على شفير حرب ايرانية مع طالبان: بقلم- فايز سارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتصاعد اكثر فاكثر حدة التوتر على طول الحدود الايرانية ــ الافغانية البالغ طولها 850كيلو مترا وعلى جانبي الحدود اخذ يتحشد مئات الآلاف من الجنود مع اسلحتهم ومعداتهم التي تنتظر لحظة صدور الاوامر لبدء الحرب . وبرفقة تصاعد التوتر يتواصل ظهور مبررات الحرب لدى الطرفين, والايرانيون من جهتهم لديهم اسباب لعل الاهم والمعلن فيها الرد على قيام الطالبان بقتل احد عشر دبلوماسيا ايرانيا عشية دخول قوات الطالبان مدينة مزار شريف اوائل الشهر الحالي, وانتزاعها من ايدي قوات المعارضة التي تحظى بدعم ايران في مواجهة تمدد الطالبان. والاخيرة تتهم ايران بالتدخل في شؤون أفغانستان الداخلية وبتقديمها الدعم المباشر الى بعض الجماعات المعارضة المحلية المذهبية والسياسية, مما يعطي طالبان حق وقف التدخل الايراني بالقوة. وفي غمار تصاعد التوتر, جاءت خطوة طالبان الاخيرة في اقتحام المعقل الرئيسي الاخير للمعارضة الافغانية في باميان والتي كان يفكر معارضو الطالبان ان يتخذوها قاعدة لهجوم ضد طالبان بدعم رئيسي من ايران, ومع هذا التحول فقد بلغ التوتر بين ايران وحركة طالبان مدى اعلى, ووضع الطرفين على شفير الحرب, وسط اتهامات وتصريحات تنطلق هنا وهناك. وتدقيقا في احتمالات وقوع حرب ايران وطالبان, يمكن القول ان تلك الحرب اذا وقعت لن تكون حربا بين دولة ايران وحركة طالبان من الميليشيات المسلحة, بل انها ستتحول الى حرب اقليمية يشارك فيها اطراف في الظاهر وآخرين من الباطن, وتحصل فيها اصطفافات قد تتجاوز الدول المجاورة, وستكون فرصة لتدخل بعض الدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة الامريكية, التي كثيرا ما ردد المسؤولون فيها تأكيدهم متابعة التطورات الاخيرة بين ايران وطالبان, وهذا يعني ان الحرب ستكون شاملة وواسعة, وربما تصير حربا طويلة, موازية في ذلك الحرب الاهلية الافغانية الممتدة لنحو عقدين ونصف من السنوات. ولعله بسبب تلك الاحتمالات تتفاوت المواقف في ايران حول ما ينبغي الذهاب اليه في موضوع الحرب ضد طالبان, حيث هناك موقف مقرب من علي خامنئي ابرز ممثليه يحيى رحيم صفوي احد مستشاري خامنئي, وقائد الحرس الثوري المؤلف من 170 الف مسلح, يميل الى شن اوسع مواجهة مسلحة ضد حركة طالبان, ويدعم هذا الاتجاه جزء من القادة العسكريين للجيش الايراني الذي يزيد تعداد قواته العاملة على 600 الف جندي ولديه اكثر من 400 الف من جنود الاحتياط. وفي المقابل هناك موقف اقل دعوة الى المواجهة مع طالبان, وهو موقف المقربين من رئيس الجمهورية محمد خاتمي, ويميل هؤلاء الى ممارسة ضغط سياسي على طالبان, بل ان بعضهم اقرب الى اعادة تقييم حركة طالبان والى ايجاد صيغة للتفاهم مع هذه الحركة ويعبر اصحاب هذا الرأي عن موقفهم بالاشارة الى ان هناك كثيرا من المعطيات التي يمكن على اساسها قيام علاقات حسنة مع طالبان وجعل افغانستان في محيط النفوذ الايراني. معارضو المواجهة المسلحة ضد طالبان, يرون في دخول ايران بكل ثقلها وقوتها في مواجهة عسكرية مع طالبان انقاص من قيمة ايران وتصغير لشأنها, كما انه يأتي خلافا لتوجهات ايران بتحسين علاقاتها مع دول الجوار, وان ذلك قد يتسبب بنكسة خطيرة فيما تحقق من تقدم من علاقات مع بعض الدول العربية ولا سيما المملكة العربية السعودية التي تدعم حركة طالبان, كما ان ذلك سوف يعمق الخلاف الايراني ــ الباكستاني بصدد افغانستان ومستقبلها. ويتخوف معارضو المواجهة المسلحة من ان يجر صدام ايران مع طالبان قدم اسرائيل للحضور مباشرة او بصورة غير مباشرة الى افغانستان لاستنزاف امكانيات وقدرات ايران, وفتح جبهة من شأنها اضعاف الحضور الايراني في الصراع مع اسرائيل, كما يتخوف معارضو حرب ايران مع طالبان من فخ تنصبه الولايات المتحدة لايران في افغانستان لفرض عقوبات قد تبلغ حد الحصار على نحو ما يجري في العراق. وحتى اذا لم تسع الولايات المتحدة الى نصب فخ لايران في افغانستان فان مجرد بدء الحرب ودخول ايران الى افغانستان, قد يجر ايران الى الخوض في المستنقع الافغاني والذي كان بين اسباب ادت الى تدهور الاتحاد السوفييتي السابق بعد تورطه في الصراعات الافغانية لعقد ونصف من السنوات لم يستطع فيها ان يحقق حسما للصراعات رغم ان قوته وامكانيته اكبر بكثير من امكانيات ايران, خاصة وان الاخيرة مازالت بعد عشر سنوات من نهاية حربها مع العراق تعاني من نتائج تلك الحرب, التي تقول الارقام الايرانية الرسمية ان خسائرها تجاوزت 600 مليار دولار, بمعنى ليس بامكان ايران الدخول في حرب جديدة في وقت مازالت بحاجة الى مزيد من العمل والجهد لتتجاوز اثار الحرب السابقة. وتعيد الاجواء القائمة في ايران بصدد الموقف من طالبان الى الاذهان الاجواء التي سبقت الحرب العراقية ــ الايرانية مع فوارق بسيطة, حيث ان المستشارين المقربين من موقع القرار كانوا اكثر اندفاعا في الدعوة الى المواجهة العسكرية مع العراق عام 1979 فيما كان معارضو تلك الحرب اضعف من ان يظهر صوتهم رغم ان بعضا منهم كان قريبا من مركز القرار الايراني, اما اليوم فان من يعارض دخول الحرب مع طالبان عددهم اكثر, وصوتهم اعلى مما كان عليه صوت اقرانهم عام 1979 وهم يملكون معطيات ومبررات لموقفهم تجعلهم يطلبون الا يتكرر ما حصل في الحرب العراقية ــ الايرانية وما تركته من دمار هائل على ايران وجوارها وعلى علاقاتها مع العالم العربي والاسلامي.

Email