معركة انتخاب رئيس جديد في لبنان: بقلم- محمد مشموشي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في لبنان حاليا حديث علني مسموع تحت عنوان (الاستحقاق)الرئاسي اشارة الى انتخابات رئاسة الجمهورية في نوفمبر المقبل ومجرد همس متداول حول مواصفات الشخص الذي يحتمل ان يحتل المنصب في ذلك التاريخ الا ان الخوض في اسماء المرشحين للموقع فضلا عن اسم المرشح الذي ربما يكون اكبرهم حظا في الوصول بعد انتهاء مايوصف بعملية (الغربلة) فلا يتجاوز في هذه المرحلة حدود التفكير الداخلي سواء لدى المواطنين العاديين او لدى رجال السياسة المعنيين بمعنى انه خارج نطاق الحديث المسموع كما هو ايضا خارج نطاق الهمس المتداول بين اثنين او اكثر وفي هذا السياق يتفق اللبنانيون على اختلاف طوائفهم وتياراتهم فضلا عن تباين مصالحهم وطموحاتهم على ان الكل مهتم بـ (الاستحقاق) الا انهم في الوقت نفسه يتوزعون ثلاث فئات لكل منها خصائصها فبعضهم يقول كلاما علنيا وان يكن ضمن نطاق المعلومات المتوفرة فقط بينما البعض الاخر يكتفي بالهمس حول المواصفات المطلوبة اضافة طبعا الى توجهات صناع القرار في حين لايجد البعض الثالث بامكانه وبين يديه سوى لذة تأمل الصورة ـ مرة بكليتها العامة ومرة بتفاصيلها ـ والتفكير الذاتي بما يمكن ان تتمخض عنه العملية نتيجة لــ (التوزان) بين التوجهات لدى صناع القرار والتطورات في داخل لبنان وحوله وربما ايضا في داخل المنطقة وحولها. على صعيد الكلام العلني يبدو واضحا ان موضوع التمديد للرئيس الياس الهراوي ثلاث سنوات اخرى بعد السنوات الثلاث التي مددت له في العام 1995 ليبقى في المنصب تسع سنوات كاملة قد طوي بصورة شبه نهائية وان انتخاب رئيس جديد للبلاد بات امرا محتوما وفي حين يردد الهراوي شخصيا ومنذ فترة انه (تعب) ويحتاج الى الراحة وانه يوم الرابع والعشرين من نوفمبر سيعود الى قريته حوش الامراء القريبة من زحلة في البقاع فان زوار دمشق من رجال السياسة والمهتمين اللبنانيين ينقلون عن نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام مايوصف بأنه (قصائد مدح مطولة) بالرئيس الهراوي وبــ (الانجازات) التي تحققت في عهده ان على صعيد الخروج من الحرب او خاصة على صعيد نزع سلاح الميليشيات واعادة بناء ما تهدم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في فترة الحرب. وفي الاطار ذاته يتردد بين النواب وعلى لسان رئيس المجلس النيابي نبيه بري علنا ان موضوع تعديل المادة 49 من الدستور سيكون واردا في الدورة العادية للمجلس في اكتوبر المقبل وهذه المادة التي تمنع موظفي الفئة الاولى من ترشيح انفسهم لرئاسة الجمهورية الا بعد انقضاء ستة شهور على الاقل على استقالاتهم من وظائفهم وتمنع في الوقت نفسه التجديد او التمديد للرئيس بعد انتهاء ولايته المحددة بست سنوات كانت قد عدلت في العام 1995 لجهة الفقر الخاصة بالتمديد من اجل التمديد ثلاث سنوات للهراوي اما هذه المرة فتعديلها سيطال نقطة الاستقالة من الوظيفة للافساح في المجال كما يقال علنا الان امام اثنين من كبار الموظفين هما قائد الجيش العماد اميل لحود وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة وربما غيرهما ايضا. على صعيد الهمس يبدو ان اسم العماد لحود هو الاكثر ترددا والاقوى في معظم الاوساط السياسية المعنية وذلك بعد ان تردد الاسم نفسه وبقوة ايضا عشية التمديد السابق في العام 1995 برغم ان الظروف المحلية والاقليمية كما قيل يومها شدت باتجاه اللجوء الى التمديد وليس الى الانتخاب في تلك الفترة وعمليا فلا يختلف اثنان في لبنان حول الكفاءات التي يتمتع بها العماد لحود والتي تمكن عبرها من اعادة توحيد الجيش بنجاح منقطع النظير بعد كل ماتعرضت له المؤسسة العسكرية من شرذمة في اثناء الحرب كما لا يختلف اثنان في ان هذه المؤسسة هي الوحيدة تقريبا من بين المؤسسات اللبنانية التي باتت بعد تسع سنوات من انتهاء الحرب اقوى مما كانت قبلها بينما لايزال غيرها (مثل الجامعة اللبنانية) تعاني من اثار التقسيم الذي اصيبت به في ظل القنابل وعمليات الاقتتال. وبصورة خاصة فقد اعتبر كلام نسب الى خدام في الايام القليلة الماضية وقال فيه اننا نفضل ان يأتي رئيس يرضي غالبية اللبنانيين ويناسبهم وان يكون متمتعا بروح القيادة ولايشكل تحديا لاي فريق ويؤمن بالوفاق الوطني وان يكون عروبي التوجه انه انما يصب خصوصا في كلمة (القيادة ولا يشكل تحديا لاي فريق) في خانة العماد لحود من