أبجديات: بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنا أمة فصرنا أمما, وكانت لنا قضية نسينا اساسها لكثرة ما تفرع عنها من قضايا ومحن وتحديات, كانت لنا لغة واحدة فصرنا نجاهر بمعصية التبرؤ منها ملء السمع والبصر. واليوم لم نعد نستطيع القول بأن نقطة ضعفنا كذا, لأن نقاط ضعفنا لا تعد ولا تحصى, ولذلك فنحن لا نعرف من أين نبدأ! مأساة ان نتحول أمام العالم الى أمة بلا طعم ولا لون ولا هوية, وان نصبح مجرد ساحات آثار وتماثيل وسياحة ورياضة وفن هابط. هنا يحق لنا ان نتساءل, ونحن في مواجهة يومية مع تحديات مصيرية كوحدة الأمة, وحقيقة الهوية وعوامل التجمع, هل هو قدرنا ام المشكلة الاخطر التي ابتلينا بها, اهو حظ ام سوء طالع ام أنه أكبر من ذلك بكثير: اننا كنا أمة فصرنا أمماً؟ الشاعر اللبناني (طلال حيدر) يطل من قناة فضائية عربية ليدلي بهذا التصريح الخطير: ان استخدام العامية ليس دعوة شعوبية على الاطلاق وليس حربا على الفصحى, انه تجسير للهوة بين اللغة المحكية واللغة الأم المكتوبة وهي (اي العامية) اثراء وارتقاء بلغة الواقع خاصة حين تستخدم كلغة شعرية!!! وفي المغرب العربي حيث التحدي أخطر والقضية أشد تعقيداً بين جهود التعريب وانصار الفرنسة, هناك تطل نزعة شعوبية في أسوأ صورها متجسدة في الدعوة الشرسة الى احياء لغة البربر الاصلية: الامازيغية! وعلى لسان السيد (حسن اد بلقاسم) رئيس جمعية تمينوت الامازيغية في المغرب تنطلق دعوة مفادها (ان حركة التعريب التي تتم في دول المغرب حركة فاشستية! لا تعترف بالآخر ولا بأية لغة اخرى سوى الفصحى وهذا ــ من وجهة نظره ــ بعيد عن روح الديمقراطية)! لماذا عندما نجدف بالبحث عن الديمقراطية, لا نجدها الا في هلاكنا؟! وعليه فالمعارك طاحنة هناك بين انصار الفصحى باعتبارها هوية لو لم تكن لكان علينا اختراعها لانها رابطنا الاقوى وتفتيتها يعني نهايتنا امام طوفان الآخرين, وبين انصار الشعوبيات الضيقة بحثا عن تحرير الذات من ظلم القرون كما يدعون. من هذا المنطلق الضيق فلا بأس في شرقنا العربي من ظهور (لغات) مختلفة واحيائها بجهود حثيثة سعيا للديمقراطية على اربع, وبالتالي فلا خطر من ظهور السريانية والكردية والهيروغليفية والفينيقية والمسمارية... الخ في مدارسنا وجامعاتنا وعلى امتداد الوطن العربي. وعندما تاقت نفسي لمجموعة جديدة من الكتب, ذهبت افتش في المكتبات عن آخر الاصدارات فقادني (سوء) الطالع الى مكتبة وضعت في واجهتها كتب لمحمد حسنين هيكل, وبرهان غليون, تناولت كتابا لهيكل وسألت البائع: ما هي مجموعة حسنين هيكل الموجودة لديكم؟ اجابني: (ماما انا ما في معلوم كلام عربي انته في معلوم اوردو؟!) رميت الكتاب وخرجت قبل ان تقتلني شعوبية لا تقل خطورة عما يحدث في اماكن اخرى من عالمنا العربي ان لم تفقها لكن الخطورة هذه المرة تأتي متمترسة وراء قوة نووية يؤسسها السيد عبدالكلام في شبه القارة الهندية بكلام غير عربي ويصدرها على هيئة باعة (محترمين) في مكتبات (عربية محترمة) قابلة للانفجار في أية لحظة!!

Email