على ايقاع (الشرق اوسطية)لماذا تسخن الجبهات؟ بقلم- رضي الموسوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

التشنجات وشد الاعصاب الذي تشهده عدة جبهات في المنطقة له من المعطيات والامتدادات ما يفسره ويجعل من (تسخين) حدود الصراع امر يدخل في اطار المنطق وفق الشواهد الراهنة فقد كان التبشير بمنطقة غير متجانسة وغير متصلة جغرافياً , في بعض حالاتها, واطلاق اسم (الشرق الاوسط الجديد) عليها, هدف سعت اليه الولايات المتحدة والدول الغربية وبالطبع الكيان الصهيوني, في سياق محاولة لالغاء (الوطن العربي) كمنطقة جغرافية مترابطة الاطراف والجذور, وتأسيس منتدى فيه من الخليط الجغرافي والثقافي والحضاري ما يكفي لان يضع مشروع التأسيس في موقع الخطورة والصعوبة, وبالتالي فالشروع في تنفيذ عملية التبشير على ارض الواقع قد تحتاج في أحيان ليست قليلة, الى عمليات قيصرية قد تؤدي بدورها لاجتثاث بلدان او تدميرها. انها (الشرق اوسطية) التي تعني في القاموس الجديد للمنطقة استحقاقات ما بعد الحرب الباردة وحرب الخليج والوصول الى الصراع ــ العربي الصهيوني نحو نهاياته المبتغاة امريكياً وصهيونياً والاستحقاقات هنا كثيرة, فالمنتصر عادة ما يضع شروط النتائج الجديدة ولان تل أبيب تتصرف كذلك, فهي تضع من الشروط التعجيزية ما يلغي الفكرة (الكونية) عن الشرق اوسطية ويحجمها لتصبح فكرة صهيونية بحتة مرادها الغاء الآخر وارساله الى الجحيم ان شاء او رفض. لذلك يمكن فهم تعرقل المشروع في خطواته الاولى لتتوقف القمم الاقتصادية التي كان يراد منها جلب الرخاء المالي للمنطقة.. هكذا وبدون مقابل سوى الدخول في مفاوضات تأكد انها عقيمة وليس فيها من الاهداف الا حصول المنتصر على استحقاقات المرحلة الاولى والاخيرة وما بينهما. وكما (الشرق اوسطية) الخارجة من رحم العولمة, فإن هذه الاخيرة تواجه صعوبات استفراد القطب الواحد وفرض شروطه الجديدة على العالم. ولان تلك من هذه وتابعة لها, فمن الطبيعي ان تتشابك الاستحقاقات وتشترك العولمة والشرق اوسطية في تقاطعات كثيرة, وليس فقط في موقع الاقليم الذي اتسع كثيراً فضم دولاً واقاليم اخرى حسبت على هذا الاقليم الشرق اوسطي بينما اخرجت منه دول هي في عقر داره جغرافياً وكيانياً وثقافة. الاستحواذ, هكذا, على شكلانية المفهوم, وجوهره, خلص الى التقزيم الحتمي للمشروع الذي اريد له ان يقبر الجامعة العربية ولا يعلن عن وفاتها, ويوأد الحلم القومي, وينزع القضية من مركزيتها, ليتم بعد ذلك الاجهاز على المشروع القطري الحالم بدولة وعلم ونشيد. ففي ظل بطل مجازر صبرا وشاتيلا وقبلها الغزو, وبوجود واحد مثل نتانياهو على قمة الهرم الصهيوني, ومع تكثيف الاستحقاقات المطلوبة, تكون لرغبة (واي بلانتيشن) الجامحة ما يبررها قبل شهر, لكن ليس الآن, فالجبهات مشتعلة وقد اقتربت شظاياها من منابع الثروة, ورأس (الارهاب) الكردي وصل روما معتقلا, أو مسلما نفسه, لتنصب أقواس النصر في انقرة بفرحة لا شيء يستوعبها حتى وان ارسلت زعيم الدبلوماسية وزعيم العسكرية للمطالبة بتسليم الرجل الذي اعلن انه يطلب لجوءا وليس مقصلة اتاتوركية لن تخطئه حتى وإن أعلن عن قرارٍ لوقف تنفيذ الاعدام, فالقتل اشكال وأنواع, وفجر الليلة الأرمنية يشهد بذلك, كما ان (أوجلان) ليس كارلوس, فالأول له من الاتباع ما غصت به روما وقضيته لا تزال مشتعلة. طرف في (الشرق أوسطية) يفرض شروطا على طرف آخر يرفض (الرقص مع الذئاب) اذن لاشيء يغير رأيه سوى التهمة - الشماعة وبناء السدود الحاجبة للمياه, وفي الطرف الآخر, لا بأس من ارسال بضعة آلاف من الجند لتأديب الشمال الكردي الذي لايزال متمسكا (بعبد الله) زعيما له حتى وان تضاعفت اعداد القرى المبادة في الجنوب الشرقي من الاناضول! وبين البوارج والمدافع وأزمة المفتشين الدوليين, وبين غارات الجنوب, يرمي شارون اتفاق (واي بلانتيشن) في النهر, فيدعو الذئاب المستوطنة للانقضاض على الفرائس الحالمة بوطن وجيش لا يرجمها بالحجارة والرصاص. وزير خارجية (دولة) يدعو بحماس لاحتلال التلال والاراضي المحيطة بها, فيما بلدوزرات حكومته تشق الطرق الالتفافية لمزيد من القضم, ولا تتردد الحكومة في تخصيص نحو نصف مليار دولار للخطوة المقبلة. المشكلة ان الاتفاق الذي ابتلع النهر اوراقه الممزقة, لا يزال ساري المفعول عند المفاوض - الضحية الذي ينظر للمفاوضات وللشريك الجديد - القديم بدرجة عالية من الحزم والتفاصيل الامنية التي جاء بها (واي بلانتيشن) وارسلها نتانياهو الى مكان ما, ليفرض شروطا اكثر سوءاً أو ابتزازاً من تلك التي وقعت قبل اسابيع قليلة. إنها لفرصة تاريخية, ان تلتهم الاراضي الموعودة بها الدولة العتيدة في ظل هذه الاوضاع التي شغلت الاقليم الشرق أوسطي من أقصاه إلى أقصاه. فليس هناك أفضل من هذا الوقت, حيث التيه من جديد والحرقة على الاسئلة الضائعة بين معادلات النسب وتقسيم الارض الى فئات ومحميات طبيعية مرشحة لان تزيد من جهة وتتقلص من جهة أخرى. الجبهات ساخنة الآن, والاستحقاقات جارية على ايقاعات سريعة تقدمها (الشرق أوسطية) الجديدة المقزمة على مقاسات جزارين ماهرين, فما الذي تخبئه جعبة الأيام المقبلة؟! وهل هناك من يسعى لإجبار المنطقة على الرقص في ساحة الوغى؟

Email