حول قانون الخدمة المدنية الاتحادية، بقلم: د. عبدالرحيم الشاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم اننا لم نلمس ان نظام توصيف الوظائف قد احدث تغييرات جذرية في تسريع عملية واجراءات التوظيف وفي استحداث وظائف جديدة, وفي تحديد حجم الوظائف وتحديد مسمياتها كما انه لم يساهم للان في تطبيق سياسة واضحة للاحلال والتوطين في الوظائف العامة بالرغم من كل ذلك الا اننا نعتقد ايضا ان اقرار مشروع قانون الخدمة المدنية المقترح سيساهم في زيادة سرعة عجلة التوطين ورسم سياسة للاحلال, مع ايماننا ان هذا الامر لن يتحقق بصورة عاجلة وانما المتأمل ان يتحقق بصفة تدريجية شريطة ان تتصف خطط الاحلال التدريجية بوضوح الرؤية المستقبلية وبساطة الاجراءات كذلك, فالتشريعات وحدها لا تكفي ولكن لابد من ايمان القيادات الادارية بضرورة واهمية التغيير الامر الذي يتطلب في حالات كثيرة اعادة النظر ليس بالتشريعات والقوانين فحسب بل ايضا بالقيادات الادارية نفسها ومدى اهليتها في ادارة العملية التنموية وخصوصا تلك القيادات العاجزة عن ممارسة دورها ومسايرة عمليات التغيير والتقدم المجتمعية والتي يجب عليها ان تتنحى جانبا وتعطي زمام المبادرة للقيادات الشابة المؤهلة علميا وعمليا لتلعب دورها وتتحمل مسؤوليتها الوطنية في دفع عجلة التنمية ورفع كفاءة الجهاز الاداري وتطوره. ان التنبيه الى دراسة اوضاع شؤون الموظفين وامكانيات تحسينها وتطويرها في دولة الامارات العربية المتحدة يعتبر امرا في غاية الاهمية وقد يكون من السهولة العمل لعلاج هذه المشكلة في هذه المرحلة كون تلك المعضلات القائمة لم تتفاقم ويمكن معالجتها وبالتالي وضع القواعد الكفيلة ببناء جهاز اداري متطور وفعال, وخصوصا وان الدولة بصدد اعادة النظر بتشريعات وقوانين الخدمة المدنية بما يتوافق مع الاحتياجات التنموية المستقبلية للدولة, ويأتي في مقدمة الاجهزة المعنية بشؤون الوظيفة العامة مجلس الخدمة المدنية الذي يلعب دورا رائدا في تطوير الخدمة المدنية ورفع الكفاية الانتاجية وتحقيق العدالة في معاملة الموظفين والتأكد من مدى قيام الاجهزة التنفيذية بمسؤوليتها وكشف المخالفات في الجهاز الاداري واقتراح الحلول التي تكفل تلافيها مستقبلا. هذا وقد حددت المادة (9) من مشروع قانون الخدمة المدنية المقترح اختصاصات مجلس الخدمة بانه يتولى اقتراح السياسات الخاصة بالتطوير الاداري للوزارات والدوائر بما يكفل تخطيط وتنظيم شؤون التوظيف فيها وتنميتها اداريا وفنيا واعداد مشروعات القوانين والنظم واللوائح الخاصة بشؤون التوظيف وابداء الرأي فيما يقترح من مشروعات متصلة بهذا الشأن قبل اقرارها والاشراف على تنفيذ قوانين ونظم ولوائح التوظف وتفسيرها ومراقبة تطبيقها من خلال الديوان ووضع القواعد الخاصة باختيار اصلح المرشحين لشغل الوظائف وتحديد المؤهلات العلمية اللازمة لها ووضع القواعد الخاصة بتدريب وتأهيل الموظفين والاشراف على تنفيذها من خلال الديوان بما يضمن رفع مستوى الخدمة المدنية, وتحديد حاجة وحدات الجهاز الاداري للدولة من التخصصات المختلفة واخطار الجهات المختصة والتنسيق معها لتوفير هذه التخصصات ووضع القواعدالخاصة بالرقابة على الاداء والمتابعة للتاكد من سلامة وحسن اداء الجهاز الاداري لمهامة على ان تمارس مهام الرقابة على الاداء والمتابعة من خلال الديوان واقتراح القواعد الخاصة بسياسة الاجور والرواتب وتحديد نوع وعدد الوظائف ودرجاتها بحسب مقتضيات صالح الوظيفة والموظف والنظر في شكاوى الموظفين وتظلماتهم فيما يختص بشؤونهم