ما الذي تغير أمام لحود. وكان عائقا أمام الحريري؟بقلم: نصير الاسعد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة فرصة الان, في الفترة الفاصلة عن تسلم الرئيس العماد أميل لحود مهماته الدستورية رسميا في الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري, للتأمل في المقبل من الايام مع العهد الجديد, ونختار لبحثنا الراهن نقطة انطلاق, هي المقارنة بين كيف بدأ رفيق الحريري واين وصل بعد ستة اعوام من الحكم, وبين كيف ينطلق عهد الرئيس لحود . اتى الرئىس رفيق الحريري الى الحكم خريف العام 1992, محاطا بالتأييد الكبير نفسه تقريبا الذي يبدو ان الرئيس العماد ينطلق منه اليوم. وكان هذا التأييد عابرا للطوائف والمناطق والفئات الاجتماعية. ويمكن تفسير الاسباب العديدة لهذا التأييد في حينه, لكن الامر ليس موضوع بحثنا الان. ظروف(عهد)الحريري: العقبات.. والأخطاء اتى رفيق الحريري الى الحكم, حاملا مشروعا اعماريا كبيرا, مؤهلا لان يتحول مشروعا تنمويا تحديثيا ضخما, اثار هذا المشروع جدلا واسعا ــ ولما يزل ــ ولم يكن بين اللبنانيين اتفاق عام عليه.. وهذا ايضا مما لسنا في صدد مناقشته الآن, وان كنا نكتفي بالاشارة الى ان مشروع الحريري شكل المحور.. محور الجدل والنقاش والاختلاف. كان على رفيق الحريري ــ ومشروعه ــ ان يواجه ومنذ البداية مجموعة من العقبات والصعوبات داخليا واقليميا, وهي مجموعة من القضايا غير المبسطة على الاطلاق. اتى الحريري الى الحكم, في ظل ازمة وفاق وطني متفاقمة. لم يأت لتتفاقم هذه الازمة بوجودة.. اتى وكانت هذه الازمة متفاقمة. وعلى سبيل التذكير بعمق هذه الازمة, لا مفر من الانتباه الى ان مجيئه الى الحكم كان بعد انتخابات نيابية مطعون من قبل نسبة كبيرة من اللبنانيين بطابعها الوفاقي وطبيعتها الديمقراطية. واتى الحريري الى الحكم, وكان الطائف موضع التطبيق قد بدأ يستحيل صراع محاصصة استمر (صعودا) بعد ذلك, بواسطة اركان الطوائف والميليشيات, وقد انيط بهم جميعا امر وضع الطائف موضع التنفيذ. .. واتى الحريري الى الحكم, مع انفلات حالة الانقسام الطائفي ــ المذهبي في المجتمع والعلاقة بين ما حصل في (الدولة) وما حصل في (المجتمع) علاقة متبادلة بالتأكيد. .. واتى رفيق الحريري الى الحكم في ظل نزوح مطرد للمركز السياسي من الداخل الى الخارج. واتى مقيدا في المجال الاقتصادي, او محصورا في الدائرة الاقتصادية, فيما لم تكن يده مطلقة في الاطار السياسي. .. واخيرا, اتى الحريري الى الحكم في ظل اقليمية مفتوحة. وكيف لبلد ان يعيش في حصن حصين, فيما الازمة الاقليمية مفتوحة, وكل انجاز في لبنان مرشح لان يطاح به في ثوان معدودة بفعل اي عدوان اسرائيلي, وقد جرى تهديد لبنان اسرائيليا بضرب مجمل انجازاته اصلا؟ ان اية محاكمة لــ (عهد الحريري) , تغمض عينيها على هذه الوقائع ــ الحقائق, هي محاكمة ظالمة.. ومغرضة حتما, لانها تحمل الحريري مسؤولية ما لا يتحمله لوحده على الاقل. قلنا ان القضايا التي اثرناها ليست مبسطة. ازمة الوفاق الوطني انعكست عدم استقرار سياسي, لكنها انعكست اقتصاداً في الاساس, وهنا لابد من توضيح سياسي: ليس صحيحا ان لبنان كان بعد حربه, يستطيع الاعتماد على (مشروع مارشال) دولي لاعادة اعماره وجعله يستحق ما فاته خلال انشغاله بحربه الاهلية, فقد كان لبنان بالنسبة الى الدوائر الدولية النافذة على (لائحة الانتظار) وليس صحيحا ايضا ان لبنان بعد حربه, كان يستطيع الاتكال على الاموال العربية, ولنا في ذمة الدول العربية اموال مقررة في مؤتمرات قمة عربية, كان على لبنان ان يعتمد على نفسه وعلى القروض, وان كنا هنا لا نناقش حق المعترضين في الاعتراض على القروض, ووجهة توظيفها.. كان على لبنان ان يعتمد على امواله, اموال ابنائه في الخارج وهي اموال تقدر بمليارات الدولارات.. هي (اموال مسيحية) في الغالب. وصراع المحاصصة, انعكس اجهاضا لاصلاح الدولة ــ والادارة ــ وانعكس نتشاً ونهشا لــ (الدولة) . وغني عن القول في هذا المجال ان اهم شرط لمشروع الاعمار المرشح للتحول مشروعا تنموياً تحديثيا, هو (الدولة) وهل يكون رفيق الحريري مسؤولا عن الفساد والهدر.. ام ان المشكلة عامة هنا بالفعل؟ وفوق كل هذا وذاك نضيف انه اذا لم تكن صاحب كلمة في السياسة, وقادرا على المبادرة السياسية فانك ستكون ذا تأثير محدود في الاقتصاد. وعلينا بعد كل ذلك ان نعترف بان ثمة اخطاء رافقت المشوار الطويل لرفيق الحريري في الحكم, واخطأ رفيق الحريري في انه لم يلجأ الى المكاشفة والمصارحة بالصعوبات التي واجهها, واخطأ حين عمد الى تحمل المسؤولية بنفسه عن كل الآخرين, و(اخذ بصدره) كما يقال مساوي الاخرين واعطابهم. واخطأ عندما لم يعمل مبدأ الثواب والعقاب حيال من هم محسوبين عليه واساءوا. واخطأ عندما لم يخض الصراع السياسي وترك نفسه موضع هجوم.. واخطأ عندما لم يعط مسألة التسوية الاجتماعية حقها من الاولوية, ان المشروع, مشروع نقل البلد الى الحداثة ذو كلفة, ولا بد تاليا ان يقترن بتسوية اجتماعية تعوض الكلفة التي على ذوي الدخل المحدود ان يدفعوها, بتقديمات اجتماعية متطورة باستمرار. وللامانة هنا نقول ان الخطأ هنا ليس وقفا عليه وحده, بل يشاركه فيه اخرون, لاسيما النقابات التي ارتضت لنفسها ان تكون ساحة للمحاصصة ففقدت دورها الذي لها. اخطأ رفيق الحريري, نعم... وقد اعترف بذلك في ندوته التلفزيونية الشهيرة, لكن هذه الاخطاء لا تلغي الصعوبات التي كان الحريري محاطاً بها.. وشهد مشروعه تعثرا. استنفر الحريري ضده اعداء الحداثة والدولة, ولم يستقطب قوى الحداثة.. وذلك ــ مرة اخرى ــ اصله في (السياسة) . من هنا القول ان رفيق الحريري الذي بدأ في الحكم, بتأييد عارم عابر للطوائف والمناطق والفئات الاجتماعية, اصبح موضع جدل.. وانقسام.. حتى باتت المعارضة ــ مع الاسف ــ معارضة للحريري فحسب,فسقطت في افخاخ سياسية. نقول اذا, ان (الاجماع) يخدع, كل اجماع, ومن المنطقي ان لايكون هناك اجماع بعد وقت معين. كاتب لبناني

Email