السيناريو الأمريكي والخروج عن الخط!! بقلم - جلال عارف

ت + ت - الحجم الطبيعي

لن يكون ضرب العراق هو نهاية المطاف في هذه المأساة التي تعيشها الأمة العربية, ولكنه فقط سيكون الإعلان الجديد عن تصميم أمريكا على حسم الموقف في المنطقة لصالحها فقط , ودون اعتبار لأي قوة أخرى أو السماح لها بالمشاركة, فأمريكا هي اللاعب الوحيد والملعب لايتسع لغيرها, وعلى العرب جميعاً أن يفتحوا عيونهم على هذه الحقيقة, وأن يدركوا ان السيناريو الأمريكي الذي يجري تعديله بصفة دائمة دون أن يتنازل عن الهدف الأساسي لن يسمح لأحد بأن يخرج عن الخط!! ومن هنا فإن ضرب العراق لايمكن فصله عما يجري في باقي الساحة العربية, ابتداء من الحملة المحمومة على مصر والمحاولة الأمريكية البريطانية الصهيونية لإثارة الفتنة الطائفية بين أبنائها, إلى جهود تصفية القضية الفلسطينية التي تسير في طريقها بفضل (سلام الشجعان) , إلى ترسيخ الحلف التركي - الاسرائيلي المشبوه وفرضه على المنطقة وخطوات جر الأردن للحلف المشبوه بكل ما يعنيه ذلك من اختراق للأمن العربي. مأساة العراق - من وجهة النظر الأمريكية - لابد أن تستمر, والأمر لايتعلق هنا بأسلحة تقليدية أو غير تقليدية, فأمريكا أول من يعرف أن الحديث عن قوة عسكرية عراقية أصبح مستبعدا ولسنوات طويلة, والأمر لايتعلق بالتزامات دولية فأمريكا تعرف جيدا ان الأزمة الحالية سببها الرئيسي هو تأكيد أمريكا أنه لا علاقة بين تنفيذ العراق لالتزاماته وبين رفع العقوبات عنه .. أي ان تنفيذ العراق لكل التزاماته لن يكون سبيله إلى رفع العقوبات وإيقاف المجاعة التي تعصف بالشعب المحاصر, وانما يرتبط رفع العقوبات بالتوقيت الذي تراه امريكا, وللأسف فالتوقيت مؤجل, والوضع الحالي في العراق هو الوضع الامثل للسياسة الامريكية فهو الذي يضمن استمرار التوتر في الخليج, وهو الذي برر الوجود العسكري الامريكي, وهو الذي يوفر الفرصة لابتزاز امريكا للعرب سياسيا وعسكرياً ومالياً, وهو الذي يمهد الطريق لوضع الخريطة الامريكية موضع التنفيذ, وهي خريطة لن يكون فيها مكان للعراق الذي نعرفه اذا نجحت امريكا في مخططاتها. الوضع الحالي للعراق هو الوضع الامثل لامريكا وأي محاولة لانهاء هذا الوضع من جانب العراق او من جانب العرب ستتم مقاومتها من امريكا الى ان يتم فرض تقسيم العراق, والى ان تتم تصفية القضية الفلسطينية وفرض الحل الامريكي الاسرائيلي لها والذي قد يكون العراق طرفا فيه بوصفه احدى الدول التي تساهم في الحل باستقبال جزء من اللاجئين الفلسطينيين!! من هنا فإن ضرب العراق لن يكون نهاية المطاف , بل هو جزء من السيناريو الامريكي الجديد الذي يتم تنفيذه في المنطقة كلها ولعلي استطيع ان اقول ان الجزء الاخطر والاهم سيكون في الجانب الآخر ومن هنا ينبغي ان نفهم الحملة الضارية على مصر والتي لا اظن انها ستتوقف قريباً, فمصر تعاقب على مواقف وطنية وقومية, ومصر تحاصر حتى يتم تمرير المخططات الامريكية ــ الاسرائيلية, ويتقرر مصير كل شيء في غيابها ومصر مطالبة بان تسكت على كل ما يجري, وان تبتعد عن قضايا المصير العربي, وان تكون شاهد زور يصفق طرباً لتصفية القضية الفلسطينية وتهديد أمن مصر والعرب, وبقاء العراق محاصراً مهاناً الى الابد.. فإذا لم تفعل فهي متهمة بالضغط على عرفات حتى لا يقوم بتصفية المقاومة الوطنية (التي اصبحت ارهاباً بمقتضى اتفاقات سلام الشجعان) وهي متهمة بالسعي للمصالحة العربية, وهي متهمة بالوقوف مع سوريا في وجه الاخطار الهائلة التي تواجهها, وهي متهمة بعدم تبني الموقف الامريكي ضد ليبيا والسودان, وهي متهمة بأنها لا تشجع التطبيع وتقف ضد (الهرولة) . والعقاب الامريكي لا يتأخر امام كل هذه الاتهامات... ومن هنا تأتي خطورة الحملة التي تواجهها مصر والتي تحاول اثارة مناخ يساعد على قيام الفتنة الطائفية, ومن هنا هذه الافتراءات حول اضطهاد مزعوم لاقباط مصر, ومن هنا هذه التهديدات بضرب السياحة في مصر حتى بلغت الوقاحة بالسفارة الامريكية في القاهرة ان تصدر تحذيرا للامريكان في مصر بأن يتخذوا كافة الاحتياطات خوفا من احداث ارهابية تتم في ذكرى حادث الاقصر!! والمعنى واضح... تذكير العالم بالحادث المشؤوم, والايحاء