الصحافة النسائية وتحديات القرن الحادي والعشرين: بقلم - الدكتور محمد قيراط

ت + ت - الحجم الطبيعي

تناولنا في مقال سابق واقع الصحافة النسائية في الوطن العربي واغترابها وابتعادها تماما عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الجنس اللطيف من المحيط الى الخليج. وخلصنا الى القول ان المرأة العربية بحاجة الى صحافة ملتزمة تشركها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. الداء الاساسي للصحافة العربية هو القيم الاعلامية الغربية المستوردة والتي فرضت نفسها على اجندة مختلف المطبوعات العربية الموجهة للمرأة. هذه القيم مع الاسف الشديد بعيدة كل البعد عن واقع المرأة العربية وهمومها وآفاقها وطموحاتها واحلامها, وتكاد تتصفح في الكثير من الاحيان مطبوعات عربية موجهة للمرأة العربية وقد يتبادر لذهنك أنك تقرأ مجلة غربية مترجمة الى العربية او مجلة عربية موجهة للمرأة في الغرب. في الاشكال المطروح هو لماذا هذا التهميش وهذا التغريب وهذا الانجراف الثقافي رغم ان المشرف على المطبوعات النسائية هم صحافيات, نساء يكتبن عن النساء وعن مشاكلهن وهمومهن. لا يمكننا الكلام عن الصحافة النسائية في الوطن العربي في ايامنا هذه دون الكلام عن الصحافة وهمومها ومشاكلها بصفة عامة. فالصحافة العربية ورغم تباين همومها ومشاكلها من بلد عربي الى اخر ورغم الفروق الموجودة في هامش الحرية من دولة الى اخرى, الا ان القاسم المشترك بين كل الدول العربية هو عدد من المشاكل والعراقيل والمضايقات المستمرة التي تعاني منها المؤسسة الاعلامية في الوطن العربي, حيث ان السلطة ما زالت تنظر الى المؤسسة الاعلامية بعين من الحذر والابوية. ولهذا فان الصحافة ـ والمقصود بالصحافة هنا مختلف الوسائل الاعلامية سواء كانت اذاعة ام تلفزيون ام وسائل مطبوعة ـ في الوطن العربي ما زالت لم ترق الى مستوى الفاعل الذي يغير ويصحح وينتقد ويؤثر في القرار السياسي الا نادرا. من جهة اخرى لا نستطيع الكلام عن الصحافة النسائية في الوطن العربي بدون ان ننظر الى رؤية ونظرة المجتمع للمرأة واذا كانت المرأة تعاني من احترام المجتمع لها وفي بعض الاحيان تعاني حتى من عدم احترام زوجها او عائلتها لها فكيف يكون الوضع بالنسبة لوسائل الاعلام؟ فالمجتمع الذي لا يعترف بحقوق المرأة ودورها في المجتمع واهميتها في النظام الاجتماعي فانه لا يستطيع ان يتقبل صحافة نسائية قوية, فاعلة ومؤثرة في الرأي العام. ما هي يا ترى صورة المرأة في محتوى الصحافة النسائية؟ وكيف قدمت المرأة الصحافية اختها وزميلتها وامها وقارئتها الى جمهور القراء؟ هذا سؤال يجب ان نقف عنده حتى نتعرف على الاهداف والرسالة التي تحملها هذه المطبوعات بمختلف انواعها واشكالها, وحتى نعرف هل صحافة المرأة أنصفت المرأة واعطتها حقها في الاعلام والتعبير عن رأيها وتقديم مطالبها ومشاكلها ومطامحها للرأي العام؟ هل استطاعت المرأة الصحافية ان تجعل من قنوات الاعلام النسائية منبرا للمرأة في مختلف مشارف الحياة ومختلف الشرائح الاجتماعية, ام ان المرأة الصحافية ساهمت في تهميش المرأة وفي تقديم صور نمطية عنها للرأي العام مخالفة تماما واقع المرأة العربية وهمومها. صور المرأة في الصحافة النسائية: تجدر الاشارة في البداية ان المطبوعات النسائية توجد في معظمها في العاصمة وفي المراكز الحضرية الكبرى وهذا يعني ان الكلام عن صحافة جهوية او اقليمية او صحافة المحافظة يعتبر امرا مستحيلا, وهذا يعني ان الصحافة النسائية هي صحافة صفوة او صحافة نخبة تركز على المرأة المثقفة والتي تعيش في المدينة بمشاكل وهموم المدينة, ان هذه الصحافة اذن تقصي نسبة كبيرة من النساء اللواتي لا يعشن بالضرورة في المدن الكبرى وفي العاصمة ولا ينتسبن للنخبة. الملاحظة الثانية تكمن في ان الصور النمطية التي تقدم عن المرأة في المجتمعات الغربية نجدها نفسها في وسائل اعلامنا حيث التركيز على جمال المرأة ورشاقتها وشكلها اكثر من اي شيء اخر, وخير دليل على هذه الصور النمطية هو استغلال المرأة في مختلف الاعلانات واستعمالها كسلعة. اما عن دور واهمية المرأة في المجتمع فنجد التركيز على المطبخ والازياء والاثاث والديكور ثم اخبار النجوم والمطربين وكذلك الجرائم والفضائح. فالصورة المقدمة عن المرأة اذن هي صورة خاطئة مزيفة منمطة لا تعكس واقع المرأة وصورتها الحقيقية للمجتمع. هذا يعني ان هناك نسبة قليلة جدا من الصحافة النسائية التي تحاول ان تغوص في اعماق المجتمع وتحاول ان تكشف عن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المرأة المزارعة والمرأة الريفية والمرأة العاملة والمرأة المطلقة.. الخ. فاهتمامات المرأة باتفاق الغالبية العظمى من الجنس اللطيف تتحدد اساسا في مشاكلها الحقيقية والهموم اليومية التي تعاني منها, كما تهتم المرأة كذلك او تتمنى ان تقدمها صحافتها النسائية في صورة المرأة الايجابية, الفاعلة, المسؤولة والمتواجدة في مختلف مجالات الحياة. الاخطر من كل ما تقدم هو ان هذه الصحافة السطحية, التبسيطية, التهميشية قد استطاعت ان تغرس انماطا استهلاكية معينة عند القراء واستطاعت ان تغرس في المرأة قيما خبرية هشة سطحية لا علاقة لها بواقع المرأة وهمومها ولذلك نجد نسبة كبيرة من قراء المطبوعات النسائية راضية عما يقدم لها وتستهلك ما يوجه لها بكل افتخار واعتزاز, وهذا امر خطير حيث ان الصحافية القائمة بعملية المرسل راضية تماما عما تقدمه لقارئتها رغم ان ما يقدم هو بعيد كل البعد عن واقع المرأة العربية وهكذا وبدلا من ان تكون لدينا صحافة نسائية ملتزمة تعمل على تقليص الفجوة بين الرجل والمرأة وتعمل على اشراك المرأة في مختلف مجالات الحياة, نجد ان هذه الصحافة النسائية تعمل على تغريب المرأة وتهميشها وتفريغها من قيمتها الحقيقية رغم ان ديننا الحنيف الدين الاسلامي قد كرم المرأة واعطاها كامل حقوقها ورغم ان المرأة العربية وعبر العصور ومنذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الى يومنا قد اثبتت جدارتها وقوتها وشاركت جنبا الى جنب مع الرجل في ميدان الحرب وفي المزرعة وفي المصنع وفي الجامعة وفي المؤسسات السياسية وفي مختلف مجالات الحياة. لماذا هذا التهميش اذن؟ وهل فعلا تستحق المرأة العربية ان يقتصر اعلامها على الماكياج والزينة والمودة والمطبخ والرشاقة واخبار الطرب والغناء والفضائح والجرائم. تحديات المستقبل: كانت المرأة في الماضي تطمح ان تكون لها وسيلة او قناة تستطيع من خلالها الوصول الى الرأي العام والتواصل مع المجتمع لطرح همومها ومشاكلها واسماع رأيها للاخرين, لكن ومع الاسف الشديد عندما توفرت لها هذه القناة او القنوات لم تعرف المرأة كيف تستغلها كما ينبغي وراحت تركز على القشور دون الغوص في امهات المشاكل والقضايا التي تهمها بالدرجة الاولى. ومن هنا يتحتم على القيادات الصحافية النسائية في الوطن العربي ونحن مقبلون على القرن الحادي والعشرين ان تضع قطار الصحافة النسائية على السكة وفي الاتجاه السليم وتحاول ان تضع يدها على صحافة مسؤولة, فاعلة, قادرة على ان تكون منبرا حقيقيا لمشاكل المرأة وهمومها وطموحاتها, صحافة تنهض بالمرأة الى مستوى يعكس وزنها وقيمتها الحقيقية في المجتمع, صحافة تعمل على صنع الرأي العام واشراك المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها, صحافة تعكس بكل صدق وموضوعية انجازات المرأة ومساهماتها المختلفة في مختلف ميادين الحياة وليس في المطبخ وفي البيت فقط. في عصر الانترنت والقنوات الفضائية والتلفزيون الكابلي والبريد الالكتروني وغير ذلك من تكنولوجيا الاتصال يتحتم على المرأة وعلى الصحافة النسائية ان تخرج من روتين الازياء والموضة واخبار النجوم والفضائح وان تلتزم منهجية واستراتيجية تؤهلها لان تكون اكثر جدية واكثر فعالية حيث تستطيع المرأة من خلال الصحافة الملتزمة, المسؤولة ان تلعب دورها كما ينبغي وان تكون لها كلمتها في الرأي العام وفي المشاركة السياسية وفي اتخاذ القرار. فالصحافة الفاعلة هي الصحافة التي تغير والتي تنتقد والتي تصحح والتي تؤثر في مجريات الامور. في الاخير وانصافا لعمل ومجهودات جنود الخفاء ـ زميلاتنا الصحافيات في مختلف المجالات النسائية والقنوات المختلفة للصحافة النسائية ـ نقول ان وقع الصحافة النسائية في الوطن العربي ليس كله مظلم وسلبي وليس كله ازياء وتجميل بل هناك مجهودات تبذل وهناك اعمال تقدم, لكن نقول ان المرأة العربية من الخليج الى المحيط تستحق اكثر بكثير مما قدمته لها هذه الصحافة. فلنكن جميعا عند حسن ظن هذه المرأة التي لم تتهاون يوما في تقديم ماعليها سواء لعائلتها او لمجتمعها او لوطنها. حظوظ التغيير والتقدم الى الامام والتخلص من رواسب الحرب مع العراق والصراع مع امريكا وسياسة تصدير الثورة الى الخارج تبقى مترسبة في اجندة المؤسسة التقليدية ولا يستطيع لا السيد غلام حسين كرباستشي عمدة طهران ولا الرئيس محمد خاتمي زحزحتها بتلك السهولة التي يراها الكثير من المتفائلين. هل سيتراجع محمد خاتمي عن الطريق الذي رسمه ويواصل مسيرته الاصلاحية ام انه سيرضخ للامر الواقع ولقوة المؤسسة التقليدية التي ستبذل قصارى جهودها لاحتوائه وتقويض نفوذه لتحقيق مصالحها اللامتناهية, ام ان الرأي العام الايراني سيكون الفاصل بين الفريقين وسيرجح لا محال كفة الرئيس المنتخب والتيار الاصلاحي. وهذا الامر غير مستبعد حيث ان الافراج عن عمدة طهران لم يأت هكذا وبالبساطة التي يراها البعض. قسم الاتصال الجماهيري جامعة الامارات*

Email