العرب وموقفهم من الازمة العراقيةبقلم: يوسف الشريف

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعد العراق وحده رهن الحصار الدولي, ولكنها الامة العربية بأسرها من خليجها إلى محيطها وهو حصار معنوي وسياسي صنعته بنفسها, مما اورثها الشعور بعقدة الذنب وجلد الذات واجترار مرارات الهوان والانكسار, وحتى باتت جهودها ومحاولاتها للفكاك أشبه بالنفخ في قربة مقطوعة ! ومن هنا يلح على خاطري سؤال ولعله يلح كذلك على خاطر أي كاتب قومي كلما هم إلى الكتابة عن قضايا أمته ومشكلاتها التي تتفاقم يوما بعد يوم, دون بصيص من امل يؤذن بالحل والانفراج: ما هو الجديد اذن يستطيع ان يقدمه للقارىء الفطن, وأين المتغير العربي الايجابي الذي يستحق الاشادة والتنويه؟ كم دبج كتابنا عشرات الآلاف من المقالات النقدية والاصلاحية التي تستنهض الهمم للنهوض من كبوات الزمن الردىء, وكم من السياسيين والمفكرين والمنظرين الذين رفعوا مشاعل التنوير واضاءوا الظلمة في نفق الخنوع واليأس الذي امسك بخناق الامة حتى تستشرف طريقها إلى القوة والمنعه والكرامة, وكم بحت اصوات الجماهير العربية وهي تطالب بالتضامن في مواجهة الاخطار المدلهمة من كل حدب وصوب, وحدث بالاسى والاسف عن الارض العربية التي ارتوت ولاتزال بدماء المناضلين من اجل الخلاص والانعتاق, وكم سقط من الشهداء وكم زج بغيرهم في غياهب السجون والمعتقلات؟ هل يعقل وبأي معيار سياسي أو معادلة علمية ترجيح كفة ميزان الصراع العربي الاسرائيلي لحساب اسرائيل, وان تظل الامة العربية على مدى نصف قرن في موقف الدفاع والتفريط والتراجع تباعا امام عدوان اسرائيل واستلابها للاراضي والحقوق العربية. لاشك ان العقل والمنطق والقانون, فضلا عن طاقات الامة العربية البشرية وامكاناتها المادية, تؤكد على ان ثمة خطأ فادحا في ادارة العرب لآليات الصراع مع اسرائيل, فأين الخطأ أو الخلل اذن؟ لنحتكم إلى اسلوب الكمبيوتر والحاسبات الالكترونية في تقدير موازين القوة بين العرب واسرائيل كونها اجهزة محايدة لا تنطق عن غرض أو هوى, والا لما كان الاعتماد على دقتها المتناهية في معاملات البنوك واطلاق الاقمار الصناعية والصعود إلى القمر وما إلى ذلك من التجارب العلمية ورصد الظواهر الطبيعية وفقا لما تتلقاه من بيانات وارقام مجردة. فالامة العربية لديها مقومات ذاتية هائلة لا تحتمل الشك أو التهويل, شعب عربي تعداده يربو على 150 مليون نسمة, لديه كل مقومات التقدم, مصادر الطاقة والانهار والبحار والثروات المعدنية والحيوانية والبحرية والارصدة النقدية, ولديه الاراضي الزراعية الشاسعة وغيرها من الاراضي القابلة للزراعة, فضلا عن القاعدة العلمية والصناعية العريضة الزاخرة بالجامعات والمصانع والمراكز العلمية والثقافية والسياسية والاستراتيجية وبالعلماء والخبراء المتخصصين والعمال والحرفيين المهرة, وعلى الصعيد العسكري يكفي شاهدا على ما يملكه العرب من عناصر القوة, ذلك التقرير الصادر مؤخرا عن احد المراكز الاستراتيجية البريطانية, مؤكدا على ان منطقة الشرق الاوسط ظلت على مدى العشر سنوات الاخيرة اكبر سوق للسلاح في العالم, وان العرب ــ في هذا السوق ـ يمثلون الزبون المفضل, بينما تؤكد التقارير الامريكية ان العراق حشد خلال حربه مع ايران ثم الكويت ما لا يقل عن نصف مليون جندي, ونفس الرقم تقريبا كان حجم الحشد العسكري المصري والسوري خلال حرب اكتوبر ,1973 فاذا اضفنا حجم بقية الجيوش العربية لكان رقم القوة العسكرية العربية زهاء مليوني جندي مجهزين بالسلاح والعتاد اللذين يمكناها من هزيمة اسرائيل, ورغم ذلك لم يتمكن العرب من حسم الصراع مع اسرائيل في حرب اكتوبر ,1973 على النحو الذي يجبرها صاغرة على قبول السلام الشامل والعادل الذي يعيد للامة العربية كامل اراضيها السليبة وحقوقها المغتصبة. العلة أو السبب واضح لاشك فيه ولا تختلف عليه نتائج اي حسابات لتوازنات القوى بين العرب واسرائيل, ويكمن في خوض العرب للحرب بأقل من نصف قدراتهم العسكرية, ودون استثمار كل ما لديهم من امكانات وطاقات مادية في دعم ومساندة المجهود الحربي, ومن هنا كان نصر اكتوبر نسبيا ومحدودا بالقدر الذي بذل فيه. وتلك هي لب اشكالية معالجة الامة العربية لقضاياها القديمة المزمنة والجديدة والمستفحلة, عبر التعبئة الناقصة والارادة المنقوصة, بينما المطلوب استثمار الدروس المستفادة من تجربة التضامن العربي المحدود الذي صنع النصر العربي المحدود في حرب اكتوبر عبر معالجة كافة قضايانا حزمة واحدة وبارادة سياسية موحدة وتعبئة كاملة لطاقات وامكانات الامة, ودون ذلك فاننا ننفخ في قربة مقطوعة. اليوم قبل الغد, نحن مطالبون حكاما وشعوبا بانقاذ العراق من ويلات المؤامرة الامريكية بعدما اعلنت في صلف وغطرسة قرارها بتدمير مقدراته وفناء شعبه, رغم استجابته تباعا لكل طلباتهم ومراوغاتهم, وثبت للعالم تجسسهم لحساب اسرائيل وعمالتهم لامريكا. * كاتب وصحفي مصري

Email