مع الناس:بقلم-عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

أخيراً بادرت وزارة الصحة إلى التفكير في تقليص دور البيروقراطية الادارية, التي ان زادت عن حدها المعقول, فإنها لن تتناسب قطعا مع الخدمات الطبية , وتعتبر المعرقل والعدو الأول لنجاحها وتطورها, ذلك لأن الخدمات الطبية وعلاج المرضى والسهر على راحتهم تحتاج الى كثير من المرونة والاستقلالية وسرعة القرار, لا إلى لجان وبحث وتواقيع ومن وإلى وسر وتعال, يكون خلالها المريض فارق الحياة. لذلك فجميع مستشفياتنا صارت محل شكوى الناس باستمرار, لا من سوء معاملة الأطباء والممرضىن والادارة أحياناً, ولا من سوء العلاج والتشخيص والفحص ولا من نقص الأدوية أو الأسرة أو غيرها من نواقص فحسب, بل من ساعات الانتظار الطويلة لمقابلة الأطباء ومن المواعيد البعيدة لحالات تستدعي سرعة العلاج والنظر, وأحياناً من انتهاء الدوام وانصراف الأطباء من دون أن يتمكن المرضى من الحصول على العلاج, وغير ذلك من حالات صارت مصدر شكوى مستمر. غير أننا نعود إلى وزارة الصحة التي بادرت مشكورة بمشروع يقلص البيروقراطية ويعطي للمستشفيات مساحة حركة أكبر واستقلالية أوسع في الأمور المالية والادارة معاً, بمشروعها المرفوع للمالية لاعتماده في الميزانية المقبلة والخاص بمنح أربعة مستشفيات كبيرة في الدولة ما يمكن أن نسميه مجازا حكماً ذاتياً, تدير عن طريقه نفسها بنفسها. وفي التفاصيل المنشورة أمس فهمنا, أنه علاوة على الميزانية المستقلة لكل مستشفى فإن هناك مجلس ادارة سيتولى إدارة المستشفى ويتمتع بصلاحيات كبيرة في حدود الميزانية, يستطيع عبرها إدارة شؤون المستشفى كافة, من اجراء التعيينات للأطباء والكوادر الفنية إلى استيراد الدواء والمعدات الى التخطيط والتنفيذ لأية توسعات مستقبلية وأي تطوير في البرامج, ما سوف يجعل من المستشفى أقرب في ادارته إلى المستشفيات الخاصة, فنضمن معها سرعة البت في القرارات وتطوير الخدمات وتجويدها أيضاً بحكم التنافس على الأفضل. وفي الفكرة أن تضم مجالس الادارات, جنباً إلى جنب مسؤولين من وزارة الصحة وأطباء واداريين وفنيين من المستشفى نفسه, أعضاء من الشخصيات العامة والأعيان في منطقة المستشفى, ما سوف يحقق التوازن في العضوية, بين الرأي الاداري والفني والاختصاصي وبين رأي المواطن وطلباته وطموحه التي يمثلها الأعضاء من خارج الوزارة بصفتهم الشخصية. طبعاً تحقيق وتعميم اللامركزية الإدارية مطلب حيوي في كافة القطاعات وتحديداً الخدمية منها, فتقليص المركزية وغلوائها من شأنه أن يطلق المبادرات والمقترحات وروح المشاركة في العمل والرأي, فنحقق من خلال هذا التقليص, لا الحد من سيطرة البيروقراطية واستشراء الروتين مع ما يواكبهما من فساد وإحباط وترد في الخدمات بل التطوير المستمر للادارات والخدمات معاً, وحل المشكلات أولاً بأول بدلاً من تفاقمها بانتظار قرار الوزير. وعليه فإن وزارة الصحة تستحق الشكر على هذه المبادرة الفريدة وعلى تبني مثل هذه الخطة, التي نأمل من مجلس وزرائنا الموقر الموافقة عليها وتشجيع تعميمها في السنوات المقبلة, على ضوء النجاحات المتوقع تحقيقها, ومع ذلك فإن التجربة الجديدة لن تخلو من ثغرات ونواقص نرجو ألا تكون عوامل تثبيط وإحباط, بل دافعا إلى مزيد من ترسيخ فكرة اللامركزية ومحاربة البيروقراطية, طالما ان الهدف هو خدمة الناس والارتقاء بمستوى ما يصلهم من خدمات.

Email