حرب أكتوبر.. ومقولة آخر الحروب.. وأبعادها: بقلم ــ عبد الله الحوراني

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الذكرى الخامسة والعشرين لحرب أكتوبر المجيدة, عادت للنقاش مقولة: حرب اكتوبر آخر الحروب, فهل كانت فعلا ؟ أو هل تكون؟ وما هي الابعاد والآثار التي تركتها مثل هذه المقولة في الوضع العربي, وفي الصراع العربي ــ الصهيوني, وفي الوضع الاقليمي, وعلى المكانة العربية في الوضع الدولي؟ الذين أطلقوا هذه المقولة, بنوا حساباتهم على وهم أن (اسرائيل) استوعبت درس الحرب الذي كان أبرز ما فيه, إثبات قدرة العرب على القتال وإمكانية تحقيق النصر, وقدرتهم على التوحد ووضع الطاقات التي يملكونها في خدمة المعركة القومية ضد العدو الاسرائيلي. وأن اسرائيل ــ نتيجة لهذا الدرس ــ ستغير من مفاهيمها وطرق تعاملها مع العرب. وإمعانا في الرهان على هذا الوهم, لم ينتظر اصحاب المقولة وهم يتسرعون في إطلاقها, حتى تكتمل النتائج السياسية للحرب, ويتضح مدى استيعاب اسرائيل الفعلي لدرسها, ليختبروا مدى صدق مقولتهم, وملائمتها للحالة الاسرائيلية. لم يدرك أصحاب هذه المقولة, أثر حالة الاسترخاء التي تركتها في الوضع العربي, والعيش في وهم السلام الزائف الذي يمكن أن تمنّ علينا به اسرائيل. فلم ينتبه العرب للتطور التسليحي الذي نما بشكل هائل في بلدان الجوار الاقليمي. ففضلا عن اسرائيل, وامتلاكها للسلاح النووي, ظهر السلاح النووي الهندي, والباكستاني, وطورت ايران من قدراتها العسكرية بشكل كبير, ودخلت تركيا مع اسرائيل في برنامج مشترك لتطوير صناعة السلاح. مما جعل الوضع العربي ضعيفا, ليس في مواجهة اسرائيل فحسب, وإنما على المستوى الاقليمي, وقد ظهرت نتائج هذا الوضع في التحرشات والتهديدات التي باتت تتعرض لها أطراف الوطن العربي, كالحالة القائمة الآن على الحدود التركية مع كل من سوريا والعراق, وفي القرن الافريقي وجنوب السودان, والجزر الثلاث في جنوب الخليج العربي, مما قد يفتح باب المطامع الاقليمية في الاراضي العربية بشكل أوسع. ان الاطمئنان العربي الى شعار السلام الزائف, وصرف الانتباه عن وجود الخطر الأجنبي, وعدوانه القائم والقادم, واستبعاد خيارات الحرب ضد هذا العدوان, والاستعداد لها, يضعف من خيار المقاومة المسلحة للاحتلال والعدوان, ويؤثر في القرار السياسي, ويدفعه للتراجع, وتقديم المزيد من التنازلات, كما يقدمه لنا المشهد الفلسطيني ــ الاسرائيلي الراهن. أو يزيد من حجم الضغوطات للتنازل عن جزء من التراب الوطني كالمشهد الذي تتعرض له سوريا في الشمال والجنوب. وحين يتم استبعاد الخطر الخارجي, ويتوقف الاستعداد لمواجهته, يتهدد الخطر الجبهة الداخلية, ويفتح الباب أمام الصراعات الداخلية التي قد ينحو بعضها منحى العنف والتطرف, وقد يغيب عن بعضها اي فكر أو هدف أو برنامج, وقد تجد القوى الاجنبية, بتشجيع هذه الظواهر, فرصة أخرى للتلاعب بالوضع العربي من الداخل, لمزيد من اضعاف الواقع العربي, وصرفه عن التوجه لمقاومة أعدائه الحقيقيين. وبالمقابل يزداد الهاجس الأمني لدى الحاكم العربي, ويستغرق اكثر فاكثر في وهم العدو الداخلي, والنتيجة المزيد من الاجراءات والاحتياطات الأمنية, وبالتالي المزيد من غياب الحريات والديمقراطية. ولا يعني استبعاد العرب لخيار الحرب أن نفقاتهم التسليحية قد قلت, أو أن معظم أموالهم باتت تصرف في اتجاه التنمية, او التطور الاقتصادي ورفاهية المواطن. فباستثناء عدد محدود جدا من الاقطار العربية شهدت تنمية وارتفاعا بسيطا في دخل المواطن, استمرت نفقات التسلح كما كانت, بل زادت كثيرا, واستنزفت الدخل القومي الكبير في بعض البلدان, لدرجة باتت تعاني من التضخم, وعجز في الميزانيات, ومديونيات كبيرة. ولكن اتجاه هذا التسلح, وأغراضه قد اختلفت, وفصلت على مقاس الحاجة القطرية, وليس الحاجة القومية, ولمواجهة العدو الداخلي الوهمي وليس الأجنبي, ووفق أمن النظام وليس أمن الوطن. وقد أدى هذا التوجه الى زيادة الخلافات العربية ــ العربية, والى اختلاق مشاكل ونزاعات حدودية غذت هذه الخلافات, وأدت الى تصادم مسلح في أكثر من موقع في المنطقة العربية. ولنا في هذا المجال أن نتساءل: أين هي اتفاقية الدفاع العربي المشترك؟ وماذا تعمل الأمانة العامة العسكرية لجامعة الدول العربية؟ ولماذا لم يقم حتى الآن مجلس للأمن القومي العربي؟ وحتى المناورات العسكرية, صارت تجري مع جيوش أجنبية, وليس بين الجيوش العربية ذاتها. هذا التحول في السياسات والتوجهات العربية, الذي أوصلنا الى ما نعيشه اليوم من هزيمة سياسية بكل أبعادها, أعمق بكثير من هزيمة 67 العسكرية, مصدره الاستسلام لمقولة حرب أكتوبر آخر الحروب, والتخلي عن إرادة القتال. فنكسة 67 كانت هزيمة في معركة عسكرية, لكن الارادة السياسية لم تهزم, وإرادة القتال لم تتوقف, حتى ولدت حرب أكتوبر المجيدة من رحم تلك الهزيمة العسكرية, وجاءت لتثأر منها. فهل يتخلق من واقعنا العربي المرير روح جديدة تبشر بصحوة عربية؟؟

Email