التفجيرات النووية الهندية: الأهداف والنتائج: بقلم - د. علي الدين هلال

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ ان اعلنت الهند عن قيامها بخمسة تفجيرات نووية, يومي 11 و13 مايو, في موقع بوكاران في صحراء راخستان , احتل هذا الموضوع مكانة متقدمة في اهتمامات العالم, وذلك, بحكم ان مايثيره من اسئلة, ومايطرحه من قضايا, لا يتعلق فقط بالتوازن الاقليمي في جنوب آسيا, وانما ايضا بقضية انتشار السلاح النووي في العالم ككل, وتداعيات الحدث الهندي على مناطق مجاورة, ابرزها منطقة الخليج والشرق الاوسط ولعل هذا مادفع دولة الامارات والسعودية الى ارسال مندوبين الى باكستان لبحث الموضوع. الهند, من ناحيتها, اعلنت انها اتخذت هذا القرار: (عقب دراسة عملية لكافة العوامل المتعلقة بامن الهند القومي, ولا تهدف تلك التجارب تهديد اية دولة, ولكنها تراعي المخاوف الامنية للشعب الهندي وتوفر له الطمأنينة المطلوبة, وان الهند باجرائها هذه التجارب, لم تقم بانتهاك اية التزامات تجاه المعاهدات الدولية, وان معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية, والتي لم تنضم اليها الهند, تتضمن فقرة تسمح للدول الاطراف في المعاهدة بالانسحاب منها اذا ما شعروا ان مصالحهم العليا معرضة للخطر. وانتقد البيان الهندي النظام الدولي الذي اقامته الدول النووية التي أنشأت: (نظاما تمييزيا معيباً لعدم الانتشار النووي يؤثر سلبا على أمننا) . وهكذا, اصبحت الهند قوة نووية تمتلك رادعا نوويا موثوقا به. فإذا اضفنا الى ذلك انها تمتلك صواريخ بالستية طويلة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية, وانها صنعت منذ اعوام غواصات نووية, فإن الهند تكون قد دخلت عالم القوى النووية على نحو كامل. فلماذا اتخذت القيادة الهندية هذا القرار رغم علمها بردود الفعل السلبية التي يمكن ان تحدث؟ هناك ثلاثة اسباب يمكن ان تفسر لنا قرار الهند القيام بهذه التفجيرات: السبب الاول: داخلي, يتعلق برغبة قيادة حزب بهارتيا جاناتا في توسيع قاعدة التأييد السياسي للحزب في الداخل, لادراكها ما لهذا الموضوع من تأثير ايجابي على الشارع الهندي, وبما يمكن الحزب من زيادة نفوذه السياسي والحصول على قدر أكبر من مقاعد البرلمان في أية انتخابات مقبلة, وتنفيذ برنامجه السياسي, ذلك ان هذا الحزب, اليميني المتشدد, وصل الى الحكم في فبراير 1998, في اطار ائتلاف مع عدد من الاحزاب الاخرى, واضطرته ظروف هذا الائتلاف الى التنازل عن قدر من مطالبه وافكاره. وبالفعل, فان الاعلان عن التفجيرات النووية أثار موجة عارمة من الشعور بالفخار القوي لدى الرأي العام الهندي, وفي استطلاع للرأي تم اجراؤه بلغت نسبة التأييد لهذا القرار 91%. والسبب الثاني: اقليمي, يتصل بالتوازن الاستراتيجي بين الهند من ناحية وكل من الصين وباكستان من ناحية اخرى, فالصين التي دخلت الهند في حرب معها بشأن الحدود, عضو دائم بمجلس الامن, وهي قوة نووية, ويتصاعد وزنها الاقتصادي مع نجاحها في تحقيق معدل نمو سنوي بلغ متوسطه 10% سنويا في السنوات العشر الاخيرة, هذا فضلا عن تدفق الاستثمارات الاجنبية, الى الحد الذي جعل الصين اكبر متلق لهذه الاستثمارات, وخاصة بعد عودة هونج كونج الى الوطن الصيني. اما بالنسبة لباكستان, التي استمر خلافها المزمن مع الهند