الخط الساخن: بقلم - د. خليفة علي السويدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما وافق مجلس ادارة جمعية رعاية و توعية الأحداث على اقتراح مقدم من اللجنة التربوية بانشاء مكتب خاص للرد على الجمهور الكريم ,بهدف مساعدة أصحاب الحاجة إلى الارشاد والتوجيه في فنون التعامل مع المشاكل الخاصة بالجيل القادم. وبالذات المشاكل المرتبطة بالجوانب التربوية والنفسية, لم يكن في تصور اللجنة التربوية مدى الحاجة الماسة إلى مثل هذه الخدمات في مجتمع الامارات وهو حديث النشأة والذي مازالت الأسرة تقوم بدورها الأزلي في التربية والتوجيه ــ ولكن وبعد مرور قرابة 100 يوم على بدء خدمات الخط الساخن جاءت الأرقام لتقول أمرا آخر, هذا ما دفعني إلى كتابة هذا المقال من الزاوية التربوية . الأرقام الناطقة: لا يستغني البحث التربوي الحديث عن الاحصاء فهو مصدرنا لوضع العديد من المؤشرات على مدى نجاح أو فشل العديد من الخدمات التربوية المقدمة, والاحصاءات جاءت مفاجئة لنا ودلت على مدى حاجة مجتمعنا إلى مثل خدمات الخط الساخن, فقد قدم برنامج الخط الساخن خلال مائة يوم ما يجاوز 230 خدمة توجيهية وتربوية: مثل أهل الامارات غالبية العينة حيث بلغت نسبتهم 68% , وجاء بعدهم اخواننا من فلسطين بنسبة 15% وتساوى السوريون والمصريون حيث بلغت نسبتهم 5%, وجاءت بعدهم الجنسية السودانية 3.8%, واللبنانية 3%. وجغرافيا اتسعت رقعة خدمات الخط الساخن لتشمل مختلف الامارات حيث وردت للخط اتصالات من دبي بما يعادل 37%, وتلتها الشارقة 25%, فأبوظبي 18%, ثم رأس الخيمة 11%, فعجمان 7%, والعين 4%. ومع تنوع الرقعة الجغرافية التي شملتها خدمات الخط الساخن اختلفت طبيعة المشاكل التي ساهم الخط في العمل على حلها حيث بينت لنا الاحصاءات هذا التباين كالآتي: نسبة مشاكل التأخر الدراسية مثلت (18.6%) وهي مرتبطة بالتحصيل الدراسي وتنظيم الوقت وكيفية المذاكرة والتفوق, والمشاكل الأسرية (اجتماعية) نسبتها (17.7%) وهي مشاكل مرتبطة بالزواج والطلاق والهجر والهروب من المنزل الخ.. أما المشكلات التربوية كانت (12.5%) وهي أسئلة تدور حول الأسلوب الأمثل لحل المشكلات التربوية والتعامل مع الأنباء, كما أن الحالات النفسية والدراسية ــ السلوكية مثلت (8.7%), ومنها حلات نفسية مختلفة ــ اكتئاب ــ قلق ــ خوف... الخ. ومشكلات سلوكية للطلاب ( عنف ــ تحطيم أثاث المدرسة ... الخ. والمشكلات العاطفية مثلت (4.8%) منها الحب والتعلق العاطفي ــ وبنسبة مقربة منها (4.3%) مشكلات اشتباه تعاطي المخدرات/ شم غراء ...الخ. مشكلات اجتماعية (سلوكية) والانحرافات الجنسية المتنوعة في المجتمع تؤثر على الأسرة (3.5%), كما أن المشكلات الصحية كانت نسبتها (3%) وتتضمن حالات التبول اللا ارادي والاعاقة الجسدية / صعوبة النطق...الخ. والمشكلات الاجتماعية (سلوكية) نسبتها (2.2%) ومنها مشاجرات في الحي ــ سرقات الخ... سؤال واجابة: والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي العوامل التي أوصلت مجتمع الامارات إلى مثل هذه الحالة؟ وبالذات إذا كان في الحسبان أن هذه الأرقام لا تمثل سوى العناصر التي كانت عندهم الدافعية للتقدم والسؤال فغيرهم الكثير الذي مازال حائرا ومترددا للسعي نحو الحصول على حل مناسب للمشكلة التي يعاني منها , ولكي لا أترك القارئ الكريم حائرا في الاجابة على هذا التساؤل , كانت مني هذه المحاولة لمعرفة بعض العوامل الأساسية التي تؤدي إلى ظهور مثل هذه الأرقام ومن تلك الأسباب ما يلي: 1 ـ حرق المراحل: قال علامة الاجتماع ابن خلدون أن المجتمعات تمر بمراحل نمو تشابه المراحل التي يمر بها الانسان من طفولته إلى شبابه, فمراهقة فرشد ثم شيخوخة وموت, ولكن مجتمع الامارات قفز في هذه المراحل وتجاوز عن بعضها, فلو قارنا دولة الامارات اليوم بما كان عليه الحال قبل 25 سنة لعلمنا ماذا نعني بكلمة (حرق المراحل) فهذا التطور السريع الذي يشهد به الجميع ويتباهى به الداني والقاصي وبالذات في الجانب المادي, وجعل المقيم على أرض هذا الوطن العزيز لا يدرك أحيانا أن التطور المادي بحاجة إلى تطور معنوي في الانسان نفسه ومن المعروف تربويا أن تطوير الانسان لا نستطيع أن نتعامل معه بحرق المراحل بل لابد من التدرج في التربية, هذه العملية تجعل الانسان في بعض الأوقات غير قادر على التكيف الاجتماعي مع التطور المادي وبالتالي تبرز على الساحة بعض الأمراض الاجتماعية في صورة مشاكل بحاجة إلى العلاج والخدمات الاستشارية التربوية هي احدى الطرق الناجحة في ذلك الأمر . 