الخليج معني بتوتر حدود إيران الشرقية : أزمات تلد حروبا كارثية: بقلم- رضى الموسوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما كانت ايران تنفذ مناورات عسكرية بالقرب من حدودها مع افغانستان مطلع الشهر الجاري, في رسالة واضحة لحركة طالبان التي سيطرت على 95%من الاراضي الافغانية , في هذا الوقت كانت دوائر استخباراتية امريكية تتهيأ لتسريب نبأ اعتزام طهران الدخول في حرب مع حركة طالبان بسبب اعتقال الاخيرة لأحد عشر دبلوماسيا ايرانيا بينهم صحفي. ولم يكن رد فعل حركة طالبان, غير المسبوق, الا توزيع قطع السلاح على سكان المناطق الحدودية, كخطوة احترازية ضد اي فعل ايراني أو افغاني معارض للحركة المدعومة من باكستان. وإيران التي دعت الامم المتحدة للتدخل في شأن مصير دبلوماسييها, أكدت انها تمتلك الحق والمشروعية في الدفاع عن نفسها في مواجهة (طالبان) التي يشرب قادتها الآن نخب النصر على باقي الفصائل الافغانية في الشمال, وتحضر لزيادة ضخ شحنات المخدرات التي تفيد الانباء المختلفة المصادر بأن الحركة تدعم تجار السموم وتفرض عليهم ضرائب مقابل الحماية وتزويدهم بوسائل الاتصال المتقدمة. ماذا يجري في المنطقة؟ وهل الخليج بعيد عن التوتر الذي تشهده الجبهة الايرانية ــ الأفغانية ــ الباكستانية؟ وهل تنزلق ايران الى المستنقع الافغاني؟ ومن يحرك الخيوط الرئيسية لحركة طالبان؟ وقبل كل شيء, هل بمقدور ايران دخول حرب بعد عشر سنوات من توقف المدافع صوب العراق في الحرب التي استغرقت ثماني سنوات عجاف؟ ايران من الداخل في ظل التوتر الذي شهدته افغانستان بسبب حرب الفصائل وتحقيق حركة طالبان انتصارات موجعة لمعارضيها واقتراب المدافع للحدود الايرانية وجمهوريات آسيا الوسطى, وفي سياق التباينات المعروفة بين تياري الاصلاح والمحافظين في ايران, اعلنت طهران انها ستنفذ مناورات عسكرية لمدة ثلاثة ايام شرقي البلاد تحت اسم عاشوراء 3. وأكد قائد الحرس الثوري الجنرال يحيى رحيم صفوي ان الجنود الذين يبلغ عددهم سبعين ألفا سوف يبقون في مواقعهم بعد انتهاء المناورات. هذا التصريح الذي جاء على لسان صفوي, ورغم انه وقت مع الاضطرابات على الحدود مع افغانستان وباكستان الا انه يحمل رسالة اخرى اضافة لتلك المرسلة الى حركة (طالبان), تتلخص في استعراض القوة للخيار المحافظ الذي يمثل زعيم الحرس الثوري احد ابرز قيادته, في مواجهة تيار الاصلاح الذي يقوده الرئيس محمد خاتمي والذي أمضى سنته الأولى في سدة الرئاسة وسط تموجات داخلية زادت صعوبة مع تراجع اسعار النفط وانكماش اقتصادي واضح تواجهه ايران في الوقت الراهن. ففي الجانب الاقتصادي, وبعد مخاضات قدم الرئيس خاتمي برنامج حكومته الاقتصادي القائم على التخصيص و(إلغاء الاحتكارات وتقليص دور الدولة ومكافحة البيروقراطية بهدف تشجيع الاستثمارات في مختلف مجالات الاقتصاد) في محاولة من الرئيس لوضع علاج ناجع للاقتصاد الذي (يعاني من مرض مزمن) , حسب قول خاتمي, من جهة, ومحاولة وضع أسس لضمان عدالة اجتماعية (عن طريق تغليب الجانب الاجتماعي على الاقتصادي, وضمان الدعم الحكومي للمواد الغذائية الرئيسية) . فإيران, شأنها شأن الدول النفطية الاخرى, تعتمد على العوائد النفطية باعتبارها مصدرا رئيسيا للدخل الحكومي. اذ تشكل هذه العوائد قرابة 85% من عائدات البلاد من العملة الصعبة. وتقدر العائدات المتوقعة هذا العام من النفط بنحو عشرة مليارات دولار, في حين تراجعت الصادرات غير النفطية من خمسة مليارات دولار في المتوقع الى اكثر من ثلاثة مليارات دولار بقليل. ويتوجب على طهران دفع خمسة مليارات دولار هذا العام من أصل ديونها الخارجية التي بلغت حتى العام