مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع أن الادارة الامريكية لم تمارس حتى الآن ما يمكن ان يسمى ضغطا على اسرائيل او حتى التلويح بالضغط, فهي تتجنب مثلا اي تلميحات , او تصريحات او ردود افعال من شأنها ان تغضب اسرائيل, الا ان نتانياهو لا يقدر هذه المواقف الامريكية والتضحيات التي تخدم اسرائيل بأكثر مما يخدمها هو شخصيا ووزراؤه الذين هم على شاكلته في العنصرية والغطرسة والكذب فنتذكر مع مثل هذا الرجل الحماقة التي اعمت من يداويها. لذلك فقد كان مفاجئا للعالم, وربما للادارة الامريكية نفسها وللاسرائيليين الذين يسمون بالمعتدلين, تهديد نتانياهو باشعال واشنطن, وهو تهديد ارهابي مائة بالمائة, لو صدر من زعيم آخر, عربي او غير عربي, غير نتانياهو, لقامت قيامة امريكا كلها وطالبت بسحب التهديد والاعتذار علنا, بعد الركوع اللازم طبعا. وصحيح ان التهديد المذكور لا يقصد القيام بعمليات ارهابية مثلا واشعال حرب طائفية او اهلية او غيرها في عاصمة الولايات المتحدة, حيث المقصود هو اشعالها سياسيا بتحريض اليهود واللوبي الصهيوني ضد الادارة الامريكية, الا ان صفة الارهاب تظل موجودة حتى مع مثل هذا القصد من التهديد, وفوق الارهاب الابتزاز العلني والمكشوف بالتدخل في القرار السياسي لدولة اخرى, ما يتعارض مع ابسط البروتوكولات الدبلوماسية وطبيعة العلاقات السياسية بين الدول. كل هذا يجري حتى والادارة الامريكية التي سلمت قيادها فعلا للوبي الصهيوني فيما يتعلق بمفاوضات السلام, حيث اسندت ملفاتها لبعض ابرز المسؤولين الذين يخدمون اسرائيل اكثر من وطنهم امريكا الذي يحملون جنسيته, ما يجعلنا نفترض على الدوام صحة استنتاجاتنا السابقة بانه لا فائدة ترجى من استمرار المفاوضات مع وجود ادارة امريكية تهيمن عليها اسرائيل بالفعل ونطلب نحن منها مدنا بالعون بغرض تحقيق اتزان في الموقف, هو المستحيل بعينه, حيث فاقد الشيء لا يعطيه. وواضح من التصعيد الاسرائيلي الاخير ان الادارة الامريكية وقد احرجتها اسرائيل اكثر مما ينبغي, فكانت وراء افشال مهام المبعوثين الامريكيين مرة بعد مرة, واحباط مؤتمر لندن ولقاء واشنطن على التوالي, تحاول لا الضغط على اسرائيل فذلك غير ممكن في ظل ادارة تهيمن عليها عناصر مؤيدة لاسرائيل اكثر من الاسرائيليين انفسهم, وانما تحقيق شيء من المصداقية لسياستها الشرق اوسطية, بمحاولة اقناع اسرائيل دون فائدة بقبول بعض العروض, كعرض الـ 13% الشهير, الذي هو عمليا في صالح اسرائيل, فيزول عنها بعض الحرج ويرفع من على اكتافها العتب. وبما ان الخلاف بين اسرائيل وامريكا طغى على سطح الاحداث وصار الآن يتصدر تصريحات الطرفين, فان واشنطن ردت بموقف هو من الضعف ما يجعلها قوة عاشرة في العالم بعد ان اعلن مؤخرا متحدث الخارجية فيها ان موعد انسحاب امريكا من عملية التسوية ليس بعيدا, اي ما يحمل اشارة نفض اليد من السلام, فيعني ذلك انتصار اسرائيل على امريكا, واخضاعها لمشيئة تل ابيب. هذه النتيجة التي قد تصل اليها امريكا في علاقتها مع حكومة مثل حكومة نتانياهو متوقعة وليس فيها مفاجآت, ليس لسيطرة اليهود الحالية على السياسات الامريكية فحسب, بل لان الادارة لم تتخذ منذ البداية الموقف المعتدل والمتزن والمحايد, فأطلقت العنان لنتانياهو بالصمت عن سياساته وأكاذيبه, لتصل معه اليوم الى هذا المستوى من الخلاف المكشوف, الذي يحرج امريكا ويخدش مصداقيتها العالمية, بل واكثر من ذلك يهبط بقوتها عندما يتعلق الامر باسرائيل من عليائها الى اسفل سافلين, فتشرب من مورد الماء االذي حفرته بنفسها.

Email