التعديل المطلوب للميثاق الوطني الفلسطيني يعني الغاء منظمة التحرير:بقلم- شفيق الحوت

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما كانت حكومة نتانياهو تحصد ثمار مذكرة(واي ريفر)قبل ان تدرجها على جدول اعمالها لاقرارها, كانت سلطة السيد ياسر عرفات تلهث في تنفيذ(التزاماتها)الامنية لضمان امن اسرائيل وطمأنة كل ام اسرائيلية بألا تقلق على ابنها اذا تأخر في سهرته خارج بيته, وفي التحضير لاعداد الساحة التي سيتم فيها شنق الميثاق الوطني الفلسطيني بحضور مهيب لكل من رئيس الولايات المتحدة ورئيس الوزراء الاسرائيلي. ولم يبال السيد رئيس المجلس الوطني المؤتمن على هذا الميثاق, والذي لم يجد طيلة خمس سنوات مايستحق دعوة المجلس الوطني الى اي جلسة رغم كل ما أصاب قضية فلسطين من كوارث, باستثناء دعوته الى تلك الجلسة اليتيمة التعيسة قبل سنتين بهدف الغاء الميثاق الوطني تلبية لالحاح اسرائيل. لم يبال السيد الرئيس الزعنون بما قاله كلينتون, ضيفه القادم لحضور مجلسه, بأن مشاركته لا تعني ولا بحال من الاحوال ان الولايات المتحدة تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية, وراح يعرق في تهىئة القوائم والتدقيق في من هو عضو في المجلس او ليس عضوا, ومن سيصوت لتأكيد الالغاء ومن سيرفض وذلك لاستبعاده سلفا , ومن المؤكد ان الزعنون لم يفكر للحظة واحدة في ايجاد (مكان) محادي لعقد الجلسة المرتقبة رغم يقينه بأن عقدها في غزة سيحجب عنها تمثيل الشتات الفلسطيني واهم رموز شعب فلسطين من قيادات وتنظيمات وشخصيات وطنية مازالت ترفض ان يكون دخولها الى الوطن رهن موافقة مسبقة من جهاز الموساد الاسرائيلي. وباعتبارنا من جملة هذا الرهط ورغم مايشهد لنا تاريخنا من حرص على احترام المجلس الوطني وواجب اعضائه في قول مايرون من آراء واجتهادات, فإننا سنلجأ الى الصحافة الحرة لنقل وجهة نظرنا التي تمثل الى حد كبير رأي قطاع كبير من اعضاء هذا المجلس. وقبل الدخول في تحديد المواد المطلوب تعديلها لفظا والغاؤها فعلا لابد من التذكير اولا, التركيز ثانيا, على الاهمية التاريخية والوطنية والقانونية لهذا (الميثاق الوطني) باعتباره اهم وثيقة قانونية تصدر عن اوسع مؤتمر وطني ينعقد في التاريخ الفلسطيني المعاصر اي منذ بداية الانتداب البريطاني حتى لحظتنا الراهنة, ان هذا الميثاق هو بمثابة (الدستور الفلسطيني) مثل دستور اي بلد عربي, بل يتميز على العديد من هذه الدساتير ــ بسبب اغتصاب الارض الفلسطينية وتشريد اكثر من نصف شعبها خارجها ومحاولات شطب هويته الوطنية وشخصيته الاعتبارية ــ بأهمية وطنية استثنائية, مما يجعل اي مساس به مصدر خطر ماحق يهدد مصير الوطن والمواطن الفلسطينيين, لغير فلسطين من البلاد العربية وغير العربية ما يحمي كياناتها وهوية مواطنيها من المقومات الاساسية, مثل الاعترافات الدولية بها, وتمتعها بحقوق السيادة وتقرير المصير, مايغنيها ويكفيها حتى لو لم يكن لها دساتيرها المثبتة لهذه الحقوق والحقائق, او لو اضطرت لتعليق دساتيرها لسبب او لآخر, ان الواقع المؤلم الذي آلت اليه قضية فلسطين, وطنا وشعبا لم يبق لهما من مقومات الوجود القانوني غير هذا الميثاق ــ الدستور الذي تمكن من الربط تاريخيا وقانونيا ووطنيا, بين المراحل المتتالية لوجود فلسطين وشعبها وصولا الى حاضرهما