الماضي ثلاثة عشر مليار دولار. وقد تسببت عوائد النفط المنخفضة الى اعادة رسم الميزانية على اساس اثني عشر دولارا للبرميل بدلا من خمسة عشر دولارا, الامر الذي أعطى انطباعا بمصاعب اقتصادية جمة, فزاد التضخم الى ما بين 20% حسب الاحصائيات الرسمية و40% حسب تقديرات مستقلة وغربية, وقدرت البطالة رسميا بنحو 11% في حين قدرتها دوائر غربية بأنها تصل الى 20% في بعض المحافظات الغربية, وتقدر الاحصائيات الرسمية الايرانية عدد العاطلين عن العمل بمليون ونصف نسمة, في بلد تعداده ستين مليون نسمة. ووفق هذه المعطيات قررت ايران السير في برنامج اقتصادي تقشفي سطا على بعض السفارات في الخارج فأغلق أبوابها وقلصت البعثات الدبلوماسية في البعض الآخر, وقررت طهران لمواجهة هذه المشكلة انشاء مجموعة تخطيط اقتصادية برئاسة محمد خاتمي تتولى البت في الاصلاح الاقتصادي المتدهور حيث مقرر لهذه الخطة ان تركز على اصلاح النظام الضريبي وقانون العمل وقانون الاستثمارات الاجنبية. وفي الجهة المقابلة, تسعى ايران لزيادة ايراداتها من النفط والغاز من بحر قزوين التي أثيرت في الآونة الاخيرة انباء عن تفرد روسيا وكازاخستان بتقاسم النفط فيه, وقد رفضت طهران هذا التقاسم وانضمت اليها تركمانستان, اذ تقدر احتياطات هذا البحر من النفط والغاز بنحو خمسة عشر مليار طن, أي ما يعادل احتياطي دولة الكويت. ثم ان ايران تسعى جاهدة لأن تتم الموافقة على مرور انبوب النفط والغاز من بحر قزوين عبر اراضيها للاستفادة من رسوم العبور التي تصل الى مئات الملايين من الدولارات, فضلا عما سيضخه هذا المشروع الضخم, الذي سيوصل ثروات البحر الى أوروبا, في مشاريع التنمية الشاملة والمقدرة بعشرات المليارات من الدولارات, بينما تسعى واشنطن الى ارساله عبر افغانستان. وهذا, اذا تم, سيعزز من قدرات ايران الانتاجية من النفط حيث يصل الانتاج حاليا الى 3.3 ملايين برميل يوميا, وتفكر طهران بزيادته في عام 2020 الى سبعة ملايين برميل يوميا ما يعني انها بحاجة الى استثمارات اجنبية تقدر بما بين 70 ــ 80 مليار دولار خلال السنوات الاثني عشر المقبلة. لذلك لم تتردد ايران من دعوة المستثمرين الاجانب الى المساهمة في مشاريعها الضخمة والتي تقدر بأكثر من 43 مشروعا عرضتها طهران خلال ندوة نفطية عقدت في لندن مؤخرا وأسالت معلوماتها لعاب الشركات الاجنبية وخاصة الامريكية منها, باعتبار ان العوائد على الاستثمارات في ايران تقدر بنحو 20%. وحتى تقتنع الشركات الاجنبية بأهمية الاستثمار في الحقول النفطية البرية الايرانية, ثمة استحقاقات داخلية تراها تلك الشركات شرطا اساسيا, وعلى رأسها الاستقرار السياسي. وفي هذا الحقل تتقاطع مصالح التيار الاصلاحي الذي يسعى لمؤسسة المجتمع و(تأسيس أحزاب سياسية للخروج من الفردية الى العمل الجماعي الذي يراقب عمل الحكومة) حسب قول خاتمي, وتحتاج البلاد الى حسم ازدواجية السلطة والتحول الى المجتمع المدني الذي يبشر به الرئيس خاتمي في معظم تصريحاته, فهو يعتبر انه (من حق الناس ان يشعروا بالطمأنينة وهم يعبرون عن آرائهم بحرية حتى لو كانت معارضة للنظام) ويزيد (بأن الذين يخافون اطلاق الحريات العامة اما ان يكونوا ممن لا يملكون ما يقولونه للناس أو انهم يفتقرون الى القاعدة الشعبية أو كليهما, وان عظمة اية حكومة ليس في قدرتها على قمع معارضيها, بل في دفع الجميع, بمن فيهم المعارضون لها, للنزول الى ساحة النزال, وطرح آرائهم في اطار القانون) . وبعد عام من استلام خاتمي زمام الحكم والمعارك لا تزال قائمة, الا ان استطلاعات الرأي الاخيرة أقرت بنجاح خاتمي (شعبيا) حيث اجمع 75% من الذين شملهم الاستطلاع بأن السنة