مع الناس ـ بقلم: عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجريمة في فلسطين واضحة المعالم ومكتملة الأركان, لا نحتاج معها إلى أن يختلف اللصوص لكي تظهر الجريمة, ومع ذلك فإن هؤلاء اللصوص يصرون على الاختلاف وعلى فضح بعضهم البعض, رب بعض العرب يدرك ما يجري, ويعرف ما يدور سراً, مما يجعلنا نشكر اللصوص على إصرارهم على كشف جريمتهم للملأ وإعلانها على الهواء مباشرة . فبعد الخلاف الأمريكي الاسرائيلي السافر على 13% و15% وما بينهما من أخذ ورد, وتبادل اتهامات وتحذيرات وتهديدات, جاء دور الأمريكان أنفسهم في الادارة الأمريكية ومجلس الكونجرس معاً, ممن نحسبهم إسرائيليين أكثر من كونهم مواطني أمريكا, وممن يؤازرون إسرائيل على باطل, وعلى طول الخط وعرضه, وممن لاشغل لهم في الدنيا (وربما في الآخرة) إلا إرضاء اليهود والصهاينة وإسرائيل بما يفوق حتى اهتمامهم بقضايا الأمريكيين الداخلية وبقضايا الناس الذين انتخبوهم, جاء دور هؤلاء لكي يختلفوا أيضا فيمن يحب إسرائيل أكثر ويخدمها أكثر. فنيوت جينجريتش رئيس مجلس النواب الأمريكي الذي يزور اسرائيل حاليا ويعلن أن القدس عاصمتها الأبدية ويتبارى ويتبارز مع أكثر الاسرائيليين تطرفا في إظهار الدعم لاسرائيل والولاء لها, وجد أن مطالبة مادلين أولبرايت وزيرة خارجية بلاده لاسرائيل بقبول مبادرة الـ 13% خيانة لاسرائيل ولقضيتها العادلة, فوصفها بأنها عميلة للفلسطينيين, ما جعل الخارجية الأمريكية ترد على جينجريتش ووصف تصريحاته بأنها شائنة واستفزازية وأن أولبرايت عميلة للشعب الأمريكي وحده. طبعا لو كانت أولبرايت كما يزعم جينجريتش عميلة للفلسطينيين ولو بنسبة 1% لأمكن لهؤلاء استرجاع 99% من أراضيهم لا مساومتهم على 13% فقط, ولما استطاعت اسرائيل أن تتمرد وتتغطرس كل هذه الغطرسة, وما دام جينجريتش يرى أولبرايت بعين طبعه وهي التي تنفذ سياسة بلاده الخارجية لا سياسة إسرائيل حسبما هو مفترض, فإن النتيجة التي يصل إليها أي مراقب متوسط الذكاء هو أن جينجريتش نفسه عميل من دون أن نذكر لمن, لأن المريب يكاد يقول خذوني. ولا نعرف إذا كان جينجريتش يعلم حسبما تسرب مؤخرا من معلومات أن نسبة الـ 13% التي يتهم أولبرايت بها هي في الأساس اقتراح إسرائيلي ومن نتانياهو نفسه, تقوم بتسويقها أولبرايت بالنيابة بين الفلسطينيين, فلما قبل بها هؤلاء رفضها نتانياهو الذي عاد كما تقول المعلومات نفسها باقتراح 15% شاملة لايعود بعدها أي حديث عن أي انسحاب في المحادثات النهائية مع الفلسطينيين, قامت بتسويقها وعرضها مرة أخرى واشنطن ليرفضها بدوره نتانياهو أملاً في الحصول على تنازلات فلسطينية أكثر, ما يجعل من أولبرايت في الحالة هذه عميلة للاسرائيليين لأنها تنفذ صفقاتهم ومخططاتهم بعلم أو من دون علم, والأرجح بعلم وتصميم وعن سابق إصرار وترصد. وما دامت العمالة لاسرائيل تفوح من أركان البيت الأبيض كما من مجلس النواب الأمريكي, فلا فضل لأحدهما على الآخر فيها, فهما يتسابقان معاً لتقديم أفضل خدماتهما الممكنة, فإن في خلاف الطرفين على سباق العمالة هذا وإدعاء خدمة إسرائيل أكثر, ما يقدم درساً للعرب الذين يعتقدون أن مفتاح الحل بيد واشنطن, فيرحبون بما تقترحه, حتى وهذا من نوع السم القاتل, لأنه سم إسرائيلي بيد أمريكية وعلى طبق من ذهب. ونختم بما بدأنا به, أي باللصوص يختلفون فتنكشف جريمتهم, فهذه في فلسطين أمس واليوم وغدا, من الوضوح بما يكفي العرب إلى عدم الثقة في أمريكا أو حلفائها الغربيين الذين يتسابق كل منهم بطريقته لإرضاء إسرائيل وتدعيم كيانها ووجودها, ما يجعل لها عملاء ظاهرين وسريين معا, لولا أن العرب اليوم هانوا فتداعت عليهم الأمم فصاروا في وضع من يرى عدوا ما من صداقته بد.

Email