مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الفارق بين سوهارتو ومهاتير محمد, أن الأول لم يقرر المشاركة في انقاذ بلاده بدولار واحد حتى وهو يمتلك مليارات الدولارات كثروة جمعها من حكمه البلاد كما تقول التقارير, فيما الثاني يقرر مع زوجته بيع مجوهراتهما الشخصية التي قدرت بحوالي 30 ألف دولار فقط للمساهمة في انشاء صندوق لدعم اقتصاد ماليزيا . وعلى مثل هذا الفرق الجوهري بين رجلين, سوف يمضي سوهارتو بملياراته تلاحقه لعنات شعبه, فيما مهاتير سوف يمضي يوما, ويترك الحكم لغيره وهو مخفور بدموع شعبه الذي أحبه, والذي جاء الى سدة الحكم لخدمته بعد ان قرر خوض غمار السياسة وترك مهنة الطب التي مارسها في شبابه في أحد مستشفيات جزيرة بينانغ حيث سمع وشاهد ما يعاني منه شعبه الماليزي من فقر وتخلف وبؤس. ماليزيا اليوم أحد نمور آسيا, ففي سنوات قليلة انطلقت عمرانياً وحضارياً وصناعياً وفاق ما حققته أية تصورات, واندونيسيا ايضا لا تقل عنها في سباق التحدي نحو المستقبل على الرغم مما تنوء به من كثافة بشرية (200 مليون نسمة) ومساحة متناهية في الامتداد من حيث جزرها المتناثرة, بفضل الاستقرار الذي نعمت به في ظل حكم سوهارتو نفسه, الذي انتفض عليه الطلبة مؤخرا بعد استفحال الأزمة الاقتصادية الآسيوية عموماً, فقد نجحت هذه في ظل حكم سوهارتو الطويل في خيار التصنيع والديمقراطية معاً. وليس صحيحاً بالمطلق وصف سوهارتو بالديكتاتور ووضعه في فئة الطغاة, انطلاقاً من مجرد كونه جنرالاً قفز الى السلطة في اعقاب انقلاب على رئيس الاستقلال سوكارنو, فاذا كانت سنوات الحكم الطويلة مقياسا لوصف الزعماء بالديكتاتورية فسوكارنو نفسه حكم اندونيسيا حوالي 20 عامآً, مما ينبغي مع مثل تلك التوصيفات الحذر مما تطلقه وكالات غربية على زعماء خدموا بلدانهم وساروا بها في طريق النمو والتقدم, منهم بالتأكيد سوهارتو نفسه. مع ذلك فالجملة المعترضة السابقة, ليست دفاعاً عن سوهارتو وأمثاله, بقدر ماهي للتحذير من الوقوع في فخ الاساءة لزعماء واطلاق أوصاف غير صحيحة عليهم انطلاقاً فقط من أفكار مسبقة عن الشرق وعن آسيا تحديداً, باعتبارها من الأعشاش التي تفرخ فيها الديكتاتوريات, ولا يمكن ان تنهض فيها ديمقراطيات, كما يراها الغرب, فهي على الرغم مما تعانيه من مشكلات وتعقيدات, تسير بثبات نحو الديمقراطية وحقوق الانسان وصيانة مصالح شعوبها, أندونيسيا نفسها نموذج. ولا يعني ما سبق كله ان صفحات زعيم كسوهارتو تخلو من نقاط سوداء, فاذا كان الاثراء مثلاً وتحويل بعض أبرز القطاعات الاقتصادية الى ما يشبه الملكية العائلية والنهب المنظم والفساد أبرز هذه النقاط وأكثرها سواداً, فليس من بينها تحديدا صفة الديكتاتورية, حيث شهدت اندونيسيا على الدوام وجود معارضة وأحزاب وحرية في العمل السياسي, تحت حماية الجيش نفسه, الذي قرر هذه المرة التدخل لصالح الانتقال السلمي للسلطة, بدلاً من القفز عليها بالدبابات, وهو ماكان يمكن ان يقوم به الجنرال ويرانتو الموصوف بسند سوهارتو في الظل, ولم يفعل. واذا كان حبيبي الذي كان نائبا لسوهارتو وأصبح اليوم رئيساً مؤقتاً, نسخة من سوهارتو نفسه وليس بعيداً عن تهم الفساد, فان مجرد الانتقال السلمي للسلطة, ورضوخ سوهارتو المدعوم من الجيش لمطالب شعبه بالتنحي, واستجابته لذلك مع طلبه الصفح والغفران عن أخطاء يمكن ان يكون قد ارتكبها, كما جاء في خطاب تنحيه, كلها مما يشير الى تقدم مثل هذه البلدان على طريق الديمقراطية, وهو ما لا نجده مثلا في غيرها من بلدان, منها بعض بلداننا العربية, كالعراق مثلا, التي لا يكتفي فيها زعماؤها بممارسة الديكتاتورية المطلقة, بل واللصوصية أيضا وتحويل البلاد كلها الى ملكية خاصة, فلا يجرؤ أحد منا على وصفها بالديكتاتورية والطغيان, مثلما نفعل اليوم مع اندونيسيا, بعد سقوط سوهارتو.

Email