القلق ومستقبلهما المجهول. الميثاق الوطني هو باختصار: شهادة الشعب الفلسطيني ووثيقته الرسمية الوحيدة على حقه بالوجود كشعب له وطن وحقوق واذا جاز المساس فيما يمكن اعتباره (سياسيا) منه ويتعلق بمقتضيات الحركة النضالية التي يخوضها شعب فلسطين وما تتعرض له من ضغوط عابره فإنه لايجوز المساس بما هو (وطني) منه ويتناول ماهو مصيري بالنسبة للوطن والمواطن, اي لفلسطين والفلسطيني. ولتفصيل هذا, لابد من تناول المواد المطلوب تعديلها, تمهيدا لاستقراء النتائج التي يمكن ان ترتب عن هذا التعديل. يتألف الميثاق الوطني من ثلاث وثلاثين مادة, اخر ثلاث منها تنظيمية, والمواد الثلاثون الباقية كلها سياسية ــ وطنية, ومن النوع الذي (لايتفق والتعهدات الواردة) في رسالة عرفات الموجهة الى رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين في 9 سبتمبر 1993 ولا مع اتفاقية اوسلو وما تلاها من اتفاقيات, وبالتالي فإن المطلوب تعديله يشمل 27 مادة من اصل 30, اي مايعادل 90% من مجمل الميثاق مما يعني فعليا الغاءه برمته. ولعل عرضا, ولو موجزا, لهذه المواد, يفي بتوضيح الصورة لما يمكن ان تكون عليه نتائج هذا التعديل ــ الالغاء المطلوب. ــ المادة الاولى تقول: فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني وهي جزء لايتجزأ من الوطن العربي الكبير., والشعب الفلسطيني جزء من امته العربية. لاشك في ان هذه المادة تتصدر طليعة المواد المناقضة لرسالة عرفات ولاتفاقية اوسلو وماتلاها, ووفقا لذلك لابد من الغائها, لان (فلسطين) التي تشير اليها المادة هي تلك التي كانت معروفة بحدودها الدولية خلال فترة الانتداب, كوحدة اقليمية لاتتجزأ كماورد في نص المادة الثانية, وبالتالي لابد عند التعديل من تحديد البديل الذي سيصبح وطنا للشعب الفلسطيني وتعريف حدوده, ولما كانت هذه القضية قضية (الوطن) بمعنى الدولة وحدودها, لاتزال معلقة بانتظار مفاوضات المرحلة النهائية فإنه يستحيل تثبيت نص مسبق حولها قبل الانتهاء من المفاوضات. ـ المادة الثالثة تقول: الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه, ويقرر مصيره بعد ان يتم تحرير وطنه وفق مشيئته وبمحض ارادته واختياره. وهذه المادة ايضا, لابد من شطبها وفقا لتعهدات الرسالة اياها والاتفاقيات التي تم توقيعها, والنصوص واضحة, وبغض النظر عن (الوطن) المشار اليه في هذا النص وهو يقصد بالطبع كل فلسطين, فإن الاتفاقيات المعقودة لم تعترف لشعب فلسطين حتى الآن بأي (حق شرعي) على اي جزء من الوطن, ولابحقه في (تقرير مصيره وفق مشيئته وبمحض ارادته واختياره) فتلك ايضا من القضايا المؤجلة الى مفاوضات المرحلة النهائية وما ستنتهي اليه من نتائج ملزمة للجانب الفلسطيني باعتبار ان (لامرجعية) غير مايتفق عليه الطرفان من خلال التفاوض السلمي الذي اقرته قيادة المنظمة بأن لا تلجأ لاسلوب غيره لتحقيق ماتهدف اليه. ــ المادة الرابعة تتحدث عن ازلية الشخصية الوطنية الفلسطينية ولاتعترف بأن الاحتلال الصهيوني وتشتيت الشعب العربي الفلسطيني يفقدانه هذه الشخصية الوطنية. وهذه الاخرى تتناقص مع ديباجة اتفاقية اوسلو التي تتحدث عن (المصالحة التاريخية) والتي يفهمها الاسرائيلي على نقيض هذا النص تماما, كما تتناقض مع الطروحات الاسرائيلية لحل قضية اللاجئين والنازحين الذين لم