الرئيس زروال وخمس سنوت من الحكم،بقلم د. محمد قيراط

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الحادي عشر من سبتمبر الماضي فاجأ الرئيس اليمين زروال الرأي العام والشعب الجزائري بإعلانه انسحابه من أعلى هيئة في البلاد وتنظيمه انتخابات رئاسسة مسبقة قبل نهاية شهر فبراير من سنة1999.وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الشارع الجزائري تعديل وزاري وإدخال عناصر جديدة في الآلة السياسية الجزائرية سواء على مستوى رئاسة الحكومة أو على مستوى الولاة يعلن الرئيس الجزائري عن استقالته وتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة. وهكذا وبعد خمس سنوات من تسيير شؤون الدولة الجزائرية في اصعب مرحلة تمر بها بعد الاستقلال ــ ظروف امنية صعبة للغاية, مرحلة انتقالية من الاقتصاد الموجه الى الاقتصاد الحر, تعددية سياسية, وتحديات اخرى كبيرة ومتعددة ومعقدة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. اذا حاولنا قراءة استقالة الرئيس زورال ومحاولة فك الغازها فيجب علينا في البداية ان نقيم الفترة التي قضاها الرئيس زروال في الحكم وما هي المهام التي انجزها؟ وما هي المهام التي فشل في تحقيقها؟ قراءة في الاستقالة أولا: على الصعيد المؤسساتي استطاعت الجزائر في عهد اليمين زروال ان تعود الى المسار الانتخابي الديمقراطي حيث الانتخابات الرئاسية, ثم التشريعية ــ المجلس الشعبي الوطني ومجلس الامة, ثم الانتخابات المحلية ــ المجالس البلدية والولائية ــ وهكذا استطاعت الجزائر في عهد الرئيس اليمين زروال ان تسد فراغ مؤسساتي كبير جدا واستطاعت ان تستعيد الاستقرار السياسي. وتجسد هذه في ارض الواقع بالاقبال الكبير للشعب الجزائري على صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم بكل حرية وديمقراطية. ثانيا: على مستوى النشاط السياسي والحزبي استطاعت الجزائر ان تطهر الساحة السياسية من الطفيليين وشبه الاحزاب وما الى ذلك وهذا بتطبيق قانون احزاب جديد, وهكذا تقلص عدد الاحزاب وفشلت تلك الاحزاب الضعيفة والتي لا تستند على قاعدة شعبية قوية من مواجهة الوضع الجديد. ثالثا: استطاعت الجزائر كذلك في عهد اليمين زروال من انشاء مؤسسات هامة كانت تنقص الجهاز السياسي والاداري والتنظيمي مثل مجمع اللغة العربية, المجلس الاعلى للتربية, المجلس الاعلى للشباب, المجلس الاقتصادي والاجتماعي, مجلس الخصخصة, مجلس مكافحة الرشوة والمحسوبية, والمرصد الوطني لحقوق الانسان وغيرها من اجهزة كانت الدولة الجزائرية في عهد التعددية الحزبية والاقتصاد الحر بحاجة ماسة اليها. هذه الهيئات والاجهزة جاءت لتسد الفراغ وتلبي حاجات المجتمع الجديدة ولتتفاعل مع ظروف جديدة لم تعرفها الجزائر من قبل. رابعاً: على الصعيد الدبلوماسي قامت الجزائر بمجهودات جبارة في عهد الرئيس اليمين زروال وكان التحدي أمامها كبيرا, فأوروبا والولايات المتحدة الامريكية وعدد كبير من دول العالم تعاملت بنوع من الانتهازية واستغلال الإرهاب والشبكات الارهابية لمصالح ضيقة. وبالمجهودات المتكررة للدبلوماسية الجزائرية بدأت الدول الاوروبية تتراجع عن موقفها من الجماعات الارهابية وبدأت تضايق شبكات المجموعات الارهابية عبر العالم, كما استطاعت الجزائر ان تسجل مشكلة الإرهاب على أجندة المؤتمرات الدولية والإقليمية والجهوية كما استطاعت ان تسجل نفس المشكل على أجندة المنظمات الدولية. وهكذا سواء على مستوى منظمة الأمم المتحدة او منظمة الوحدة الافريقية او حركة عدم الانحياز أخذت المنظومة العالمية بعين الاعتبار اطروحات الجزائر فيما يتعلق بمشكلة الإرهاب وراحت بعض الدول تصدر قوانين جديدة وتضيق الرقابة على الشبكات الارهابية المختلفة, وقد انعكس هذا بالايجاب سواء على الصعيد المحلي بالنسبة للجزائر حيث عزلت الجماعات الإسلامية المتطرفة في الخارج وتم القبض على عدد كبير من قادتها. اما على الصعيد