شروط التراجع الاسرائيلي، د. شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

انفجار العنف في ذكرى النكبة يعكس حجم الصراع بين الشعب الفلسطيني في الاراضي الفلسطينية وبين اسرائيل . الصراع في شكله الراهن يعكس قدرات ويعكس مصاعب بنفس الوقت. فاليوم بإمكان سكان غزة التظاهر وحشد مئات الالوف من المواطنين حول المستعمرات, وهم يمتلكون حرية اكبر للتصعيد والعمل ضد اسرائيل نسبة لتلك التي امتلكوها في زمن الاحتلال, فهذه الارض (غزة) لا تخضع لاسرائيل مما يعني ان التخطيط لاثارة القضية الفلسطينية الغربية الانفجار امام القوة الاسرائيلية الرافضة للانسحاب كاشفة لهذه القوة مدى خطورة البقاء ومدى خطورة عدم تحقيق انسحاب. لهذا فمهما فعل نتانياهو فخيار الانسحاب هو خياره الوحيد لان فكرة الانسحاب مقابل السلام, والامن اصبح لها مؤيدين في كل مكان: في العالم الاوروبي, في الغرب الامريكي, في الشرق الابعد, في العالم العربي التواق للسلام. ان بقاء اسرائيل في احتلالها للاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 لن يمر كما كان يمر في السابق وسط عدم تفهم عالمي. اذن ان امكانية وقوع ضحايا اسرائيليين بين يوم وآخر امر قائم, كما ان امكانية مزيد من الخسائر الفلسطينية التي تؤدي لمزيد من التعاطف العربي والدولي سوف يترجم لصالح مزيد من الضغط على اسرائيل. كما ومن الصعب منع حماس او الجهاد الاسلامي من محاولة اثبات عدم جدوى سياسة نتانياهو الراهنة. بل يمكن القول ان استمرار اسرائيل بسياستها وفي ظل وضوح الرغبة العربية والفلسطينية في تحقيق السلام سوف يساهم في تحويل اسرائيل الى حالة جنوب افريقية. هذا سيفرض على نتانياهو واليمين المتعصب التحول نحو مزيد من الدفاع ومواجهة مزيد الضغوط الداخلية والخارجية, ان خيار المماطلة والتأجيل واللعب على حبال السياسة بين تيارات الائتلاف الحاكم سيبقى ممكنا في المدى المنظور, ولكنه خيار فيه مخاطر كبرى على امن اسرائيل. ولكن الاهم ان استمرار الوضع كما هو, اي غياب الاتفاق على الانسحاب, سوف يسمح للفلسطينيين بزيادة اعداد الشرطة الفلسطينية التي فيها الكثير من المقاتلين السابقين والمقاتلين في صفوف الانتفاضة, وهي قوة ايضا تحمل السلاح وقد تجاوزت اعدادها كل ما كان متفق عليه مع اسرائيل في السابق, وهذه القوة في حالة اندلاع اشتباكات موسعة سوف تنضم للناس والشعب, وهذا ما حصل عندما قام نتانياهو بفتح النفق اسفل المسجد الاقصى. كما ان غياب الاتفاق يسمح للفلسطينيين بجلب السلاح باعداد كبيرة وهذاما يقومون به الآن, وايضا يجعل الفلسطينيين اقل تعاونا مع اسرائيل في المجال الامني, ويجعلهم اقل استعدادا للسيطرة على الجناح العسكري لحماس. ان هذا الوضع يجعل امكان الدخول بمعركة كبرى في حالة محاولة اسرائيل اعادة احتلال هذه المناطق أمر له ابعاد سياسية ودولية. ولكن السلطة الفلسطينية بامكانها العمل على التحضير من جانبها لاعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد, وهذا الاعلان بامكانه ان يكون ذو قيمة لسبب رئيسي: الفلسطينيون يملكون ارضا, وهم يقيمون سلطة فيها على ضعفها قادرة على تحريك الاوضاع. هذا يعني ان بناء المؤسسات ممكن, وبناء الامتداد ممكن, واعلان الدولة قادر على نيل اعتراف الدول العربية أساسا والكثير من الدول المتعاطفة عالميا. ان فكرة اعلان الدولة امر لا تريده وتقف ضده قيادة نتانياهو لانه يقف ضد رؤيتها لسلطة ذاتية تحكم السكان ولا تتحكم بالارض, بل هدد نتانياهو بردود فعل على اعلان كهذا, وهذا دليل على شعور نتانياهو بخطورة الاعلان على سياسة الليكود ومنهجه, ان التهديد باعلان دولة يشكل نقطة ضغط اضافية على اسرائيل. ان فشل نتانياهو في تحقيق تقدم في مجال السلام, واستمرار وقوع خسائر واستمرار تأثير هذا على السياحة في اسرائيل, اضافة لتأثر علاقة اسرائيل بالولايات المتحدة لن يكون لصالح اسرائيل. والاسوأ لنتانياهو ان الدولة العربية التي بدأت بالتطبيع وبدأت بالانفتاح على اسرائيل في عهد رابين وبيريس بدأت تتراجع عن هذا التطبيع وذلك بانتظار تغير في سياسة اسرائيل, بل ان دول الخليج التي لديها مصالح عديدة مع الولايات المتحدة استقبلت وفد حماس بقيادة الشيخ احمد ياسين رغم الضيق الامريكي من هذا الاستقبال. وفي استقبال احمد ياسين يتضح انه يوجد قاعدة كبرى لاستمرار المواجهة مع اسرائيل في العالم العربي, وان التيار الاسلامي في العالم العربي يقوم بدعم التيار الاسلامي في فلسطين. هذا كله يعني مزيدا من المواجهات, وهذا مالا يأخذه نتانياهو بعين الاعتبار, فهو منحاز لروحية استمرار التمدد الاسرائيلي ومنحاز لقناعة مفادها قدرته على تنفيذ مشروعه مع تحقيق السلام والامن بنفس الوقت. وقد يقول قائل بأن الخسائر التي تعاني منها اسرائيل نتاج عدم التوصل لاتفاق سيعاني منها الجانب الفلسطيني ايضا خاصة وانه مقابل كل اسرائيلي يقتل تقوم اسرائيل بقتل عشرات الفلسطينيين وتدمير منازل وبناء مستوطنات. ولكن كما هو واضح من التاريخ ان الفلسطينيين الذين يفقدوا كل شيء لن يتوانوا عن ممارسات لعبة الموت, الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية لن يخسروا شيئا من ممارسة المواجهة نتيجة غلق باب الامل أمامهم. ان امكانية المقاومة في هذه المرحلة اذن هي اعلى من امكانية المهادنة, وهذا يعني ان الضغوط على نتانياهو الذي يغرق في حسابات ضيقة سوف تزداد, وهذه الضغوط ستضاعف من أزمة الليكود وستشجع على بروز مزيد من الشخصيات من الليكود التي تنافس نتانياهو على زعامة الحزب وعلى رئاسة الوزراء, كما ان هذا الوضع يفتح المجال امام الانتخابات المبكرة. ان كل هذا يعني ان الوضع الفلسطيني ليس وضعا ميؤوس منه, فأفق النضال قائم, وأفق المواجهة قائم, والارض موجودة, هناك تيارات تمارس الكفاح المسلح وهناك سلطة فلسطينية تتحدث عن السلام, وهناك شرعية دولية واعتراف دولي لم يكن موجودا بهذا الحجم في السابق, وهناك اعتراف امريكي بالشرعية الفلسطينية على تلك الارض, وهناك انقسام اسرائيلي اسرائيلي, وهناك ضغوط دولية. كل هذا قد يشكل مع مواجهات قادمة اساس فرض التراجع او الانكسار على نتانياهو.

Email