يتم الاتفاق حول تعريفهم وتحديد هويتهم حتى الان في اللجنة الرباعية المنبثقة عن اتفاقية اوسلو, رغم انصرام خمس سنوات على انشاء هذه اللجنة, وعلى كل حال فالمسألة كلها هي الاخرى على جدول المفاوضات النهائية. ـ المادة الخامسة تقول: الفلسطينيون هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون اقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947 سواء من اخرج منها او بقي فيها, وكل من ولد لأب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين او خارجها هو فلسطيني. ان هذه المادة ـ وهي امتداد طبيعي للمادة التي سبقتها ــ استهدف واضعوها الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية باعتبارها من حقوقه الازلية غير القابلة للتصرف, وبالتالي لتثبيت وحدة الشعب الفلسطيني بغض النظر عن اماكن تواجده داخل الوطن او في الشتات والتي تضمن للشعب حقه في العودة الى الديار, وهي ايضا مهددة بالشطب لاستحالة تعديلها فمن يستطيع التنبؤ بما ستنتهي اليه مفاوضات المرحلة النهائية ومن يضمن وحدة الوضع القانوني لفلسطيني الوطن وفلسطيني الشتات؟ هل سيحمل الجميع هوية وطنية واحدة, وبالتالي سيكون لهم نفس الحقوق والواجبات؟ من يمكنه التكهن باجابة ايجابية عن هذه الاسئلة, سواء من قراءته لنصوص ماتم توقيعه من اتفاقيات او مما يراه من ممارسات اسرائيل الميدانية؟ ولو كان في نية اسرائيل التزحزح عن سياستها الاستيطانية والتي تزداد تشددا وعنتا, لما كان اصرارها على ضرررة تعديل الميثاق قبل الخوض في مفاوضات المرحلة النهائية, ولما كانت هذه الوتيرة المتسارعة لعمليات اغتصاب الأرض. وبالطبع فإن هذه المادة, ستكون بمثابة طعنة قاتلة للهوية الوطنية ووحدة الشعب ولاي أمل للاجئين بالعودة الى ديارهم في فلسطين, بما في ذلك مناطق الحكم الذاتي منها. أما المواد ما بين السابعة والتاسعة عشرة وهي تبلغ احدى عشرة مادة, فكلها من النوع التعبوي الذي يتناول عملية (تحرير فلسطين) اداة وتحالفات وعلاقات, وهذه تصبح شكلا ومضمونا ملغاة لحظة المساس بنص المادة الاولى وما يتلوها. وعلى سبيل المثال تدعو المادة السابعة الى تنشئة الفرد الفلسطيني تنشئة عربية وتأهيله للنضال والكفاح والتضحية بالروح والمال من أجل وطنه. وهذا مما أصبح ممنوعا بعد مذكرة (واي ريفر) ويعتبر تحريضا يهدد أمن اسرائيل ويعاقب عليه القانون. وتدعو المادة الثامنة لنبذ التناقضات الثانوية في صفوف شعب فلسطين لصالح التناقض الاساسي مع الصهيونية والاستعمار. أما المادة التاسعة فلا تعترف بغير الكفاح المسلح سبيلا لتحرير فلسطين. وتكرر المادة العاشرة نفس المعنى بكلمات اخرى, بينما تحدد المادة العاشرة لشعب فلسطين ثلاثة شعارات هي الوحدة الوطنية, التعبئة القومية, والتحرير. أما ما تبقى, من المادة الثانية عشرة الى المادة الخامسة عشرة, فتتحدث جميعها عن عروبة القضية وعلاقة شعب فلسطين بالأمة العربية ومشروعها الوحدوي, وتربط بين التحرير والوحدة مما يتناقض واتفاقية اوسلو التي تصف الأشقاء العرب بـ (الجيران) وتعتبر أن الموافقة الفلسطينية عليها تلغي كل ما يناقضها مما سبق الالتزام به. ــ المادة التاسعة عشرة تقول: (تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام اسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لارادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادىء التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير) . رغم صوابية هذه المادة, تاريخيا وقانونيا, إلا أنه يمكن القول بأن المجلس الوطني الفلسطيني, عندما أقر إعلان (دولة فلسطين) قد ألغى هذه المادة بعد فذلكة فكرية وجدانية تاريخية حاولت جهدها وضع توليفة تجمع بين العقيدي المطلق والسياسي الممكن, إسهاما من المجلس بإيجاد حل يضمن سلاما دائما يقوم على عدل نسبي, يضمن قيام دولة في فلسطين ذات سيادة واستقلال وطني ولو على جزء من ترابه الوطني التاريخي. واعتبر المجلس في نفس القرار ــ كشرط ضمني ــ أن كل ما تم احتلاله من أرض فلسطينية في حرب 1967 هو وطن الفلسطينيين بما في ذلك القدس الشرقية, وأن القرار 242 يتكفل باعادة هذه الأراضي انسجاما مع القانون الدولي الذي لا يجيز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وهكذا نجد مرة اخرى أننا أمام مادة مطلوب الغاؤها لأن اسرائيل ترفض هذا الاعلان الذي يمكن اعتباره التعديل الوحيد الممكن لها. وتكرر ثانية أنه لو كان لدى اسرائيل اية نية للتزحزح عن مشروعها الرافض لقيام أي دولة فلسطينية, لما أصرت على أسبقية تعديل الميثاق قبل الخوض في مفاوضات الحل النهائي. وبما أن ما ورد في وثيقة اعلان الدولة يمثل أقصى ما يمكن للفلسطيني أن يتنازل عنه, فإن أية صيغة لتعديل المادة التاسعة عشرة خارج نص وثيقة (الاعلان) إنما يعني السقوط وراء الخط الأحمر والاستسلام التام للمشروع الصهيوني وتصفية القضية للأبد. ــ تقول المادة العشرون: (يعتبر باطلا كل من تصريح بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما.. الخ, واذا ألحقنا على الفور المادة الواحدة والعشرين التي تليها والتي تقول: (الشعب العربي الفلسطيني.. يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا ويرفض المشاريع الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية وتدويلها) , ندرك عندئذ ان لا سبيل لاي تعديل لهما. وإمعانا في تأكيد ذلك وتوضيحا له, تأتي المادة الثانية والعشرون لتعتبر (الهوية الصهيونية حركة سياسية مرتبطة ارتباطا عضويا بالامبريالية العالمية ومعادية لجميع حركات التحرر والتقدم في العالم, وأنها حركة عنصرية تعصبية في تكوينها, عدوانية توسيعة استيطانية في أهدافها) .. ولا حاجة للمضي في تسجيل بقية النص, فما قيل منه يكفي ليثبت أن هذه المادة وكل ما سبقها من مواد لا مفر من الغائه. أعتقد أنه لا داعي للاستطراد, وصولا الى ما تبقى من مواد, لأن ما سبقت الاشارة اليه يكفي للتدليل على أنه لا مجال للاستجابة الى مراعاة ما تعهد به ياسر عرفات برسالته الى رابين والالتزام بما تم التوقيع عليه في اوسلو وغيرها من اتفاقيات عن طريق (تعديل) الميثاق الوطني, وأن درب الاستجابة الأوحد هو في (الغاء) هذا الميثاق باعتباره نقيضا كاملا لمنطق التسوية الراهنة ولنصوص ما تم ابرامه من اتفاقيات باسمها. وهكذا نرى استحالة بقاء هذه المواد, فإما إلغاؤها, وإما تعديل يقود الى ميثاق جديد بفكر آخر لا يبقى لمنظمة التحرير حتى اسمها. أو ليس تحرير فلسطين صنو تدمير اسرائيل, وهذا إرهاب مطلوب ردعه؟ أما نتائج الغاء هذا الميثاق وما تعكسه من آثار على شعب فلسطين وقضيته, فهو موضوع حلقتنا القادمة.

Email