجوم السياسة) وحراس الاهداف العليا والاوصياء على الشعب, الذين يظهرون نجوميتهم بجدارة يحسدهم عليها نجوم السينما والدعايات. في هذه الليلة ترحمت على القائل: (كم من الجرائم ترتكب باسمك ايتها الحرية) .

Email