ابجديات: بقلم- عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما كتب لويس الرابع عشر على مدافع جيشه هذه العبارة: هذه آخر حوارات الملوك. كان يتحدث عن حوار لا يسود إلا في عهد اشخاص مثله , لا يجيدون الحوار الا بمنطق القوة, ودائماً ما يعتقدون انهم يدخلونه بضمان الانتصار, فالملوك لا يرحبون بالهزائم ابداً. لويس الرابع عشر ايضا قال بصوت مرتفع لم يجد من يقف أمامه: أنا الدولة, والدولة انا. وبهذا يرسم ويكمل ابجدية الحوار التي يجيدها طاغية مثله, فكل صوت مصادر إلا صوته, وكل الدولة ليست سوى قيمة رهان تعيس يراهن فيه الطاغية على تمدد طغيانه في تفاصيل الدولة ومفاصلها. أدب الحوار ارفع كثيرا من تخريفات رجل كلويس الرابع عشر, وهو أدب نتلقنه في الاسرة, ونتعلمه في دور العلم, وفي جنبات الحياة, ويفترض ان يسود علاقاتنا واحاديثنا مع الآخرين. أدب الحوار ان تنصت بذات البلاغة التي تتحدث بها, وان تكون مستعدا للخلاف والاختلاف, بشرط الا تلوث الفضاء بضجيجك العالي وان تكون رفيقاً بأحبالك الصوتية. أدب الحوار ان تحترم حق الآخر كما تقدس حقك, وان تستعد للحوار بقلب مفتوح وفضاء فكري سليم, اذا اردت ان تدخله معافى وتخرج منه كذلك. ونحن بحاجة لان نتعلم أدب الحوار خاصة في الخلاف, وان نعلم ابناءنا واصدقاءنا والجميع, لان حقوقا يتم التساؤل عنها وحقوقا تهدر ومواقف يعرف فيها الحق ويكشف فيها الزيف... كلها لا تكتمل إلا اذا عبرنا بوابة الخلاف بأدب الحوار. في عمان المجاورة تجارب تنموية تشد اليها الرحال, وقد سمعنا اخيرا عن رحلة وزير التربية للاطلاع على تجارب التربية والتعليم العمانية, كما ان لديهم تجربة توطين جديرة بالتأمل, وتجربة برلمانية تستحق الاشادة. تلفزيون عمان, نقل وعلى مدى أيام جلسات البرلمان العماني وقد لا يكون في ذلك جديد, فجلسات البرلمان اليمني تنقل مباشرة أيضاً عبر الفضائية اليمنية والانتخابات وتفاصيلها في كل الدنيا يتابعها جميع البشر عبر نشرات الاخبار العالمية. الجميل في الجلسات التي يبثها التلفزيون العماني للبرلمان أنها تجربة قاب قوسين أو ادنى منا, فعمان الاقرب الينا, وتجربتها من خلال ما ينقل تكسر الصورة النمطية للبرلمانات العربية وحوارات البرلمانيين العرب. ذات يوم نقلت الصحف عن برلمانيين عرب في الاردن وصل بهم اختلاف الرأي حد الشجار والتقاذف بزجاجات المياه المعدنية, وفي جلسات بعض الدول يتبادل النواب الشتائم والسباب, وبعضهم ينام على كرسيه حتى نهاية الجلسة, ذلك يحدث في اعرق الديمقراطيات احيانا. في عمان ــ ومن خلال ما تابعنا ــ فان رقيا واضحاً ساد جلسات البرلمان, كما سادت الصراحة والمكاشفة استجوابات الوزراء من قبل النواب, فيما ظلت لغة الحوار الهادىء والمهذب سائدة حتى عند مناقشة التفاصيل والسلبيات والتجاوزات, وكان الجميع مستعدا ليس بيده وبزجاجات المياه المعدنية, وانما بحججه واسئلته واوراقه التي تنبش في كل ما يخص الوطن ومصلحة المواطن, وكان الجميع أهلاً للحوار وكأنهم يعبرون تجربة في الديمقراطية يقارب عمرها القرون. الجميل ان ينقل التلفزيون الجلسات كاملة حتى يعرف المواطن ما يدور حوله فذلك من حقه, كما ان من حقه الا يغرقه التلفزيون ببرامج سقيمة مثل ما يطلبه المشاهدون وادلل عيني, وزووم وغيرها. وللتلفزيون وجه آخر دائماً ومهمة افضل يقينا.

Email