حول قضية كشمير لنصف قرن, فقد ارادت الهند ان تحسم تفوقها العسكري عليها بشكل نهائي. فإذا اخذنا في الاعتبار ان الهند اكثر عددا, واكبر اقتصادا, واكثر تقدما من الناحية التكنولوجية, فان تفجيرها النووي يكون بمثابة (المرجح) الاخير في حسم هذا التوازن لصالحها. اما السبب الثالث: فهو دولي, وهو يتصل برغبة الهند في الاعتراف بها كقوة كبرى> وذلك بالنظر الى عدد سكانها, وقدرتها العسكرية, وتقدمها في عدد من المجالات التكنولوجية الحديثة كصناعة البرمجيات, وبحوث الفضاء> والالكترونيات, والتكنولوجيا الحيوية, كما ارادت الهند ان تسجل احقيتها في مقعد دائم بمجلس الامن, ممثلة لدول العالم الثالث, اذا ما تم الاتفاق على توسيع عضوية المجلس. ولكن هذا الاعتبار الدولي هو (مربط الفرس) وهو الذي ربما اساءت القيادة الهندية تقدير تداعياته, وقد يؤدي الى اضعاف حيثيات الهند في شأن امكانية اكتسابها العضوية الدائمة في مجلس الامن, اذ ان الدول الكبرى سوف تحرص على الا تعطي الاشارة الخاطئة وكأنها ــ بقبولها الهند ــ تمنح العضوية (مكافأة) للدولة التي انتهكت المناخ الدولي الذي يدعو الى عدم القيام بتجارب نووية, وتبدو الدول الكبرى بهذا, وكأنها تشجع دولا اخرى على السير في هذا الطريق. اضف الى ذلك, ان اعلان الهند نفسها كقوة نووية يعقد مسألة انضمامها الى معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية, لان هذه المعاهدة حددت ــ على سبيل الحصر ــ الدول النووية, وهي تلك التي كانت مالكة لهذا السلاح قبل عام 1970. ولاتوجد آلية في هذه الاتفاقية, بشكلها الراهن, تسمح بعضوية دولة تملك السلاح النووي, مما يجعل امكانية انضمام الهند الى هذه الاتفاقية امرا مستحيلا, وليس واردا تعديل بنود هذه الاتفاقية لانها اصبحت اتفاقية ابدية, سارية الى اجل غير مسمى, وفقا لمؤتمر نيويورك في عام 1996. في مواجهة ذلك, فان الهند تتهم الدول النووية الكبرى بــ (التدليس) و(الغبن) فهذه الدول لم تنفذ المادة الخامسة من الاتفاقية التي وقعت منذ اكثر من ربع قرن, والتي تقضي بأن تقوم الدول النووية تدريجيا بالتخلص من مخزونها النووي. لذلك, فقد اقترح البعض عدة اجراءات يتم بها تنظيم العلاقة بين الهند النووية والنظام الدولي الخاص بالسلاح النووي, منها مثلا: ان تتعهد الهند بعدم تصدير التكنولوجيا النووية للدول الاخرى, والا تساعد اطرافا مغايرة على امتلاك السلاح النووي, وان تتعهد بعدم القيام بتفجيرات نووية جديدة, وان تدخل في اتفاقية مع الوكالة الدولية للطاقة النووية تخضع بمقتضاها مفاعلاتها النووية للتفتيش. ومن الواضح ان التفجيرات الهندية توضح اخفاق الجهود الدولية لمنع الانتشار النووي, واتباع الدول الكبرى لسياسات (انتقائية) في هذا المجال, فهذه الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة, التي ظلت تتبع كل صفقة, وكل نشاط ينتسب من بعيد للمجال النووي, في عديد من دول العالم الثالث, قد تغاضت عن النشاط النووي لاسرائيل, كما تغاضت عندما قامت اسرائيل بتفجير نووي بالتعاون مع حكومة جنوب افريقيا في ظل النظام العنصري, كما انها لم تمارس اي ضغط على اسرائيل لكي تنضم الى معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية. ومنذ الاعلان عن هذه التفجيرات, تتابعت ردود الفعل الدولية, فوصفها الرئيس