اليهود.. والاسطوانة المشروخة، بقلم: محمد الخولي

ت + ت - الحجم الطبيعي

دعايتهم نصف الحرب كان هذاعنوان دراسة ضافية نشرها العلامة الراحل جمال حمدان في مجلة الكاتب القاهرية في اعقاب حرب حزيران1967, كان محور هذه الدراسة هو السلوكية الصهيونية المعتمدة بين يهود اسرائيل ويهود امريكا, وتقضى ببث اكبر عدد ممكن من انصاف الحقائق وتغيير اكبر عدد ممكن من مضامين الاحداث ولوي عنق اكبرعدد ممكن من وقائع التاريخ او اعادة تفسيرها قسرا وتعسفا بما يخدم مصالح المشروع الصهيوني بدرجة او باخرى. ولقد نذكر ان جمال حمدان احال الى عبارة سخيفة وخبيثة صدرت يوما عن رئيسة وزراء اسرائيل السابقة جولدا مائير وقالت فيها: ان العرب يتحدثون عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بالغيظ مثل المتسول الذي يعرض عاهته على قارعة الطريق مستعطيا ما يجود به العابرون. منطق الاسقاط السياسي ونحسب ان جولدا مائير انما كانت تصدر في مثل هذه المقالات عن موقف نفساني مريض يلخصه مصطلح (الاسقاط) بمعنى انها كانت تدفع عن نفسها او عن قومها نفس الآفة التي حاولت ان تلصقها بالعرب, آفة التسول السياسي او ادعاء المسكنة او المتاجرة بما شهده التاريخ من مظالم ومعاناة. واذا كان العرب قد اطلعوا على محنة اللاجئين الفلسطينيين من منظور شريف اخلاقي وهو منظور الحق المغتصب ومنظور موضوعي سياسيا, وهو منظور التحرر الوطني وحقوق العودة والتعويض وتقرير المصير فان اليهود وحركتهم الصهيونية مابرحوا يعرضون عاهة يحاولون ابرازها, ولفت الانظار اليها مع مطلع كل شمس وهم لايكفون عن استخدامها لا من اجل التعويض عن آلام او مظالم لحقت بهم او بجماعات من بينهم, بل من اجل مواصلة الابتزاز السياسي, فضلا عن جني المكاسب المادية التي كان آخرها تلك الملايين التي تقاضوها من بنوك سويسرا في الآونة الاخيرة بدعوى تعويض ورثة اصحاب الحسابات المصرفية من يهود ماقبل الحرب العالمية الاخيرة. عاهة اسمها الهولوكوست والعاهة التي يستخدمها اليهود الصهاينة اسرائيل اسمها (الهولوكوست) محارق الاضطهاد التي يودون ان يصبح العالم ويمسى على ترديدها والتذكير بها والتركيز عليها وكم بالغوا وكم اوغلوا في حديث الهولوكوست بوضع محرقة الاضطهاد التي عاناها يهود المانيا وبولندا بالذات على يد العهد النازي.. وكم عرضوا الصور وساقوا افادات الشهود واقاموا المتاحف التذكارية ونشروا سيولا من الكتب التي تصور هتلر وكأنه ابن الشيطان شخصيا, وتقدم الالمان في عهد الرايخ الثالث وكأنهم طغمة من الوحوش كل هذا ناهيك عن التفسير السينمائي ـ الهوليوودي لاحداث الحرب العالمية ووقائعها واضطهاد اليهود خلالها ــ واخر هذه المنتوجات السينمائية كان فيلم قائمة (شندلر) الذي اخرجه يهودي موهوب هو سبيلبرج وحرصت الدوائر الصهيونية في امريكا على ان يحصد عددا غير مسبوق من جوائز الاوسكار ومن ثم تكريس الفيلم وكأنه فصل الخطاب فيما لحق يهود وسط وشرق اوروبا من صنوف العذاب الى حد المطالبة بجعله جزءا من مقررات المنهج التعليمي بمدارس المراحل الاولى في امريكا وغرب اوروبا وماهو كما تعلم سوى قطع من الوهم المصنوع. انكسار منحنى الاوهام ولان هذه الكؤوس من المبالغة الاعلامية ومن الصخب الدعائي كؤوس دوارة ـ كما المحنا في مقال سابق ـ الا ان عجلة المبالغة اذا ما اشتدت ودورة الايغال اذا ما تمادت وسدرت في غيها ـ لابد وان تصل الى نقطة نهاية, فتصاب من ناحية بما يمكن ان نسميه (اجهاد الاتصال) بمعنى ان تصاب ماكينة الدعاية بمايشبه