الأولى شهدت تغييرا ملموسا في المناخ السياسي والثقافي. بيد ان هذه السنة ترافقت بطلب فوري لمعالجة الاوضاع الاقتصادية, في حين وصف الرئيس الايراني صبر شعبه على الصعوبات هذه بأنه ثروة الحكومة التي ستمكنها من الولوج في عملية الاصلاح الاقتصادي. من جهتها تراقب الدول الغربية الاوضاع عن كثب لمعرفة الى اين تتوجه امواج التيارات السياسية, في الوقت نفسه الذي تجد فيه بعض من هذه الدول ضرورة دعم الاصلاحات الاقتصادية التي أعلن عنها فريق الرئيس خاتمي لتعزيز برنامجه على حساب المحافظين الذين قرر بعض منهم المواجهة السافرة كما حصل قبل أيام مع نائب الرئيس ووزير الثقافة والارشاد اللذين تعرضا للضرب بعد صلاة الجمعة على أيدي مجموعات محافظة ومعارضة للنهج الرسمي, بعد اشهر من تقديم رئيس بلدية طهران للمحاكمة وإقالة وزير الداخلية السابق. من هنا يبدو ان التوتر على الحدود مع افغانستان ليس معزولا عن الداخل الايراني ولا عن الاجواء الاقليمية التي تعارض اغلبها سيطرة حركة طالبان على الحكم باستثناء باكستان التي تقدم الدعم اللامحدود لها ووفق المعطيات السالفة ايضا فان الادارة الامريكية التي تخلت عن مبدأ الاحتواء المزدوج بعد فشله ضد ايران, ليست بعيدة عما يجري في افغانستان وباكستان لذلك ليس غريبا ان تتلقى طهران رسالة من الادارة الامريكية بعد سقوط مدينة مزار الشريف في ايدي حركة طالبان, وليس غريبا اطلاق التحذيرات من مسألة التدخل في الشؤون الافغانية وفي هذا الوقت تجد مصادر ايرانية عدة بان اختطاف الدبلوماسيين الايرانيين (كان فخا اراد نصبه من يوجهون طالبان من خارج المنطقة) حسب قول صحيفة ايران نيوز التي قصدت بشكل رئيسي دور الولايات المتحدة في محاولة جر ايران الى اتخاذ قرار عسكري لمعالجة مشكلة دبلوماسييها. والظاهر في الامر ان ايران واعية للعبة توريطها في المستنقع الافغاني بالرغم من التهديدات الاعلامية الصادرة من بعض الجهات التي تعتبر في خانة التيار المحافظ والذي يبرز من خلاله تباين وجهات النظر بين تياري الحكم في ايران ازاء معالجة الوضع على الحدود, وهذه مسألة تحتاج الى حنكة سياسية كبيرة من الجانب الايراني خاصة وان (طالبان) التي تتصرف لاشعال الموقف لم تتردد عن التصريحات الاستفزازية التي من شأنها وضع ايران في خانة الضعيف غير القادر على الدفاع عن مواطنيه المحتجزين. ان اي تصاعد في الاحداث لجهة انفجار الوضع على الحدود سوف يشكل ضربة قاصمة لبرنامج الرئيس الايراني وفريقه الاصلاحي, ان على الصعيد الاقتصادي او في الجوانب السياسية والاجتماعية التي يسعى هذا الفريق جاهدا من اجل تكريس قيم المجتمع المدني القائم على المؤسسات وحكم القانون وستكون هناك فرصة كبيرة لاعادة ايران الى الخطاب المتشنج الذي تشذب اكثر مع وصول خاتمي الى الرئاسة. كما ان اشعال فتيل حرب اقليمية اخرى ستؤثر بشكل كبير على دول مجلس التعاون التي تعاني هي الاخرى من صعوبات اقتصادية انعكست في اعادة جدولة العديد من بنود الميزانية لمواجهة عجوزات كبيرة متوقعة خلال هذا العام لن تقل في اجماليها عن ستة بالمائة في المتوسط مايعني تراجعا جديدا لمؤشر التنمية الشاملة, ودخول المنطقة برمتها في اتون احتمالات وخيارات افضلها مُر كالعلقم ناهيك عن التوتر السياسي والاجتماعي الذي تحدثه هكذا حروب. لقد عرفت المنطقة ماذا تعني الحرب, وخبرت جيدا اثارها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, ويكفي ان حربين كلفتها مئات المليارات من الدولارات وضياع فرص التنمية. والتوتر الراهن ليس (فخار يكسر بعضه) بل هو اصطدام له من التوابع ما قد تعجز المنطقة عن استيعابه هذه المرة. كاتب صحفي بحريني*

Email