الامريكي بأنها (خطأ مروع) مطالبا باكستان بعدم القيام بعمل مماثل, واعلنت واشنطن عن تطبيق عقوبات على الهند. كما فرضت اليابان والمانيا عقوبات مماثلة. ووصف وزير الخارجية الالماني هذه التفجيرات بأنها بمثابة (صفعة) على وجه الدول الموقعه على معاهدة حظر التجارب النووية, وهناك دول اخرى عبرت عن اسفها وقلقها ازاء ماحدث دون ان تصل الى حد فرض العقوبات. فالصين ادانت بشدة هذه التجارب, وقالت انها تحترم حق باكستان السيادي في هذا الشأن, وهو ما يعني انها تتفهم حق باكستان في القيام بعمل مماثل, كما استدعت بعض الدول سفراءها كتعبير عن احتجاجها, مثل كندا واستراليا ونيوزيلاندا. ولكن, يبقى أهم رد فعل في طور التبلور, وهو الموقف الباكستاني, باعتبار ان هذه الدولة قد تهدد أمنها بشكل مباشر مما حدث. فمن ناحية, تتعرض القيادة الباكستانية لضغوط هائلة, من جانب الرأي العام الداخلي لاجراء تفجيرات نووية, خاصة وانها تمتلك القدرة التقنية على ذلك, وهو ما يؤكده تصريح الدكتور عبد القادر خان, ابرز علماء باكستان النوويين, لجريدة (الحياة) في 19 مايو, والذي قال فيه: (يبقى الامر بيد الحكومة. انا مستعد لتنفيذ اوامر الحكومة في اية لحظة من اجل اجراء تجربة نووية, وسيرى العالم وقتها انها مسألة يوم أو يومين, وربما اسرع مما يتوقع كثيرون) . وهو ما اكده رئيس الوزراء نواز شريف, عندما قال ان بلاده قادرة على اجراء تجربتها النووية في 12 أو 24 ساعة. ومن ناحية ثانية, فان باكستان تتعرض لضغوط امريكية وغربية لكي لا تقوم بمثل هذه الخطوة, التي ستكون بمثابة اعلان لانهيار نظام حظر انتشار الاسلحة النووية في العالم, والتي ستؤدي الى بداية سباق تسلح نووي بينها وبين الهند. وزاد الامر تعقيدا, ما اعلنه المستشار الالماني كول, في المؤتمر الصحفي الذي اعقب قمة برمنجهام, عندما قال ان لديه معلومات جديدة عن امتلاك باكستان لاسلحة نووية وانها قامت بتفجيرات سابقة, وهو ما نفته الحكومة الباكستانية, ونفاه الرئيس الامريكي كلينتون قائلا( ان القيام بهذه الخطوة مازال قيد البحث في داخل باكستان) . الى ماذا يقودنا هذا كله؟ يقودنا اولا, الى ان الجهود الدولية, التي قادتها الدول الغربية, وعلى رأسها الولايات المتحدة بشأن عدم انتشار الاسلحة النووية قد اصيبت باخفاق مروع, وان هذه الجهود لم تردع الهند عن القيام بتفجيراتها النووية ويقودنا ثانيا, الى البحث عن اثر ذلك على التوازن الاستراتيجي في منقطة الخليج, بحكم القرب الجغرافي وبحكم العلاقات التاريخية طوال فترة الوجود البريطاني الطويل, والذي كانت تحكم فيه بريطانيا العظمى المنطقة من خلال (حكومة الهند البريطانية) كما يقودنا ثالثا, الى التفكير في احتمالات ردود الفعل الايرانية, اذ ربما كانت ايران الدولة الوحيدة التي اعلنت تأييدها صراحة للقرار الهندي. ويقودنا رابعا, الى موقف اسرائيل التي تمتلك القنبلة النووية, وما تم الكشف عنه مؤخرا في كتاب, لباحث اسرائىلي هو اسرائيل شاحاك, بعنوان (الاسرار العلنية: سياسات اسرائىل النووية والخارجية) , والذي ذكر فيه ان اسرائىل تمتلك ما بين 60 ـ 80 رأسا نووياً موجهة الى مختلف العواصم العربية والى باكستان. وكل هذا له تأثيرات على أمن منطقة الخليج وعلى أمن المنطقة العربية عموما. وهي تأثيرات خطيرة ومثيرة للقلق.

Email