التشقق او التصدع او الارهاق من فرط الدوران. ومن ناحية اخرى فان الاجهاد قد يصيب المتلقي الذي تستهدفه الرسالة اليهودية, بعد ان ظل منحنى التحمل لديه في ارتفاع متوتر طيلة السنوات الخمسين تقل او تزيد من تكرار معزوفة الهولوكوست بالليل وبالنهار, ومن تدوير الاسطوانة المشروخة التي لاتقف ولاتسكت حول اليهود وكأن ليس فوق ظهر البسيطة سواهم, او حول اضطهاد اليهود وكأنه لم يضطهد ولم يودع معسكرات التجميع او الاعتقال. غيرهم, وعن وحشية النازي وابليسية ادولف هتلر وكأن المانيا في ذلك العهد (الثلاثينات حتى منتصف الاربعينات لم تشيد شيئا ولا حققت انجازا لا في الصناعة ولا في السياسة ولا في الفكر ولا في التكنولوجيا.. بل كانت غابة تسفك فوق ارضها دماء اليهود الذين كانوا بالطبع ابرياء وفوق الشبهات او كانت مشنقة او مقصلة اسطورية منصوبة تتربص بالبشر ويقوم على امورها زبانية محترفون. عقدة ذنب تاريخية ولسنا بطبيعة الحال طرفا في تلك الثارات التاريخية المحدثة بين اليهود والمانيا ولكن حسبنا, ونحن طرف في قضية الصراع التاريخي العربي ــ الصهيوني ــ ان نشير الى ما ذكرناه من قبل الى ان المخطط الذي نشأ في مجال الاعلام والاتصال في اعقاب الحرب العالمية الثانية وكان هدفه ببساطة هو: تشوية الطابع القوى للشعبين الالماني والياباني. وتحميل الالمان بالذات عقدة ذنب تاريخية يمكن تحريك مواجعها وطبعا جني مكاسبها من خلال تذكيرهم بما تسببوه من محنة اليهود في الهولوكوست على ان يتم ذلك بصورة متواترة ومكثفة وتستخدم احدث تطورات علم وفن الاتصال ــ جيلا من بعد جيل. ويبدو ــ كما اسلفنا ــ ان هذا الامر قد جاوز الحد ومن ثم يكاد يتحول الى الضد كما يقولون, كيف؟ اجابه هذا السؤال تدفعنا الى الامعان في نظرة تأمل واعية في المعلومات التي عرضت لنا ونحن نتابع ابعاد هذه القضية عبر اربعة مواقع مختلفة من خريطة العالم وهي على وجه الترتيب , برلين وسويسرا وجنوب روسيا ونيويورك وفيما يلي مراحل رحلتنا: ( 1 ) برلين: كم اصر اليهود على ان تعتبر المانيا يوم الزجاج المحطم) ــ (كرستاليناخت) واحدا من المناسبات القومية التي فرضوا احياءها على الشعب الالماني باسره, وهو احياء لذكرى اليوم الذي ضاق به الشعب الالماني بعد صعود هتلر ونظامه النازي ذرعا باليهود الذين اتهمهم هتلر بانهم كانوا سبب انهيار اقتصاد المانيا, ذلك اليوم شهد تحطيم واجهات محلات اليهود في برلين وتدمير معابدهم ومصرع 91 منهم.. وفي عام 1998 الحالي عمدوا الى احياء المناسبة في الثامن من نوفمبر وكان من شهودها المستشار الالماني الجديد وهل هناك اقل منه ــ جيرهارد شرويدر ومع ذلك فلم يحسب له زعماء الطائفة اليهودية الالمانية حسابا كبيرا بل مضى خطيبهم يندد بما اسماه نزعات القومية الخطيرة التي عادت الى الحياة الثقافية الالمانية ويدين تقاعس حكومة برلين عن انشاء متحف لتذكير القاصي والدانى بحكاية الهولوكوست. والاكثر من هذا كانت تلك التهجمات التي تعرض لها من جانب خطباء اليهود في ذلك الاحتفال الكاتب الالماني مارتن فالسر وهو في طليعة مثقفي المانيا.. لا لذنب جناه هذا الكاتب الكبير, ولكن لانه القى خطابا وهو يتسلم جائزة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في اكتوبر الماضي احتوى عبارات يعدها يهود المانيا هرطقة وردة بل وسقطة من كاتب ومفكر وقال فيها: ــ انني الاحظ ان الالمان يتعرضون بانتظام الى اتهامات دورية معادية لهم.. واذا كانت معسكرات اعتقال النازي لليهود امرا لاينكره انسان