أبجديات: بقلم-عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

قضية لابد من مناقشتها بوضوح بدل السكوت عنها أو تداولها بطريقة سرية أو غامضة على طريقة تداول الكتب أو القصص الممنوعة. تلك هي قضية (المواطنة والسلوك الحضاري) . سألني أحدهم محتجا هل أصبحت المواطنة عندكم مرادفا آخر للتجاوز واختراق القانون والتعدي على حقوق الآخرين؟ وحين أكدت نفيي واعتراضي على هذا المفهوم المغلوط للمواطنة, أجابني: بل هذه هي الحقيقة!! يندس في أذهان الكثيرين تصور مشوه وخاطىء مؤداه ان (المواطن) إنسان أباح لنفسه ارتكاب العديد من المخالفات والمغالطات وتجاوز القوانين لسبب واحد فقط هو انه (مواطن) لا أكثر! وقد يكون لهذا التصور أساس كبير من الواقع نتيجة العديد من الملاحظات والمشاهدات, حتى صار الاخوة العرب يتندرون بها في أحاديثهم الخاصة, ولا يتحاشون ذكرها أمامنا من باب النكتة أو الطرفة على طريقة المصريين في التندر على الصعايدة. ولذلك فمجرد حدوث موقف ما يخونك فيه التصرف أو الذكاء, سرعان ما تلتقطه أجهزة الرصد المحيطة مطلقة عبارة: (طبعا ألست مواطنا) وفيها ما فيها من التهكم والسخرية, ما تحاول أنت ان تمرره على اعتبار انه مزحة أو كلام أخوي غير مقصود!! طبعا الحديث هنا لا نقصد من ورائه تأليب الاخوة المواطنين على اخوانهم وأصدقائهم وزملائهم ــ حاشا لله ــ ولكن المقصود البحث في سيكولوجية النكتة أو السخرية في هذا المجال تحديدا. فالمعروف ان العديد من الشعوب قد طبعت لنفسها صورة معينة تحولت إلى ما يشبه (الماركة التجارية المسجلة) بحسب الاخلاقيات والصفات التي نقشت لهذه الشعوب, صورة كالوشم في الذاكرة لا يمكن تغييرها. ومهما بذل الانجليز فلن تتغير صورة المتعالي صاحب الدم البارد في أذهاننا, كما لن تغادر الأذهان صفة الكرم التي تميز بها العربي على امتداد تاريخه حتى وصل كرمه لدرجة التبرع بأرضه وكرامته أحيانا!! وكلنا نعرف درجة التأدب لدى الياباني, ودرجة الخبث والخديعة لدى اليهودي... الخ لكن كل هذه الصور الانطباعية لا تنعكس سلبا على الأداء العام لهذه الشعوب في مسيرة الحضارة والمدنية, فبرود الانجليزي لم يمنعه من تفجير الثورة الصناعية على أرضه ذات يوم, كما لم تمنع كل صفات الجشع والخبث اليهود من تأسيس وطن ودولة من فراغ, في حين أصبح أصحاب الأرض الكرماء يجدفون في الفراغ ويحرثون في البحر. عندنا الأمر مختلف, الصورة الانطباعية المتكونة ــ وللأسف ــ في أذهان الكثيرين عن (المواطن) الذي لا يتقيد بالنظام أو الذي يتجاوز قوانين العمل والسير والمرور والوظيفة لأنه (مواطن), هذه الصورة, تؤثر سلبا في أداء هذا المواطن وفي انتاجيته, لأنه ببساطة يخترق بتلك التجاوزات قلب الانتاج وعمق الأداء. لماذا وصلنا إلى درجة إعطاء هذه الصورة عن أنفسنا؟ لا أدري على وجه الدقة! ويقينا فإن المواطنة الحقيقية بريئة من ذلك تماما. فالمواطنة الحقيقية لم ولن تكون المدخل لأي تجاوز, كما لن تكون البوابة التي يتسلل منها الكثيرون لمناطق محظورة وممنوعة. المواطنة التي يجب ان نعيها تماما ليست في ترديد النشيد الوطني وتحية العلم وحمل جواز سفر الدولة, هذه مظاهر المواطنة, اما حقيقتها فهي كما لخصها الوالد صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: (المواطن الحقيقي هو الذي يكون نافعا لنفسه ولأمته وأهله) . ولن تكون نافعا لأحد طالما اخترقت الأنظمة والقوانين مرددا (أنا مواطن) القاعدة الصحيحة هي: (أنا مواطن, أنا ملتزم).

Email