مع الناس:بقلم- عبدالحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

مصر البلد العربي الوحيد الذي لا يمكن التمييز فيه بين مسلم ومسيحي, فهذان يجمعهما بلد واحد هو مصر, اكسبتهما على مر التاريخ شخصيتها وثيابها ووجهها وملامحها وصوتها ونكهتها, فصار كل منهما مصريا بمصريته تلك, قبل ان يعرف او يعرف بأنه مسلم او مسيحي . وعلى هذا التوحد والانسجام الوطني والنسيج الاجتماعي والروح المشتركة المعجونة بتراب مصر وماء نيلها, لن يمكن لمواطن عربي, او غير عربي ان يعرف مثلا ان الممثلة هالة صدقي والممثل المنتصر بالله والمخرج خيري بشارة وزميله يوسف شاهين من المسيحيين المصريين, اذا لم يقر احدهم ويعلن ذلك. ومثل هؤلاء هناك عشرات من الادباء والمفكرين والاثرياء ورجال الاعمال والساسة والفنانين وملايين المواطنين المصريين المسيحيين, باستثناء اللهم الذين يحملون اسماء غربية كادوارد والفريد وجورج, فتدل اسماؤهم على ديانتهم. وهكذا فان الدين لله والوطن للجميع, ينطبق اكثر ما ينطق على مصر, التي لم يطرح فيها ابدا التمييز على اساس الدين او المذهب, فصار الجميع مصريين امام القانون والحقوق والواجبات وامام وطنهم, غير ان هذا الانسجام والوحدة الاجتماعية, يبدو انهما يزعجان الآخرين, ممن لا يتمنون الخير لمصر ولا لأبنائها, فيسعون الى التخريب, باثارة الفتن والنعرات, من التعصب الاسلامي والتطرف كالذي شهدناه في مصر وهناك من يغذيه, الى اثارة مزاعم عن حقوق الاقباط المصريين. آخر هذه المزاعم والحملات, التقارير المنشورة في صحيفة (الصنداي تلجراف) البريطانية, والتي ادعت تعذيب الاقباط في احدى القرى المصرية على ايدي رجال الشرطة, وهو ما نفته القيادات القبطية نفسها وعلى رأسها البابا شنودة, في بيان اوضح فيه ان ما حدث من تجاوزات على ايدي ضباط شرطة أثناء التحقيق في جريمة شمل مسلمين وقبطيين معا, ما ينفي المزاعم اولا, وما يؤكد ثانيا وحدة المصريين حتى في التحقيق و.. التعذيب. طبعا حوادث من هذا النوع يمكن ان تقع في اي بلد في العالم, وتجاوزات شرطة ليست استثناء في مصر, اما تحويل القضية الى اضطهاد ديني ضد الاقباط, فهو المستغرب, الذي لا هدف من ورائه سوى إثارة المسيحيين في العالم ضد مصر وسوى ضرب وحدة مصر الاجتماعية والوطنية وتعريض أمنها الداخلي الى الخطر. غير ان الاجابة على هذه المحاولات والمزاعم جاءت من الاقباط المصريين أنفسهم, ليس عبر بيان البابا شنودة وحده, والمعروف بمواقفه الوطنية والقومية النبيلة, بل من خلال مواقف آلاف المصريين المسيحيين, الذين وقعوا على وثيقة بعثوها الى الصحيفة الانجليزية يستنكرون الحملة اولا, وينفون تعرض أي قبطي لاي اضطهاد في مصر, فيكون في ذلك خير رد على حملة الافتراءات. وبما ان الافتراءات لن تتوقف, فمصر بمواقفها وثقلها العربي والدولي معرضة باستمرار للضغوط من كل الانواع والعيارات, فان في وعي المصريين عموما, ولن نستخدم هذه المرة تصنيف مسلم ومسيحي, ما يكفي لتفويت الفرص, وتجنيب بلادهم ومصالحهم وحياتهم ويلات الفتن, خاصة ان في الجوار اسرائيل التي لا يستبعد ابدا ان تكون لها يد في كل محاولة لضرب الوفاق الوطني في البلدان العربية, وهو ما عبر عنه الرئيس المصري حسني مبارك حين تساءل ان كان الاسرائيليون وراء الحملة الاخيرة على مصر, فيما تساءل وزير اعلامه صفوت الشريف حين تعجب من وجود التقرير الخاص بالاقباط ضمن التقارير الصباحية على مكتب نتانياهو, ما يكفينا سببا لابطال العجب!

Email