الوظيفية وابداء الرأي فيها. وبينت المادة (8) من مشروع قانون الخدمة المدنية المقترح تشكيل مجلس الخدمة المدينة برئاسة احد الوزراء وعضوية تسعة اعضاء من عناصر قانونية وادارية ومالية لاتقل درجة اي منهم عن الدرجة الاولى, ويكون من بينهم رئيس ديوان الخدمة المدنية, وممثل لوزارة المالية الصناعة. ان القاء نظرة سريعة على اختصاصات مجلس الخدمة المدنية يبين مدى ضخامة المسؤوليات المناطة بهذا الجهاز الاداري الحيوي الذي يتولى اقتراح السياسات الخاصة بتطوير الجهاز الاتحادي وزيادة انتاجيته واقتراح مشروعات القوانين الخاصة بشؤون الوظيفة العامة والاشراف على تنفيذ هذه القوانين بعد اقرارها ومهمته في وضع الاسس والمعايير العلمية الخاصة بتحديد مسؤوليات الوظائف, والشروط الواجب توفرها لشاغليها واختصاصه بوضع الخطط والبرامج التدريبية لتأهيل الموظفين وتحديد حاجة الوزارات من الوظائف المختلفة ووضع ضوابط الرقابة على الاداء وغيرها من الامور والقضايا التي تتعلق بشؤون الوظيفة العامة الاتحادية ولاشك ان هذه الاختصاصات والمسؤوليات المناطة بمجلس الخدمة المدنية تتطلب وجود جهاز اداري على درجة عالية من الكفاءة والفاعلية, ولكن بالنظر الى تشكيل مجلس الخدمة المدنية في مشروع القانون المقترح يلاحظ انه لايختلف عن تشكيل اعضاء المجلس في قانون الخدمة المدنية الحالي, حيث انه قائم على اختيار اعضاء ممن لا تقل درجتهم الوظيفية عن الدرجة الاولى في المشروع المقترح تعادل الحلقة والدرجة (1/1) و(1/2) في قانون الخدمة الحالي, وعادة ما يكون هؤلاء الاعضاء بدرجة (وكيل وزارة, وكيل وزارة مساعد) وهذا يعني ان مجلس الخدمة المدنية يضم عناصر غير متفرغة او ان بعضها غير متخصص في مجال الوظيفة العامة حيث انهم يتولون مسؤوليات ادارية كبيرة في وزاراتهم واداراتهم الاتحادية وبالتالي فان ذلك قد يؤثر على كفاءة واداء مجلس الخدمة المدنية في وضع وتنفيذ الخطط والبرامج والسياسات الخاصة بشؤون الوظيفة العامة, كما يلاحظ ان تشكيل مجلس الخدمة المدنية في المشروع المقترح يخلو من عناصر اكاديمية متخصصة في مجال القانون والادارة من الكفاءات المواطنة والتي يمكن ان تساهم في وضع خطط وسياسات لرفع الكفاية الانتاجية للعاملين في الخدمة المدنية الاتحادية خصوصا وان دولة الامارات العربية المتحدة تتوفر لديها عناصر اكاديمية مواطنة على درجة عالية من العلم والمعرفة والقادرة على اثراء العمل الاداري وتطويره بما يرفع من كفاءة العاملين ويطور من التشريعات والنظم الادارية. كما يلاحظ على مشروع قانون الخدمة المدنية المقترح ما تضمنته الفقرة التاسعة من المادة (9) من ان مجلس الخدمة المدنية يتولى النظر في شكاوى الموظفين وتظلماتهم فيما يختص بشؤونهم الوظيفية وابداء الرأي فيها, ويفهم من نص هذه الفقرة ان مجلس الخدمة المدنية يلعب دورا مزدوجا, فهو الذي يقترح السياسات وينفذ القوانين ويضع الضوابط ويحاسب الموظفين والعاملين وهو في نفس الوقت يفصل في الشكاوى والتظلمات المرفوعة من قبل الموظفين ضد قراراته وتوصياته ونعتقد انه من الصعوبة بمكان ان يلعب المجلس دورا حياديا في هذا الشأن وعليه نقترح ان يتضمن مشروع القانون المقترح وجود جهة اتحادية محايدة تتولى الفصل في المنازعات والشكاوى والتظلمات التي يرفعها الموظفون في الخدمة العامة على قرارات وتوصيات مجلس الخدمة المدنية ومدى اتفاقها او تعارضها مع دستور الدولة والقوانين والتشريعات الاتحادية لتحقيق مزيد من الحيادية والعدالة وتكافؤ الفرص بين العاملين في الخدمة العامة.

Email