بأن الامن غير مستقر في مصر, وتوجيه رسالة اخرى لم يهمهم الامر بأن امريكا غاضبة وأنها قادرة على الحاق الاذى بمن تغضب عليه!! ان امريكا غير مستعدة لأي موقف عربي الا موقف التأييد لسياساتها, وما قالته الادارة الامريكية بعد اتفاق (واي بلانتيشن) من ان العرب لا ينبغي ان يظلوا مشاهدين للاحداث لم يكن يعني الا شيئا واحدا... ان حق الاعتراض ممنوع, وحتى التحفظ لا مكان له, وان السبيل الوحيد امام العرب هو ان يؤيدوا ما تريده أمريكا في شأن فلسطين وفي شأن غيرها من القضايا, و بدون أي قيد أو أي شرط! المطلوب من العرب جميعا ان (يبصموا) بالموافقة على السيناريو الامريكي المعدل للمنطقة, والتي تبقى فيه امريكا اللاعب الاوحد في شؤون المنطقة وخاصة شرقها, ويبقى فيها العراق محاصرا مستباحا, وتوكل فيه مسؤوليات الأمن في غرب المنطقة الى تحالف اسرائيلي تركي اردني تحت اشراف المخابرات المركزية الامريكية وتصبح فيه المنطقة العربية نموذجا موسعا لقطاع غزة تحت الهيمنة الاسرائيلية والسلطة الوطنية الشكلية التي تساعد في ضبط الامن, والاشراف الامريكي المباشر على كل شيء! وضرب العراق الآن هو خطوة لتثبيت كل هذه الاوضاع, لابد ان تتلوها خطوات لاتمام التحالف المشبوه وجر الاردن اليه, واكمال الحصار على سوريا, وممارسة كل الضغوط على مصر واستخدام كل الاوراق لارغامها على الانكفاء على نفسها والتخلي عن اي دور عربي, والسكوت عما يجري حولها من تحركات ستحدد مستقبل المنطقة لسنوات طويلة. سوف تستمر الحملات المحمومة لزرع الفتنة الطائفية, وسوف تتزايد الضغوط الاقتصادية والابتزاز السياسي, وازاء ذلك كله لابد من استراتيجية للمواجهة تدرك ابعاد المؤامرة جيدا, ولا تتعامل مع المشاكل بالقطاعي, وتتحرك في الوقت المناسب, وتنتقل من منطقة ردود الفعل الى منطقة الفعل والمبادرة. لابد من استراتيجية للمواجهة تثق في قدراتها وتستغل امكانياتها افضل استغلال, وتتحرك على كل الجهات في نفس الوقت وبنفس المقدرة. لابد من استراتيجية للمواجهة تدرك ان تحصين الوحدة الداخلية لابد ان يكون قضية كل يوم, فهي السلاح الابقى وهي ــ في نفس الوقت ــ المنطقة التي يسعون لفتح الثغرات فيها, ان معالجة المشاكل اولا بأول سوف ينهي الكثير من الازمات التي يستغلها العدو, وفتح ابواب الحوار القومي مسألة ضرورية, واطلاق الحريات لاوسع مدى واتاحة الفرصة لانخراط الجميع في العمل السياسي لم تعد ترفا, او علاجا يمكن تأجيله او اعطاؤه على جرعات كما يدعي البعض. تحصين الدولة من الداخل قضية حياة أو موت في مثل هذا الصراع الذي تقبل عليه المنطقة, ولا تتحصن الدول الا بالحرية والعدل, والحرب على الفساد, واطلاق كل طاقات الفكر والابداع في المجتمع. استراتيجية المواجهة تدرك ان قضية فلسطين ليست قضية تضامن مع أشقاء ولكنها قضية أمن وطن لا يمكن التفريط فيه, ولا يمكن الرضوخ فيها لارادة الآخرين الذين يريدون ان تسكت مصر على وجود كيان عنصري نازي مدجج بالسلاح النووي والدعم الامريكي, وان أي وضع لا ينهي هذا الوضع ويعيد الحقوق المشروعة ويبني التوازن الحقيقي في المنطقة لن يكون الا دعوة جديدة لانفجار الأوضاع في المنطقة. واستراتيجية المواجهة لا يمكن ان تسكت على ما يجري في السودان ودول حوض النيل, ولا يمكن ان تسمح بتقسيم السودان, ولا بالسيطرة الاجنبية المشبوهة على منابع النيل واستخدامها لابتزاز مصر. واستراتيجية المواجهة لا يمكن ان ترضى بحصار مصر وابعادها عن عالمها العربي, وتدرك ان الأمن القومي العربي هو مسؤولية عربية أولا وأخيرا, واذا كانت الظروف قد فرضت أوضاعا مخالفة فهي ظروف مؤقتة لابد ان تنتهي لتعود الأمور الى نصابها. واستراتيجية المواجهة ترفض ابقاء العراق بعيدا عن الصف العربي الى الأبد, وتسعى لتصفية الخلافات بين الاشقاء, وترفض أي عدوان جديد على شعب العراق, كما ترفض الاحلاف المشبوهة التي يراد لها ان تتحكم في مصير المنطقة. .. ومن حق أمريكا ان تسعى لضمان مصالحها, ولكن ليس على حساب العرب.. نقولها ونحن ندرك انها لن تتوقف عن الانحياز ضد العرب والاستهتار بحقوقهم, الا اذا أدركت ان ذلك يهدد مصالحها, وعرفت ان العداء للعرب والعدوان عليهم سوف يكلفها الكثير!

Email