دون غيره من المرشحين الا انه وكما يقال تندرا في لبنان ان كل ماروني هو مرشح نظريا ليكون رئيسا للجمهورية فهناك اسماء اخرى كثيرة تتردد هنا وهناك ولكن بصوت اكثر خفوتا باعتبارها من بين احتمالات (او لعلها خيارات) ممكنة عند الحاجة وان تكون حظوظها تبدو في المرحلة الحالية على الاقل ادنى من حظوظ العماد لحود. من بين هذه الاسماء يرد اسم النائب نسيب لحود, وهو قريب العماد لحود من جهة وابن اللواء السابق في الجيش جميل لحود من ناحية اخرى والنائب والوزير السابق بطرس حرب ووزير الثقافة والتعليم العالي الحالي فوزي حبيش وغيرهم. وعلى هذا المستوى قال احد اعضاء المجلس النيابي قبل ايام ان اسم الوزير السابق والمرشح السابق للرئاسة في العام 1998 مخايل ضاهر عاد الى ساحة الهمس مجددا في الفترة الاخيرة الا ان عضو المجلس اياه علق على ذلك قائلا ان اسم ضاهر الذي ارتبط في اذهان بعض الاوساط المارونية في تلك الفترة بالعبارة التي رددها نائب وزير الخارجية الامريكي روبرت مورفي عند مدخل القصر الجمهوري يومها مخايل ضاهر او الفوضى قد يهدف طرحه الان مجددا تذكير الطائفة المارونية بالفوضى الشاملة التي اعقبت رفضه من قبل الطائفة والتي كانت ذروتها الحرب التي اطلق عليها اسم حرب الالغاء بين قوات الجيش بقيادة العماد ميشال عون وميليشيا (القوات اللبنانية) بقيادة الدكتور سمير جعجع, وان الغاية النهائية ربما تكون (تخيير) هذه الاوساط المارونية بين ضاهر او القبول بهذا المرشح او ذاك. في كل حال يبقى الهمس الاوضح في لبنان اذا كان هناك مايمكن وصفه بهمس واضح هو اي حديث تم بهذا الخصوص بين الرئيس السوري حافظ الاسد والرئيس الفرنسي جاك شيراك في اثناء زيارة الاسد الاخيرة لباريس؟ واي تشاور تم فعلا او هو سيتم بين دمشق وواشنطن او بينها وبين الرياض والقاهرة حول موضوع الرئاسة؟ فاللبنانيون وعلى مر التاريخ رأوا في انتخاب رئيس الجمهورية قضية اقليمية ودولية اكثر مما هي قضية داخلية لبنانية اما بالمساومة وصولا الى تسوية بين مواقف مختلفة او بالتواطؤ بين جهتين او اكثر على حساب الجهات الاخرى!! اما على صعيد التفكير الذاتي وهو الامر الغالب في اوساط الاكثرية من المواطنين العاديين فالمسألة لا تتعدى الفرجة انطلاقا من قناعة باتت شبه ثابتة بأن شأن الرئاسة الاولى تماما كما هو ايضا شأن الرئاستين الثانية والثالثة لايقدم عمليا ولايؤخر في مايتصل بالشأن العام للمواطن على مستوى مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية وان كانت معركة اختيار الرئيس نفسها تمس واحيانا بصورة مباشرة هذا المواطن كما كان الحال في الازمة السياسية التي ضغطت على الوضع الاقتصادي عامة وعلى العمالة الوطنية بعد العام 1982 ثم في الازمة الاخرى التي سميت ازمة احراق الدواليب في العام 1992 وادت الى استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي ومجيىء الحكومة الاولى للرئيس رفيق الحريري. هذه الفئة من اللبنانيين هي الاكثر عددا على الاطلاق برغم الحقيقة التي لم تتغير كثيرا على امتداد تاريخ لبنان والتي تقول ان كل لبناني هو رجل سياسة الى ان يثبت العكس خصوصا في ضوء الركود الاقتصادي الذي تمر فيه البلاد نتيجة تراكم الديون الخارجية والداخلية وبسبب العجز الكبير في الموازنة منذ سنوات واهتمام هذه الفئة بانتخابات رئاسة الجمهورية ليس قليلا او هو ليس اقل من غيره ولكن للسبب المشار اليه سابقا الخشية من ان تؤثر عمليات الشد والجذب, وعلى امتداد الشهور التي تفصل البلاد عن موعد الانتخاب حول شخص الرئيس ومواصفاته وطبيعة التسوية التي يصل من خلالها مزيدا من الضغط على الوضع الاقتصادي المتأزم اصلا في البلد وفي ميزانية كل مواطن. معركة رئاسة الجمهورية في لبنان بدأت فعلا, وان تكن تفاصيلها لاتزال في الكواليس الخلفية للكواليس السياسية, ومن شأنها ان تتصاعد في الاسابيع القليلة المقبلة برغم الدعوات السورية المستمرة لابقائها ضمن جدران مغلقة الى ان يحين الموعد في الخريف. واذا كان (الحوار) الساخن في الاسبوعين الماضيين بين الرئيسين الحريري وبري قد هدأ او هدىء بتدخل سوري مباشر بعد ان ظهر واضحا ان في ثناياه رياح معركة الرئاسة هذه فكثيرة هي (الحوارات) الباردة وغير الظاهرة على السطح التي تستمر على هذه الجبهة او تلك من جبهات المعركة المتعددة سياسيا وطائفيا ومناطقيا فضلا عن الجبهات العربية والاقليمية وحتى الدولية. نائب رئيس تحرير جريدة (السفير) في بيروت*

Email