أول فضائية إسلامية في تحد إعلامي جديد: بقلم- الدكتور محمد قيراط

ت + ت - الحجم الطبيعي

قناة فضائية عربية جديدة رأت النور يوم الأربعاء 21 اكتوبر من السنة الجارية يطلقها ويشرف عليها راديو وتلفزيون العرب بهدف خدمة الإسلام والمسلمين, جاءت هذه القناة في وقت كثر الكلام عن الفضائيات العربية وكثرت الانتقادات عن أدائها ومحتواها وما تقدمه للمشاهد العربي في مختلف أنحاء العالم, هل يا ترى ستنجح قناة اقرأ في تقديم الرسالة الإعلامية الهادفة للمشاهد العربي وهل ستنج أين فشلت قنوات عديدة؟ هل تستطيع القناة الجديدة أن تقدم البديل للمشاهد العربي؟ وهل ستستطيع أن تكسر التبعية والذوبان في الانجراف الثقافي والثقافة العالمية؟ حسب الدكتور عبد القادر طاش رئيس قناة اقرأ وهي أول قناة فضائية إسلامية يعرفها العالم العربي والإسلامي, هذا العالم الذي يزيد سكانه على المليار والذي عرف الفضائيات العربية منذ الثمانينات, والذي فاقت القنوات الفضائية فيه أكثر من 30 ــ المولود الجديد سيقدم برامج إسلامية هادفة ومتنوعة ثقافية وسياسية واقتصادية وإعلامية, ويؤكد الدكتور طاش أن القناة قناة اسلامية وليست دينية, كما يركز كذلك على أن المادة التي تقدم في قناة اقرأ ستكون مادة ورسالة ومحتوى بعيدة عن الرتابة والركاكة والروتين تعمل على جذب القارئ والمحافظة عليه. القناة إذا وحسب أقوال مديرها العام الدكتور عبد القادر طاش تختلف جوهريا عن الفضائيات العربية الموجودة حاليا حيث انها لا تهدف إلى الربح وتركز على تحقيق رسالة واضحة ومحددة وهي غرس روح التفاهم والحوار بين أفراد الأمة العربية والإسلامية وكذلك فتح قنوات التواصل بين العالم الإسلامي ومختلف الحضارات والثقافات العالمية, كما تهدف القناة الى الدفاع عن الحضارة العربية الإسلامية وخاصة الرد على مختلف الاتهامات والحملات الدعائية الموجهة ضدها من قبل الغرب وخاصة الآلة الإعلامية الصهيونية التي تهدف الى تشويه صورة الإسلام والمسلمين. وحسب الدكتور طاش فإن المسؤولين اتخذوا كل احتياطاتهم وأن كل شيء جاهز لتكون قناة اقرأ قناة تختلف عن القنوات الأخرى سواء من حيث الشكل أو المضمون أو البعد الديني والحضاري واللغوي - القناة لا تعتمد على الإعلان لتمويلها ولكن حسب الدكتور عبد القادر طاش فإنها تعتمد على الرعاية وعلى إنشاء مؤسسة إسلامية تجمع الإيرادات من أموال الوقف الإسلامي على المستوى الدولي لتدعيم القناة. في البداية يجب أن نتساءل ونقول كيف كان الانتاج والبث التلفزيوني الأرضي العربي قبل البث الفضائي؟ والإجابة بطبيعة الحال هي ضعف الانتاج والتبعية الإخبارية والتبعية في البرامج المختلفة, وهذا الضعف وهذه التبعية ناتجان بطبيعة الحال عن عدم وضوح الرؤية وعدم وضع خطة استراتيجية وعمل مشترك بين الدول العربية, هل نحن نريد أن نحرر الفكر والإبداع ونشرك الجماهير الشعبية في الممارسة السياسية واتخاذ القرار أم نريد من وسائل إعلامنا أن تكون أدوات للتهميش والإقصاء أو أن تكون وسائط لتحقيق الأرباح وتفريغ الثقافة والتراث والتاريخ من محتواها الحقيقي؟ تسابقت الدول العربية وتسارعت نحو البث الفضائي حيث ان البعض منها لم يكتف بواحدة فقط وانما أصبحت لديه أكثر من قناة واحدة وهذا ما أدى إلى وجود عدد يفوق الثلاثين قناة فضائية والتناقض الصريح هنا هو أن ساعات البث التلفزيوني في الوطن العربي زادت بنسب كبيرة جدا حيث تفوق ساعات البث في أرجاء الوطن العربي وفي الأسبوع الواحد 5000 ساعة, وبالمقابل نلاحظ ان الانتاج قد بقي على حاله أو تطور بنسبة ضئيلة جدا لا تفوق 5% ومن هنا نرى أن الفضائيات العربية قد وضعت العربة أمام الثيران