2 ــ الانفتاح : على عكس العديد من الدول العربية خاضت دولة الامارات تجربتها في النمو والارتقاء باتباع سياسة الانفتاح على الآخرين ماديا بتسهيل السفر للخارج والداخل مما أدى إلى تواصل واحتكاك أهل الامارات بالاخرين مع وجود التباين في القيم والأخلاق. ومن لم يتواصل مع الآخرين ماديا , كان هناك التواصل المعنوي خلال السماء المفتوحة لأجهزة الاعلام المسموعة والمرئية, وكذلك وجود الكم الهائل من المجلات والدوريات والكتب, إن هذا التواصل الذي لا شك له ايجابياته وسلبياته؛ وبالذات إذا لم يهيئ انسان الامارات إلى الانفتاح خلال أجهزة التربية المختلفة بما يجعل هذا الانسان قادرا على أخذ التجارب الناجحة من عند الآخرين وفي نفس الوقت انتقاد الجوانب غير المتناسبة مع قيم ومبادئ مجتمع الامارات. 3 ـ التربية للنجاح : نجحت دولة الامارات في نشر التعليم حتى وصلت نسبة الالتحاق بالمدارس ما يقارب 100% وكذلك وجدت برامج مختلفة لمحو الأمية في الدولة, كما انتشرت مؤسسات التعليم العالي في الدولة بصورة لا تقارن ببقية الدول العربية, ولكن هل نجح الجهاز التربوي في اعداد الفرد الناجح في الحياة كما نجح في المواد الدراسية؟ أم أن رجال التربية يركزون على نجاح الانسان في المواد الدراسية معتقدين أن هذا النجاح يرشح الانسان إلى حياة اجتماعية ناجحة؟ ومع الجهاز التربوي وجدت العديد من المؤسسات التي نجحت في تعاملها إلى حد ما مع تطور مجتمع الامارات, فهناك وزارات متخصصة للرعاية الاجتماعية تقدم خدمات مادية وعيادات ومستشفيات لتقديم الخدمات الصحية, وجهاز أمني متطور للحفاظ على الأمن والأمان, وهذه ميزة في مجتمع الامارات فبالرغم من الانفتاح والتطور في هذا المجتمع إلا أننا ــ ولله الحمد ــ نعيش في مجتمع يغلب عليه الأمن والأمان وبالذات إذا ما قارنا واقعنا بالآخرين. ولكن هل رعاية الجانب المادي هو المسؤولية الوحيدة لهذه الجهات؟ والجواب ولاشك هو بالنفي بل ان بعض هذه المؤسسات لهاد دور مشكور في الرعاية التربوية لانسان الامارات ولكن هذه الرعاية بحاجة إلى شيء من التنسيق و هذا الذي نختم به المقال. مركز الأسرة: الأسرة ولا شك هو نواة التربية والمجتمع , فهي الحلقة الأولى في جسمه الكبير والأسرة هي المصدر الأساسي لنقل القيم والمبادئ من جيل إلى آخر, وفي نفس الوقت هي مركز التوجيه والعلاج النفسي والتربوي. وهذه الأسرة كما أنها بحاجة إلى الرعاية المادية من قبل الدولة والتي تتمثل في خدمات الاسكان والزواج والصحة .. هي كذلك بحاجة إلى توجيه في طرائق التعامل مع المشاكل الأسرية إن حصلت ــ ولا تكاد تخلو أسرة من ذلك ــ وفي نفس الوقت الأسرة بحاجة إلى دورات متعددة في فنون التعامل مع الأبناء وبالذات في مرحلة المراهقة. وبإمكاننا توفير هذه الخدمات عبر مركز متخصص لتوجيه الأسرة , يتكون هذا المركز من متخصص في الخدمات النفس تربوية, وكذلك طبيب وعالم في الأمور الدينية, وكذلك لأن معظم المشاكل التي واجهناها في الخط الساخن بحاجة إلى مزيج من الآراء الطبية والنفسية والشرعية واحيانا القانونية وهذا هو شأن المشاكل العصرية فهي متعددة الأصول والأسباب. وبإمكاننا تحديد موقع هذا المركز في العيادات الطبية المتواجدة في مختلف الأحياء السكنية في الدولة, ويكون دور هذا المركز رعاية الأسرة صحيا وتربويا ومساعدتها في تجاوز مشاكلها الطبية والنفسية بتوفير الدورات والارشاد المناسب, وكذلك بتكوين علاقات دائمة مع أهل الحي السكني لا تجعلهم يترددون في طلب النصح والتوجيه فإذا مرض أحدنا توجه إلى الطبيب وكذلك الحال إذا تعرض الانسان إلى مشكلة تربوية ونفسية يكون لديه المركز الذي يتوجه إليه طالبا المساعدة . ان تجربتنا الناجحة في جمعية رعاية وتوجيه الأحداث في دولة الامارات تدفعنا إلى القول بأهمية افتتاح مثل هذا المركز في دولة الامارات حتى يتماشى التطور المادي في دولة الامارات مع التطور المعنوي وعندها يعيش الناس في مجتمع متكامل يعين بعضهم بعضا على النجاح وليس الفشل.

Email