الدولي فقد تفطنت المنظومة الدولية لآفة الارهاب واقتنعت بأن المشكلة ذات بعد دولي وتهدد استقرار وأمن اي دولة في العالم بما فيها الدول التي كانت تغازل شبكات الارهابيين في العالم والتي استعملتهم في مرحلة من المراحل مثل الولايات المتحدة الامريكية وغيرها كثير. خامساً: اتهامات الكثير من الدول والمنظمات غير الحكومية والإنسانية للجزائر وللحكومة الجزائرية والجيش الجزائري تبددت وانهارت وبطلت مع مرور الزمن عندما اكتشف اصحابها ان الارهاب في الجزائر تموله قوى خارجية ويدخل ضمن الحركة الاسلامية العالمية المتطرفة التي تستعمل العنف والقتل كوسيلة لها للوصول الى السلطة. وهكذا وبعد زيارة العديد من البعثات للجزائر سواء من أوروبا او من باقي دول العالم او بتكليف من الأمم المتحدة اتضح للرأي العام الدولي من يقتل من في الجزائر, وهكذا استطاعت الدبلوماسية الجزائرية ان تتخلص من المزايدات والمساومات المختلفة التي كان همها الوحيد هو اجهاض التجربة الديمقراطية في الجزائر وهي في المرحلة الجنينية. سادساً: بالنسبة لالتزامات الجزائر أمام صندوق النقد الدولي والمؤسسات البنكية العالمية, استطاعت الجزائر ان تفي بوعودها وترفع رصيد العملة الصعبة في خزينتها الى 9 مليارات دولار بحيث ان هذا الرصيد لم تتجاوز المليار دولار في مطلع التسعينات. سابعاً: على الصعيد الاقتصادي تعاني الجزائر حالياً من مشاكل كبيرة ناتجة عن انتقالها من الاقتصاد الاشتراكي الى الاقتصاد الحر حيث أن عملية الخوصصة واجهت وتواجه مواجهة من قبل العمال وعدم اقبال المستثمرين على شراء المصانع والمنشآت الاقتصادية لعدة اعتبارات وهذا ما انعكس بالسلب على العمال والقدرة الشرائية للجزائري. كما ادت عملية غلق المؤسسات الاقتصادية الى تسريح عدد كبير من العمال مما أدى الى ارتفاع نسبة البطالة الى حوالي 30%.ثامناً: على الصعيد الأمني خطت الجزائر خطوات جبارة في احتواء الارهاب وتطويقه في عهد الرئيس اليمين زروال, وهكذا استطاعت قوات الأمن الجزائرية ان تفكك وتقضي على عدد كبير من الشبكات الارهابية ومن (الامراء) كما نجحت في تغير مواقف العديد من الدول التي كانت تشكل قواعد خلفية للارهابيين لتجميع الأموال وشحن الاسلحة الى الجزائر. تاسعاً: بمجيئه الى الحكم فتح الرئيس زروال حواراً عاماً وشاملاً دون اقصاء اي طرف من الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية والاطراف التي تحترم الدستور والقانون المعمول به في الجزائر بهدف الحوار وتبادل الآراء والافكار والاطروحات التي تخرج البلاد من أزمتها الحادة ومشاكلها المعقدة. والهدف من فتح الحوار هو الوصول الى مصالحة وطنية يسودها التسامح والوئام من اجل المصلحة العامة ومن اجل جزائر واحدة وموحدة. أسباب الاستقالة قبل مجيء الرئيس اليمين زروال الى الحكم كانت الجزائر على حافة الانهيار اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا, لكن انتخابات نوفمبر سنة1995م أنقذت الموقف وكانت بمثابة المنعطف الرئيسي الذي فتح المجال أمام الجزائر ومختلف مؤسساتها للاتجاه نحو التطور الأحسن. اسئلة عدة تطرح نفسها عن التصريح الاخير الذي أدلى به الرئيس زروال, وما هي يا ترى اسباب استقالة الرئيس؟ ما هو موقف الاحزاب من هذه الاستقالة؟ كيف سيكون مستقبل حزب التجمع الديمقراطي؟ من سيخلف الرئيس زروال؟ ومن هو الحزب الذي سيكون الاقوى في تسيير جزائر ما بعد اليمين زروال؟ للتذكير فان الرئيس اليمين زروال قد سبق له وقدم استقالته في عهد الرئيس الشادلي بن جديد كمسؤول في قيادة الجيش, كما سبق له وبعد مضي سنة كسفير للجزائر في رومانيا ان قدم استقالته كذلك وأبتعد عن السياسة وأعتكف في بيته بعد اعلانه عن تخليه على السلطة قبل نهاية المدة الرسمية وهي سنة 2000م عبرت معظم الاحزاب السياسية الفاعلة في الجزائر عن أسفها وتمنت لو يتراجع الرئيس عن قراره, اما البعض الآخر فطالب باسقاط حكومة أويحيى وتشكيل حكومة انقاذ جمهوري. ما يهم الشارع الجزائري هذه الأيام هو من سيخلف زروال في رئاسة البلاد؟ هل هناك حزب بامكانه تقديم رئيس يكون عند أهمية المهمة وخطورتها وتحدياتها المختلفة؟ أم ان الساحة السياسية الجزائرية ستتفق على ترشيح شخصية وطنية يتفق عليها الجميع؟ تساؤلات عدة معظمها يبقى بدون اجابة نظرا لشحة المعلومات بالشأن الجزائري وانعدامها تماما في العديد من الاحيان. ما هي أسباب التخلي عن السلطة وعدم الترشيح للانتخابات المقبلة يا ترى؟ يرى المحللون السياسيون والمقربون من السلطة ان الحالة الصحية للرئيس بعد اجرائه عملية جراحية في الاشهر الماضية من أهم الاسباب التي أدت به الى الانسحاب المبكر من الرئاسة, ومنهم من يرى ان شدة صراع الاجنحة داخل السلطة هو السبب في الانسحاب المبكر للرئيس, ومنهم من يتكلم عن تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للشعب الجزائري وخاصة تدهور الظروف المعيشية للسواد الاعظم منه. من يخلف زروال؟ اما عن سؤال من سيخلف زروال في الحكم؟ فاذا بدأنا بالحزب الحاكم والمسيطر في البلاد فان وضعه الحالي لا يبعث على الارتياح نظرا للصراعات الموجودة بداخله ونظرا لسمعته المهلهلة عند الرأي العام الجزائري, ولذلك نلاحظ ان حزب التجمع الوطني الديمقراطي هو من أهم الخاسرين في ذهاب الرئيس زروال عن السلطة قبل المدة المستحقة له. فهل يستطيع الحزب الحاكم ان ينظم نفسه وينسى مشاكله وتناقضاته وصراعاته المختلفة ويوحد صفوفه ليصبح قويا لمواجهة الانتخابات المقبلة, ويحسن اختيار المرشح الذي يكون في مستوى المهمة ويحظى بشعبية وسمعة كبيرة. من جهة اخرى ترشح الاوساط السياسية الجزائرية حزب جبهة التحرير الوطني ليتقلد زمام الأمور هذه المرة وليعود للسلطة وهذا نظرا لضعف حزب التجمع الديمقراطي وكذلك نظرا لخبرته وحنكته السياسية. لكن حزب جبهة التحرير الوطني كذلك يعاني من تهميش جناح الاصلاحيين فيه وعلى رأسهم مولود حمروش وعبد الحميد مهري, فمولود حمروش شخصية سياسية قديرة ومقتدرة ومحنكة ولديها معرفة كبيرة بمختلف القضايا والملفات الجزائرية ستكون مستحبة من قبل الشارع الجزائري, لكن هنالك قوى داخل السلطة لا تريد أن تتعامل مع حمروش وجماعته على الاطلاق وهنا تكمن مشكلة حزب جبهة التحرير الوطني وامكانياتها في استرجاع فردوسها المفقود. فنجاح حزب جبهة التحرير الوطني يتوقف على اعادة تنظيم الصفوف والتسامح والوئام وضم جناح الاصلاحيين واختيار الرجل الذي يحظى بالشعبية وبالتاريخ النظيف والكفاءة. التيار الاسلامي هل يصل للسلطة؟ أما عن التيار الاسلامي في الساحة السياسية الجزائرية والمتمثل في حركة السلم بزعامة محفوظ نحناح وحركة النهضة برئاسة جاب الله, فان حظوظ حزب نحناح قائمة في التنافس والظفر بالرئاسة اذا احسن التنظيم والتحضير للرئاسيات, للتذكير فان زعيم حركة مجتمع السلم قد استطاع ان يجمع اكثر من 150 الف إمضاء في الانتخابات الرئاسية الماضية في نوفمبر سنة 1995م وكان أداء الحزب جيدا مقارنة بالاحزاب الاخرى. هل يحصل نحناح على تزكية القوى الفاعلة في السلطة الجزائرية؟ كل التقديرات تقول لا نظرا لتذبذب مواقف نحناح وتقلب توجهاته بطريقة مستمرة. أما عن حزب النهضة والذي كان يتخبط في أزمات داخلية لفترة قريبة فان حظوظه في المنافسة على منصب الرئاسة ليست قائمة أساسا. والشيء نفسه يمكن قوله بالنسبة لحزب حسين آيت احمد وكذلك حزب سعيد سعدي. مهما يكن من أمر فان انسحاب الرئيس اليمين زروال من رئاسة الجمهورية قبل انتهاء الفترة المستحقة له والتزامه بالاشراف على الانتخابات المقبلة دون ان يترشح لمنصب الرئيس تعتبر سابقة في الوطن العربي وفي العالم الثالث وهذا يعتبر مكسبا في حد ذاته ويؤكد على وجود بعض من ثمرات الديمقراطية في أرض الجزائر ويجسد في الواقع مبدأ التداول على السلطة ويفتح عهدا جديدا للممارسة السياسية في الجزائر.

Email