كما يقول المثل الفرنسي, وبدون أدنى شك فإن الأداء انطلاقا من هذه المعطيات لا يستطيع أن يكون في المستوى المطلوب ولا يستطيع أن يستجيب لتحديات العصر وللثورة المعلوماتية ولأخطار العولمة. الحقيقة ان الدول العربية تقبل دائما على التكنولوجيا بدون تحضير الأرضية اللازمة والضرورية لهذه التكنولوجيا, وهكذا أصبحت معظم القنوات الفضائية عبارة عن صناديق بريد تستقبل مخرجات الصناعات الثقافية العالمية وتوزعها, هكذا بكل بساطة وفي بعض الأحيان بكل سذاجة, فقبل ظهور القنوات الفضائية كان الانتاج التلفزيوني العربي لا يعكس وزن وقوة العالم العربي وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى عدم الاهتمام بالصناعات الثقافية وبالانتاج الفكري والأدبي وحتى الموازنات التي تخصصها الدول العربية لهذه الصناعات لاتكاد تذكر, ففي الحقيقة كانت معظم الدول العربية تعاني من مشاكل عديدة مع قناتها أو قنواتها الأرضية ولم تتجرأ أن تنظر في هذه المشاكل بل راحت مع تطور البث الفضائي تتسابق لتبرز عضلاتها على أنها تواكب التطور والتكنولوجيا الحديثة, وهكذا اتجهت معظم الدول العربية نحو البث الفضائي دون تخطيط ودراسة ودون التفكير في طريقة البث لمدة 24 ساعة وما هي المادة التي تقدمها خلال هذه المدة, وهكذا سيطرت فكرة سد الفراغ والأفكار التجارية البحتة (الإعلانات والمسابقات بمختلف أنواعها وأخبار النجوم والفنانين .. إلخ) على المادة الإعلامية والثقافية. في ظل هذه التناقضات الحادة غاب العمل الإعلامي الهادف وغابت استراتيجية توجه القنوات الفضائية العربية للتركيز على الانتاج وخدمة المواطن العربي في تنوير عقله وتوجيهه وتزويده بالرصيد المعرفي والثقافي والديني والحضاري حتى لا يضيع في أوساط التدفق الإعلامي العالمي الذي لايعرف حدودا ولا قيما ولا دينا, وفي خضم العولمة والثورة المعلوماتية جاءت الفضائيات العربية لتكرس التبعية وتذوب في الثقافة العالمية وفي الآخر تنجرف مع التيار بدون إدراك ولاوعي, وأصبح هدفها هو البث فقط وبث أي شيء بغض النظر عمن هو المنتج وماهي هويته وماذا يحمل من قيم في هذه المادة المعلبة, فالعمل الاستراتيجي على المستوى العربي في ميدان الإعلام يكاد ينعدم تماما واللجنة المنبثقة عن جامعة الدول العربية لم تستطع أن تواجه التحديات خاصة وأن على مستوى كل دولة نلاحظ غياب وضوح الرؤية وغياب بوادر وإرهاصات استراتيجية ترقى الى الدور الاستراتيجي للإعلام سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي. وهكذا نلاحظ طغيان البعد التجاري والترفيهي على القنوات الفضائية العربية أكثر من أي شيء آخر, فالربح هو أساس العمل الإعلامي وانطلاقا من هذا المنطلق فإن برنامج مثل ما يطلبه المشاهدون يكون من الناحية التجارية (بث إعلانات خلال البرنامج) أكثر أهمية من برنامج عن التراث العربي الإسلامي. واذا انضمت السياسة الإعلامية للقناة الفضائية فهذا يعني أن السياسة التجارية وسياسة الربح تكون هي المسيطرة والموجهة لاي قرار يتخذ بشأن القناة. وكما ذكرنا أنفا يجب تحديد ــ مسبقا ــ ماذا نريده من القناة الفضائية؟ أهو التباهي والظهور حتى نقول أننا كدولة لنا قناة أو قناتين أو ثلاثة قنوات فضائية ونبث 24 ساعة في اليوم ويمكن مشاهدة هذه القنوات في أوروبا وأمريكا وآسيا وافريقيا, أم يكون الهدف هو الربح وبذلك توجه سياسة القناة نحو الوصول الى اكبر عدد من المشاهدين وليس بالضرورة عن طريق البرامج الجادة وإنما عن طريق البرامج الاكثر استهلاكا كالمسلسلات والأغاني والمسابقات وبعض البرامج المدبلجة الهابطة. وفي ظل غياب استراتيجية واضحة فإن أي قناة عربية لا تستطيع أن تدافع عن الهوية العربية الإسلامية ولا تستطيع أن تواجه التدفق الاعلامي الغربي والثقافة العالمية والثورة المعلوماتية والغزو الثقافي. فهذه الأمور كلها بحاجة الى عمل وتخطيط وتدبير مسبق يعتمد على الدراسة والبحث العلمي. فأي عمل وأي قرار لا يعتمد على مدخلات صحيحة ومعلومات وافية يكون مآله الفشل وعدم القدرة على منافسة الآخر. قناة اقرأ تعتبر الأمل والمستقبل حسب ما فهمناه من كلام الدكتور طاش فالقناة تبدو وأنها وضعت هذه المرة (الثيران أمام العربة) وحددت مسبقا ماذا تريد وكيف تحقق ما تريد وماهي الاستراتيجية التي تساعدها الى الوصول الى أهدافها. قناة اقرأ تأتي في ظروف يجد المجتمع العربي والإسلامي نفسه بحاجة ماسة الى قناة جادة وهادفة غير منشغلة بالربح وبالمادة على حساب القيم والمبادىء والأخلاق. هل تستطيع القناة الجديدة أن تبني طموحات وحاجات الشرائح المختلفة في المجتمع؟ هل تستطيع العمل على تنويع البرامج وبث نسبة معتبرة من المادة الثقافية والعلمية والتربوية والتوجيهية والتعليمية. وبهذه الاجراءات تستطيع القناة الجديدة أن تكون شخصية خاصة بها وأن تكون لها هوية يجد من خلالها المشاهد المسلم ذاته ونفسه ووجوده. أملنا كبير أن يسيطر الضمير الأخلاقي والمهني على قناة اقرأ وأن تكون مؤسسة اعلامية في خدمة الحق والحرية لا غير. والإعلام الذي تنقصه الحرية لا يستطيع ان يتوفر على المصداقية ولا يستطيع ان يواجه التحديات المختلفة في عصر العولمة والصناعات الثقافية العالمية. تواجه الفضائيات العربية تحديا هاما حيث أنها مطالبة بحماية المشاهد العربي من التدفق الإعلامي الغربي ومن التشويه والنمطية وفبركة الواقع حسب أهواء ومصالح القوى الفاعلة في النظام العالمي, هذا من جهة ومن جهة اخرى فإنها مطالبة بابراز الهوية العربية الإسلامية والثقافة والحضارة والوجود العربي الإسلامي عبر ما تبثه من برامج وإنتاج فكري وأدبي, ان كان هناك إنتاج. فهناك إذا تحد حضاري وتحد اجتماعي قيمي. فإلى أي مدى ستنجح قناة اقرأ في تحقيق مهمتها وفي مهمة الدفاع عن الهوية الإسلامية والتاريخ والحضارة العربية الإسلامية؟ وهل الشروط والمستلزمات اجتمعت وتوفرت لاعطاء البديل ولتقديم ما يرضي المشاهد العربي والمشاهد المسلم في مختلف بقاع العام. هل تستطيع القناة الجديدة أن تتحدى الواقع وتقدم رسالة اعلامية هادفة وجيدة في قالب يكون بعيدا عن الرتابة والركاكة والروتين. هل تستطيع الحد وإيقاف ذوبان التراكم القيمي والمعرفي والاجتماعي للمسلم في الثقافة العالمية؟ هل تستطيع القناة الجديدة مواجهة الغزو الثقافي والرد على مظاهر الاغتراب والذوبان في الغير؟ هذه ليست اسئلة استفزازية ولا أسئلة تعجيزية, فالقناة اذا توفرت لديها النية الحسنة والإمكانيات والموازنة الضرورية واذا لم تسيس وتستغل لخدمة بعض الاغراض الضيفة فإنها لا محال ستحقق ما تصبو اليه وستستطيع ان تفرض وجودها على مستوى الفضاء الإعلامي الإسلامي والعربي, وقوة القناة تتمثل في أكثر من مليار مسلم متواجدون في جميع بقاع المعمورة. نجاج قناة اقرأ يعتمد على التخطيط الاستراتيجي وتحديد الأهداف والوسائل الضرورية لتحقيق هذه الأهداف, وكذلك تسخير كل الإمكانيات والطاقات للإنتاج الجيد والهادف. ومن أهم السبل للنجاح وتحقيق المبتغى التركيز على البحث العلمي وتكوين وتدريب الإطارات والكوادر وتخصيص الموازنات الضرورية للإنتاج وتشجيع اشتراك القطاع الخاص في الانتاج والصناعات الثقافية. كل تمنياتنا بالتوفيق للمولود الإعلامي الجديد, وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. جامعة البيان ــ قسم الاتصال الجماهيري*

Email