الدور الامريكي في اندونيسيا: بقلم ـ شاكر نوري

ت + ت - الحجم الطبيعي

عشية اعلان سوهارتو استقالته من منصب الرئاسة في اندونيسيا, حيّا الرئيس الامريكي بيل كلينتون هذا القرار وعلّق عليه قائلا: (انه بداية عملية تؤدي الى تحوّل حقيقي نحو الديمقراطية في اندونيسيا) . واضاف قائلا: (انها فرصة للشعب الاندونيسي ان يتّحد من اجل بناء ديمقراطية مستقرة لمستقبل هذا البلد) . ومن ثم استنتج الرئيس الامريكي ما مفاده بأن: (الولايات المتحدة جاهزة من الان ان تقدم الدعم لاندونيسيا ما دامت تلتزم هي في اجراء التغييرات الديمقراطية) . ومن جهة اخرى, فان وزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت عبرت عن رأيها قائلة: بأنه حان الوقت للرئيس الاندونيسي ان يتخلى عن مناصبه وذلك (من اجل الحفاظ على تراثه السياسي) . والمعلوم ان الولايات المتحدة كانت قد دعمت دكتاتور اندونيسيا طيلة ثلاثة عقود زمنية لكنها ارادت ان يرحل عن السلطة دون عنف او اضطرابات. وقد استخدمت الادارة الامريكية لهجة دبلوماسية للغاية اذ قال احد مستشاري مادلين اولبرايت: (لقد قدم سوهارتو الكثير الى بلاده وقد حانت الفرصة ان يغادر ولكن بموقف تاريخي لرجل دولة) . وهذه لغة دبلوماسية تطالب برحيل الدكتاتور من اجل اجراء التغيير المطلوب. ولم تتردد الادارة الامريكية في الاستنتاج بأن تعلن بوضوح ان رحيله فقط هو الذي سيساهم في عملية التحولات السلمية في اندونيسيا. وكانت الادارة الامريكية لها موقف اخر حيال اندونيسيا وازمتها قبل اشهر الاّ انها ادركت خطورة صبّ الزيت على النار في ظروف الأزمة وسرعان ما ادركت ان وجود سوهارتو على قمة السلطة هو عامل من عوامل الخراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقد وقع الرئيس الامريكي بيل كلينتون تحت ضغوطات عديدة من قبل عدد من السيناتورات الجمهوريين والديمقراطيين بضرورة التعجيل بالتخلي عن سوهارتو. السناتور الديمقراطي جون كيري قال بالحرف الواحد: (ان الرسالة يجب ان تكون بسيطة ومباشرة وهي ان الرئيس سوهارتو يجب ان يرحل) . وسناتور آخر وهو بول ويلستون قال: (ينبغي ان نقف بجانب الطلبة) . الاّ ان الادارة الامريكية كانت متردّدة تخوفا من تطورات الاوضاع الى حدود الفوضى العارمة في شوارع جاكرتا. وقد استخدمت واشنطن جميع ما تمتلك من نفوذ وذلك في التأثير على (صندوق النقد الدولي) لايجاد مخرج لانقاذ الاقتصاد الاندونيسي من خلال دعمها بمبلغ قدره 43 مليار دولار الاّ ان هذا الدعم قد توقف حتى تعود الاوضاع الى مجراها الطبيعي. واذا كانت الولايات المتحدة قد اغمضت عينيها على نظام سوهارتو الاستبدادي لسنوات طويلة, ومن ضمنها غزو تيمور الشرقية عام 1975 وما سببته من كوارث, لانها كانت ترى في شخص سوهارتو الضمانة الاكيدة لاجراء عمليات التحديث في اسيا الجنوبية ــ الشرقية, وكان الاقتصاد الاندونيسي يبدو في نظر الادارة الامريكية في حالة صحية جيدة, ومشجّع للاستثمارات الاجنبية في اندونيسيا. ولابد من الاشارة الى ان ما يقرب من 11 الف امريكي يعيشون في اندونيسيا, من ضمنهم 4800 يعيشون في جاكرتا العاصمة, وقد غادر بضعة آلاف منهم اثر الاضطرابات الاخيرة. وكانت البحرية الامريكية قد اخذت استعداداتها من اجل اجلاء رعاياها في حالة تدهور الاحوال الامنية في اندونيسيا. ومن المعروف جيدا ان الجنرال سوهارتو لم يكن يعتزم تقديم استقالته, بل وعد باجراء انتخابات بعد مرور ستة اشهر لا يرشح فيها نفسه الاّ ان تخلي الولايات المتحدة عنه هو الذي اجبره على تقديم استقالته, ولم تتوقف الولايات المتحدة من دعم سوهارتو منذ الاطاحة بأحمد سوكارنو الزعيم الوطني منذ اثني وثلاثين عاما, وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي واصلت واشنطن دعمها لسوهارتو ايماناً منها بأن اندونيسيا تعتبر مركزاً هاماً لمواجهة النفوذ الصيني في اسيا من ناحية, وتقديم الدعم لليابان باعتبارها الحارس الامين للمصالح الامبريالية في القارة. وبشأن تأثير الدور الامريكي في احداث اندونيسيا ذكرت صحيفة (الواشنطن بوست) بأن السفير الامريكي في جاكرتا كان ملزما منذ شهر فبراير ان يقدم احتجاجاً الى الجنرال برابوو بشأن عمليات الاختطاف والتعذيب لكبار الموظفين الامريكيين العاملين هناك وحسب الصحيفة ان القوات الخاصة (الكوباسيوس) هي المسؤولة عن ذلك. ومن ناحية اخرى فقد ادان المعارض الاسلامي الشهير امين رئيس, صاحب تنظيم (الجماعة المحمدية) المعارضة عمليات القتل والحرق ونهب المخازن واكدّ بأنها منظمة من قبل سلطة سوهارتو من اجل التأثير على (صندوق النقد الدولي) . وتشير المصادر بأن الرئيس السابق سوهارتو قد نظم ذلك حسب المقولة الشائعة (انا ومن بعدي الطوفان) ولكي يظهر للرأي العام العالمي بأنه الضمانة الوحيدة لعودة الاستقرار الى البلد.

Email