عبودية الأفكار!بقلم: عمران سلمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاصل في الافكار انها توجد كي توضع في خدمة الانسان ومصلحته ايا تكن هذه الخدمة او تلك المصلحة. فالانسان هو من يخلق الفكرة وهو من يضيف اليها او يطورها او يلغيها احيانا انه بمعنى آخر صاحب الحق الشرعي والمصلحة الاكيدة في نشوء الافكار واندثارها لكن ما الذي يحدث حين يصبح العكس . انه يصبح حينها ازاء نص مغلق يقيده ويشل حركته ويدفعه نحو الجمود والتبلد اي يصبح في نهاية المطاف عبدا لهذه الفكرة. وعبودية الافكار اسوأ حتى من عبودية البشر. فالبشر قد يتغيرون او يغيرون من انفسهم مع مرور الوقت. لكن الافكار تحافظ على نفسها وتبقى ثابتة مهما مر عليها من زمن او احداث. ولذلك من الاهمية بمكان ان يتخلص الفرد من هذه العبودية بأي ثمن, اذا هو شاء ان يحيا حرا طليقا يمارس دوره في خلق الافكار دون ان يخدمها. لكن الامر على خارطة الواقع ليس كذلك. اعني ان الامور لا تجري دائما كما نشتهي او نحب. فتاريخ الافكار وكذلك البشر يشير الى ان هؤلاء الاخيرين كانوا على الدوام عبيدا لافكارهم او افكار الآخرين. ويرينا هذا التاريخ على نحو خاص انه حين تصبح هذه العبودية كاملة ومطلقة فان مساحات الحرية والضوء تضيق وتتسع بدلا منها مساحات القسر والكراهية والعنف. حدث ذلك في المانيا حين تسلم هتلر الحكم وراح يخضع عشرات الملايين من الالمان لعبودية افكاره. وحدث الشيء نفسه في المعسكر الاشتراكي السابق. ويحدث اليوم في اسرائيل كما يحدث على ايدي عشرات الجماعات الاصولية المنتشرة في العالمين العربي والاسلامي. وفي كل حالة من هذه يتلبس البشر نوع من الاعتقاد العميق والايمان الراسخ لا بصحة فكرة معينة فحسب, وانما بضرورة تطبيقها على ارض الواقع. يترافق ذلك مع شعور طاغ بان الخلاص يكمن في هذه الفكرة وليس سواها قليلا او كثيرا. هذا الشعور في حد ذاته يدفع صاحبه من عبيد الافكار الى فعل كل شيء واي شيء من اجل رؤيتها تتبلور بين يديه. حتى لو تسبب ذلك بالتضحية بالآلاف والملايين من البشر. فهو يعتقد ان خير هؤلاء وخلاصهم انما يكمن في تحقيق فكرته حتى وهم موتى وغير ذلك فلا شيء يهم او يستحق الحياة او العمل من اجله. لاشيء يساوي لحظة واحدة من العمل والنضال والجهاد لتحقيق تلك الفكرة! ترى كم هي تافهة وعديمة المعنى هذه الحياة! وبعد فان تراجيديا عبادة الافكار لاتنتهي عند ذلك انها تواصل مسيرتها حتى القضاء على صاحبها نفسه. والذي قد يتغير الزمان وتتغير الاحوال ويظل هو مستمتعا بعبوديته لها رافضا التحرر والانعتاق. والحق ان بعض الناس لايستطيع الا ان يكون عبدا لفكرة ما, حتى حين لا يكون ثمة داع او معنى للعبودية. وهو لا يتصور نفسه ووجوده بعيدا عنها او بدونها. انه بعبارة اخرى لم يعرف في حياته شيئا مختلفا ولم يسلك طريقا مغايرا. فكيف يطلب منه ذلك اليوم! لكن المفاجأة هي حين يصحو ذات يوم او سنة او عقد, ليكتشف ان معبودته تلك لم تكن سوى فكرة يمكن ان تخطىء او تصيب شأنها في ذلك شأن باقي الافكار التي تمتلىء بها مقبرة التاريخ, او تلك التي لم يحن دورها بعد لزفها الى المقبرة. كاتب وصحافي بحريني

Email