جاد, فان ما تلجأ اليه من عرض هذا الماضي وتذكيرنا به كل يوم, يجعلني احس بشعور يدفعني الى مقاومة هذا الاستعراض الدائم لعارنا وقد اصبحوا يستغلونه لاغراض تتصل بالوقت الحاضر, والحاصل ان عبارات هذا الكاتب الالماني الكبير لقيت اصداء واسعة في المانيا وعبر سيل الخطابات التي تلقاها الكاتب من مختلف المذاهب والمشارب السياسية وكان لسانها يقول كما عبر مارتن فالسر نفسه. (لقد اصبح الالمان شعبا سويا مثل سائر الشعوب واصبح مجتمعنا عاديا كباقي المجتمعات. (2) سويسرا تحدث عن فضيحة في ميدان التأليف والنشر بطلها ــ ان كان للفضائح ابطال اسمه بنيامين فيلكومرسكي وفنشر في عام 1995 كتاب صغير (155 صفحة) بعنوان (شذرات) وجاء في عنوانه الفرعي الدال على مضمون الكتاب انه عبارة عن ذكريات طفولة في زمن الحرب, ولان الكتاب منسوب الى يهودي, قدم نفسه للقارىء على انه يهودي من مواليد لاتفيا على بحر البلطيق عام 1941 وظل يحفر جاهدا في اعماق ذاكرته ــ كتر الله خيره ــ فاذا به ــ الفالح ــ يذكر كيف فتح عينيه فاذا به طفلا مودعا في احد معسكرات الاعتقال النازية في بولندا وكم سود الكاتب الصفحات الطوال في مذكراته حول ضروب التعذيب في تلك المعسكرات وحول مشاهد الرعب والموت, وكيف كانت الجرذان تعبث فسادا بين الجثث وكيف كان الاطفال الجوعي يرضعون بناتهم حتى العظم.. الخ. مهرجانات ثقافية يهودية باختصار اقيم للكتاب مهرجانات واحتفالات اشرف عليها اليهود وتبرع نقادهم بان خلعوا عليه صفة (الروائع الادبية) وعلى المحروس المؤلف صفة العبقري الموهوب وعلى سطور الذكريات صفات البراءة والصدق, وطبعا مطلوب من القارىء استمطار اللعنات وصفات الوحشية والبربرية على الالمان من جيل هتلر الى الجيل الحالي وما يليه, ثم ترجموا الكتاب الى نحو 12 لغة ورتبوا رحلة للمؤلف اليهودي العبقري لجمع الاموال شملت ست مدن كبرى في العالم. انقشاع الوهم لكن ها هو الوسط الادبي في اوروبا ــ سويسرا بالذات ــ يشعر بقلق متوجس بعد ان راحت سكرة وجاءت الفكرة ومعها شكوك عميقة راودت ناشرا سويسريا شمر عن ساعد الجد واستأجر محققين خصوصيين بحثوا مدى صحة الموضوع فكان ان اثبتوا ان (المؤلف اليهودي باع الترماي الى ناشريه في اماكن شتى من العالم, وان الحماس الذي لقيه الكتاب من النقاد اليهود كان مجرد حماس يهودي لا أكثر ولا أقل اوانه قد عميت بصائرهم الادبية وخمدت حاستهم النقدية فتعاملوا مع الكتاب وكأنه تحفة في الابداع أو بالادق كأنه شهادة جديدة تؤدي, ولايأس الى تذكير الناس بحكاية الهولوكوست. هكذا اثبتت التحقيقات ان صاحب الكتاب سويسري وقد ولد في مدينة بييل السويسرية وكانت أمه مسيحية وكان هو ثمرة خطيئتها مالبثت ان تبنته عائلة تعيش في زيورخ ناهيك عن ان السجلات الرسمية السويسرية اكدت ان مولده كان عام 1941 بينما بدأ ذكريات كتابه المزعوم في عام 1939 بمعنى انه كان يعاني عذابات الهولوكوست وهو بعد في ضمير الغيب بالتمام والكمال. ( 3 ) في روسيا, وبالتحديد في جنوبي روسيا على البحر الاسود تنشر جريدة نيويورك تايمز موضوعا بقلم سلستين بوهلن عن تحولات الروس في تلك المنطقة الى اليهود. ورغم ان المنطقة اصلا تحوي 78 جنسية, ورغم ان السكان اليهود يشكلون اقلية عديدة اذا لايزيدون كما يقول التحقيق الصحفي الامريكي, عن 1500 نسمة بعد عقود من الهجرة الى اسرائيل, الا أن السكان المحليين بدأوا يعلنون احتجاجهم على تصرفات اليهود وجاء ذلك على لسان محافظهم المنتخب الذي يرى ان اليهود يتآمرون على منطقته (5 ملايين نسمة) بل وبلاروسيا بأسرها كيف لا وهناك اكثر من يهودي يتولى منصبا رفيعا في حكومة يلتسين, بل ان الاقتصاديين والمخططين اليهود هم الذين تولّوا مقاليد مرحلة التحول من قوانين الاقتصاد السوفييتية الى الاقتصاد المفتوح بكل ما انطوى عليه ذلك من انهيار الروبل وتصدّع هياكل الاقتصاد, ومعاناة الجماهير الغفيرة وسيطرة العصابات, وتفشّي الفساد ومن عجب ان القوم في تلك البقاع النائيه على البحر الاسود يتحدثون عن (مؤامرة صهيونية) ويصفون اليهود بانهم لا ينتمون الى روسيا ومصالحها وفي هذا يتساءل نائب محافظ المنطقة واسمه نيكولاي خارشنكو: ــ ماهي إذن نتائج الصهيونية؟ انها انهيار روسيا, ولو كان الامر بيد الوطنيين الروس لما سمحوا بتلك (الاصلاحات) ان تحدث. يقصد اجراءات حكومة يلتسين التي اضرت بالاقتصاد الروسي. دفاع على الانترنت ومرة أخرى نؤكد اننا لا نقصد موضوعيا بل وانسانيا, الى تعميم اخطاء البعض كي تصدق على الكل, ولا الى تحميل المجموع البشري خطايا افراد أو حتى جماعات, اننا كعرب ومسلمين نصدر عن منطق السماء النبيل العادل الذي يقول: كل امرىء بما كسب رهين, ويقول: ولاتزر وازرة وزر اخرى. ومع ذلك يعد لنا ان نؤكد ان جموع اليهود ـ الصهاينة او الاسرائيليين سواء خارج الكيان المزروع في وطننا أو داخله من شأنها ان تتهيأ لتتجرع غصات الكأس التي طالما اعدتها من قبل كي يذوقها غيرها. وقد بلغ الوعي بهذه الخطورة الى حد أن هرعت كبرى مؤسسات الدعوة اليهودية في أمريكا الى تدارك الأمر قبل استفحاله, وهو ما يقودنا الى ختام محطات التحليل في هذا الحديث. ( 4 ) نيويورك حيث اعلنت منظمة الدفاع ضد التشهير وهي من اهم المنظمات اليهودية في امريكا عن التوصل الى (فلتر) يستخدم على شبكة الانترنت ليكون بمثابة حاجز يحول بين مستخدم الكمبيوتر وبين الاطلاع على الدعايات العنصرية التي تبث الكراهية والبغض العرقي بين البشر, وحكاية البغض والعنصرية هي كلمة السر التي تستخدمها المنظمات اليهودية, ومعظمها مؤيد لاسرائيل, في الحديث عما ترصده من دعايات مناوئة لليهود ومخططاتهم ونزعتهم الاستعلائىة, وقبضتهم التي تتحكم في مرافق حيوية من المجتمع الامريكي. وفي هذا الصدد يقول ابراهام فوكسمان الناطق باسم المنظمة المذكورة: لقد كنا نحارب البغض المعادي للسامية (كراهية ومناهضة اليهود) في المواقع التي يقوم فيها.. لكن هاهو يأتيك الى بيتك دون ان تشعر. لهذا اصطنعوا هذا الجهاز الذي يتيح اخفاء صفحات الحاسوب التي تناهض اليهود وتتصدى لكشف مخططاتهم وافكارهم لدوائر النفوذ المالي والاعلامي والسياسي وهو جهاز يستخدم كذلك بالنسبة للمواد الإباحية المبثوثة عبر الشبكات الالكترونية ويصل سعره الى نحو ثلاثين دولارا. وتشير الكاتبة الامريكية باميلا مندلس الى ان هذا هو سعر التكلفة باعتبار ان المنظمة اليهودية بدأت تشعر بانزعاج يساورها ازاء ازدياد الدعوات التي تحض على كراهية ومناهضة اليهود في امريكا رغم الجهود الواسعة النطاق التي بذلوها لتحسين صورتهم ولتذكير الناس بفواجع الهولوكوست وتصوير اسرائيل على انها حارس المصالح الامريكية والمنارة التي تجسد وتكرس قيم الديمقراطية الامريكية في الشرق الاوسط. والطريف ان يقول احد معارضي حكاية الحاجز الالكتروني: تلك وسيلة رقابية تصادر على حرية التعبير كما ان الحاجز او المصفاة التي استحدثوها مازالت بدائية, لدرجة انها اما ستحجب المواد المشروعة واما ستعجز عن الوصول الى المواد غير المشروعة.. واما سترتكب الخطأين معا.

Email