مع الناس:بقلم-عبدالحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع أن إحتمالات توجيه ضربة عسكرية للعراق كانت كبيرة, على حسب الحشود العسكرية والتصريحات النارية, الا ان المواطنين العرب , وبالذات في دول الجوار مع العراق, انصرفوا لشؤونهم, ولأول مرة لم تشغلهم هذه التهديدات ولا لعبة القط والفأر بين العراق والامم المتحدة. فالكويتيون انصرفوا لمباريات كأس الخليج ثم للاحتفال بفوز فريقهم بالبطولة, ولأول مرة نقلت الوكالات صورا لهم وهم على المقاهي مثلا تعبر عن عدم قلقهم, كما ان الاردنيين انصرفوا بدورهم الى متابعة اخبار ملكهم الذي يتلقى العلاج في أمريكا, ثم للاحتفال بعيد ميلاده, فيما العراقيون أنفسهم, الذين لم تشغلهم متاعب الحياة والبحث عن رزق, انصرفوا للاحتفال بيوم بغداد, عدا قلة تظاهرت تأييدا للسيد الرئيس, مفهوم إنها من تدبير رسمي. هذا الملل الذي أصاب المواطنين العرب من لعبة القط والفأر هذه, ومن مسرحية المفتشين وغيرها من المسرحيات العراقية الأمريكية المشتركة, لم يصب بعد القيادة العراقية ولا القيادة الأمريكية, لكي نرتاح من أجواء الازمة بعد الازمة, حتى وهذه المسرحيات باتت تحتاج الى تجديد من كثرة العرض والى اثاره بعد ان فقدتها, أو حتى وهذه المسرحيات باتت مكشوفة, ونهاياتها صارت معروفة قبل اسدال الستارة. وهكذا فالمواطن العربي, خاصة البسيط والعادي, صار على يقين تام بأن التهديدات ستصل الى أوجها والحشود العسكرية ستتواصل وآلة الجهود الدبلوماسية العربية والدولية ستعاود الدوران بأقصى سرعة, لكي نصل في النهاية الى قرار عراقي بعودة المفتشين واستئنافهم لعملهم من دون شروط, حتى لم يعد هذا المواطن يسأل: لماذا الأزمة اذن؟, وأين الأزمة, لأن الجواب عنده صار تحصيل حاصل. هذا المواطن صار على يقين, مثلما هو على يقين من نهاية كل أزمة مفتعلة, على أن كل طرف من اطراف الازمة يخدم الآخر, وان هناك تواطؤا غير معلن وغير مكتوب, ولكنه مطلوب ومرغوب, بين العراق والولايات المتحدة, فالطرف الأول تظهره الأزمات في مظهر المظلوم الذي يستحق التعاطف العربي والانساني, او تظهره في موقف الصامد المجاهد فيكسب تأييدا ممن يخدعهم, فيما الطرف الثاني يستفيد بلفت الانظار بعيدا, اما عن أزمات داخلية, كفضائح مونيكا, واما عن عجز سياسي في مكان آخر, كالعجز عن تنفيذ اتفاقات السلام في الشرق الاوسط نتيجة التعنت الاسرائيلي. لذلك, فان المواطن العربي العادي, ممن اصابته ما يسمى بأزمات المفتشين وغيرها من أزمات بين العراق والامم المتحدة بالملل, لا يتردد عن اتهام النظام العراقي بالعمالة لأمريكا, لأن المستفيد كل مرة من مثل هذه الأزمات هو أمريكا, وبالطبع النظام العراقي الذي ربما تعمل مثل هذه الأزمات على إطالة عمره وضخ الحيوية في عروقه المتيبسة. طبعا الأسلم للعراق, وللعرب من ورائه, هو ان يترك للمفتشين القيام بعملهم على أكمل وجه, بدلا من طردهم وافتعال المشكلات معهم ثم العودة الى الرضوخ التام, والأسلم له أيضا ان يسلم بسرعة ما في حوزته من أسلحة دمار, إن كان يملكها حقاً, وأن يكشف عنها لكي يمهد ذلك لسرعة رفع الحصار عنه والقضاء على ذرائع تمديده كل مرة, والأسلم له أخيراً ان يوجه جهوده لإعادة البناء الداخلي لما فيه مصلحة الشعب العراقي وخيره, فهذا يكفيه ما أصابه من ويلات وشرور, لولا ان النظام العراقي لا يعرف الأسلم للعراقيين وللعرب, فهو لا يعرف سوى الأسلم له فقط, وليكن من بعده الطوفان.

Email