واقعنا التكنولوجي منذر بالأخطار،بقلم: د. أحمد القديدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قدمت الفضائية المصرية سهرة مع العلامة المصري العربي المسلم فاروق الباز وهو احد ابرز وأشهر علماء الفضاء العاملين بقاعدة(كاب كانافرال)الامريكية وله باع طويل في نجاح البرنامج الفضائي الامريكي, واكتشفت كما اكتشف الجمهور الذي شاهد البرنامج ان الرجل يجمع بين الامساك بناصية التكنولوجيا المتطورة والاخذ من الثقافة الاسلامية الصحيحة بأطراف, فهو عالم ملتزم بالعقيدة الاسلامية السمحاء وفي نفس الوقت متمكن في شؤون تخصصه الدقيق. وجالت في رأسي افكار حائرة تتساءل عن اسرار تخلفنا نحن العرب في علوم كنا بالامس مبدعيها ومبتكريها ومعلميها للعالم, وعلم الفلك بالذات كان في مقدمة العلوم التي نبغ فيها المسلمون وتفوقوا, و بلغ الامر في مرحلة الدولة العباسية بكل علماء العالم في اوروبا والصين الى ان يتعلموا اللغة العربية حتى يمتلكوا مفتاح العلوم الفلكية والجغرافية والحسابية, كما ادت اكتشافات الخوارزمي في علم الكسور الرياضية الى ما نشهده اليوم من تقدم مذهل في تكنولوجيا الحاسب الآلي (الكمبيوتر) ولولاه لما تقدمت الرياضيات خطوة عملاقة لنصل الى ما وصلنا اليه اليوم. وقد راجعت في مجال التكنولوجيا الاسلامية بعض ما قامت به منظمة المؤتمر الاسلامي من خلال اللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي (الكومستيك) فوجدت عملا كثيفا صالحا في مجال تنسيق جهود الدول الاسلامية ولكن هذا العمل اقتصر في اغلب الاحيان على اسداء توصيات واصدار قرارات ويفتقر كل ذلك الى المتابعة والانجاز, كما اكتشفت ان العائق الاكبر هو الارادة السياسية على تجسيد تلك التوصيات والقرارات, فالمشاكل الظرفية التي تطرأ على مسرح السياسة بين الدول الاسلامية تمنع تماما قيام اي تعاون حقيقي ميداني وتؤجل جهود العلماء والمختبرات الى غد بعيد, او مستحيل, كالمشاكل بين ايران وافغانستان او بين تركيا وسوريا او بين العراق وباقي الشعوب والقائمة اطول من ان تحصى او تعد. فهذه عقبة كأداة تعطل القدرات وتلغي الكفاءات وتهدر الطاقات وهي عقبة تغلبت عليها المجموعة الاوروبية بنجاح كبير, جعلت البحث التكنولوجي العلمي في مأمن امين من الطوارئ السياسية والمزاجية العابرة وبعثت للتعاون التكنولوجي في مؤسسات اطارية وقطاعية لا شأن لها بما يمكن ان يحدث من مشاكل على أي مستوى كان, وهنا يحضرني مثال الخلاف الفرنسي ـ الاسباني حول الانتاج الزراعي, فهو خلاف حاد لكنه لم يعطل اعمال اللجنة التكنولوجية المشتركة بين البلدين, وكذلك الخلاف حول تعيين محافظ البنك المركزي الاوروبي بين فرنسا والمانيا, فهو ظل بعيدا عن اي تأثير على التعاون العلمي الفضائي والبيولوجي بين فرنسا والمانيا. فاللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي التابعة لمنظمة المؤتمر الاسلامي تصدرت منذ سنوات آليات نموذجية لتجسيد هذا التعاون لبلوغ مستوى متقدم من القدرة والاستقلال ورفع التحديات, بل وعكفت على انشاء ست شبكات اسلامية مترابطة في مجالات حيوية واختارت لكل منها عاصمة اسلامية وهي كالتالي: ــ التكنولوجيا الحيوية ومقرها بالقاهرة ــ علم المحيطات ومقرها بازمير بتركيا ـ الطب الاستوائي ومقرها كوالا لمبور بماليزيا ــ ادارة الموارد المائية ومقرها في عمان بالاردن ــ علوم الفضاء ومقرها في كراتشي بباكستان ــ موارد الطاقة القابلة للتجديد في اسلام اباد بباكستان كذلك. وبالفعل شرعت هذه الشبكات في تنشيط نمو الخبرات وبحث سبل الاكتفاء الذاتي في مجالات عملها وتحقيق اهدافها, لكنها تواجه بعض العقبات الادارية والمالية, بمختلف الدرجات, واذا اعترف تقرير (الكومستيك) بوجود عقبات ادارية ومالية, فهو يقصد ما ذكرنا من انعكاس المشاكل السياسية المعيقة على عمل العلماء والباحثين, كما انه من الضروري ان نعرج على دور بنك التنمية الاسلامي في تعزيز العلوم والتكنولوجيا لدى الدول الاعضاء, فقد ظل هذا البنك في اغلب الاحيان متفرجا على المبادرات, ما عدا قيامه بتكاليف سفر بعض العلماء للندوات والمؤتمرات وكذلك الامر بالنسبة لتمويل نشاط (الكومستيك) , فقد اقر تقرير هذه اللجنة لعام 95 ان بعض الدول القليلة سددت ما تعهدت به من مساعدة مالية وظلت اللجنة تراوح مكانها دون تحقيق جزء مما وضعت من برامج ومشاريع. وهنا يبدو غياب الوعي الاسلامي بأهمية القفزة التكنولوجية النوعية المطلوبة ويبدو عجزنا الاسلامي عن ملاحقة ومتابعة تطور الامم الاخرى, وان الاخطر في هذا المجال اننا سنبقى مستهلكين لما تجود به علينا الامم الاخرى ــ المتوسطة منها مثل كوريا أو الصين الوطنية ــ وأن نبقى كذلك مصدرين للعقول والعبقريات مثلما فعلنا مع الدكتور فاروق الباز. هذا هو وضعنا التكنولوجي الخطير ــ أي وضعنا الحضاري الهش ــ مستهلكون للتنمية ومصدرون للعقول, وهذه علامة من علامات انعدام الارادة وفقدان التأثير, فهل كتب علينا ان نبقى على هامش العصر؟ * استاذ بقسم الاعلام ــ جامعة قطر

Email