قبرص: جزيرة يقسمها الحقد والعنف: بقلم- عادل محمد حسن

ت + ت - الحجم الطبيعي

من جديد عادت المشكلة القبرصية لتتصدر نشرات الانباء بعد ان طلبت الحكومة القبرصية انضمام هذه الجزيرة إلى عضوية الاتحاد الاوروبي, فمنذ تحرر الجزيرة من رقبة الاستعمار البريطاني في عام 1960 لم ير سكان الجزيرة اية فترة من الاستقرار والهدوء جراء اعمال العنف التي تندلع بين حين وآخر بين القبارصة اليونانيين, الذين يشكلون 78% من سكان الجزيرة البالغ عددها 750 الف نسمة, والقبارصة الاتراك الذين لا تتجاوز نسبتهم 18%, ففي عام 1964 اندلعت اعمال العنف بين الجاليتين مما ادى إلى ان ترسل الحكومة اليونانية وحدات عسكرية لردع احتمال غزو القوات التركية للجزيرة, هذه القوات التي ظلت مستقرة في الجزيرة حتى عام 1967 عندما بادرت الامم المتحدة إلى اتخاذ قرار بارسال وحدات دولية لمنع اعمال العنف, ولكن بعد اقدام الحكومة العسكرية اليونانية على ارسال قواتها إلى الجزيرة بمسعى لضم الجزيرة إلى البر اليوناني, توجه زعيم القبارصة الاتراك, رؤوف دنكتاش, بطلب إلى الحكومة التركية بارسال قواتها لحماية القبارصة الاتراك, وهكذا بادرت الحكومة التركية إلى القيام بعملية غزو الجزيرة في عام 1974 واحتلت مساحة من الارض تبلغ 37% من مساحة الارض, واثر هذا الغزو, اعلنت ما يعرف الان بـ (الجمهورية الفيدرالية التركية لدولة قبرص) التي لم تعترف بها أية دولة لحد الان, ليصبح هذا الكيان ورقة ابتزاز ايضا بيد تركيا للضغط بين حين وآخر على اليونان أو حليفاتها الغربيات عند كل طارىء, وهكذا تم عمليا تقسيم اراضي الجزيرة بشكل غير متكافىء بين الاتراك واليونانيين, حيث استولى الاتراك على مساحة أرض تفوق نسبتهم السكانية, وبدأت عمليات تهجير عرقية مأساوية في كلا المنطقتين ليصبح سكانها اما من الاتراك فقط أو من اليونانيين فحسب. ان كل الجهود التي بذلتها الامم المتحدة والدول الغربية لتسوية المشكلة القبرصية التي دامت ربع قرن قد باءت بالفشل اما بسبب التدهور المستمر في العلاقات بين تركيا واليونان, العضوين في حلف شمال الاطلسي أو بسبب علاقات تركيا غير المستقرة مع دول الاتحاد الاوروبي, وتحولت المشكلة القبرصية إلى عقدة من الشد والحل ليس بين الاتراك واليونانيين القبارصة أو بين تركيا واليونان, بل تدخلت اطراف غربية وروسيا ودول البلقان التي تربطها بتركيا علاقات تتسم بالتوتر تاريخيا. وبدأت قبرص باتباع منهج جديد من اجل تسوية القضية, ففي عام 1990 قدمت الحكومة القبرصية طلبا للانضمام للاتحاد الاوروبي, ولكن هذا الطلب جوبه بانتقاد من قبل زعيم القبارصة الاتراك باعتبار ذلك لا يساعد على التسوية السلمية للمشكلة القبرصية, وحذر دنكتاش من ان الجانب القبرصي التركي سيقدم على اتخاذ اجراءات من شأنها زيادة التكامل مع البر التركي في حالة موافقة الاتحاد الاوروبي على انضمام قبرص إلى الاتحاد, وضمن المساعي للضغط على الاتراك قامت الحكومة القبرصية باجراء تمرينات عسكرية مع اليونان مما حدا بتركيا على القيام باستفزازات عسكرية ضد قبرص, وهذا ما ادى إلى اندلاع اشتباكات بين الجنود الاتراك والقبارصة على جانبي الخط الاخضر الفاصل بين القوات المتنازعة, ومما شد حدة المجابهة هو اقدام الحكومة القبرصية على عقد صفقة شراء صواريخ ارض ـ جو من روسيا في عام 1997 مما رفع حدة المواجهة بين الطرفين, وفشلت جهود الولايات المتحدة للوساطة بين الطرفين حيث رفض الجانب التركي الجلوس على مائدة المفاوضات قبل ان تسحب الحكومة القبرصية طلبها للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي, بالطبع ما شدد من موقف القبارصة الاتراك هو رفض الاتحاد الاوروبي ادراج تركيا في عداد الدول الاحدى عشرة المقترحة للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي. الجانب التركي لم يقف مكتوف اليدين, خاصة بعد ان رفض الاتحاد الاوروبي ضم تركيا إلى الاتحاد, فقد هدد وزير خارجية الحكومة القبرصية التركية, تانير اتكين, بأنه (اذا ما تعرض وجودنا على الجزيرة إلى خطر, فاننا لا نتردد في الاتحاد مع تركيا, وهذا التصريح يعد تعبيرا صريحا عن الوحدة مع تركيا يتم لاول مرة منذ نشوب الازمة القبرصية. واضافة إلى ذلك ففي اجتماع لجنة التنسيق بين تركيا والقبارصة الاتراك, عقد اخيرا, اتخذ قرار بضم القبارصة الاتراك إلى كل الوفود التركية المشاركة في اللقاءات الدولية, كما ان الحكومة التركية بدأت بارسال مبعوثين من الاتراك القبارصة إلى السفارات التركية في الخارج, وهددت الحكومة التركية بأنها سوف تفرض حصارا على قبرص في حالة اصرارها على استيراد الصواريخ الروسية, وهو ما يعني اندلاع حرب لا تعرف حدودها, في الوقت الذي اعلن فيه الناطق باسم الحكومة الروسية على ان روسيا مصممة على ارسال هذه الصواريخ في موعد لا يتجاوز الصيف المقبل. هذه التطورات تضع البلدين تركيا واليونان على حافة حرب مدمرة لا يمكن التحكم بها وفي منطقة, شرق المتوسط, هي بالاصل تعيش حالة من المواجهة والمشاكل لعقود مديدة, وقد يمتد لهيب النزاع ليطال بلدانا وشعوبا اخرى تبعا للالتزامات التي تربط كلا من تركيا واليونان بدول اخرى أو بحركات سياسية في المنطقة, كما ان هناك دولا في المنطقة قد تصطاد في الماء العكر لتحقيق مآرب سياسية خاصة بها, اسرائيل مثلا التي تربطها بتركيا اتفاقية عسكرية, وان الحرب اذا ما اندلعت ستؤدي إلى ضحايا بشرية هائلة ودمار مادي واسع لكلا الجانبين, مما ستكرس حالة من العداء والحقد لفترة طويلة بين الشعبين, كما ان الحرب ستؤدي إلى حالة من المواجهة بين الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة من جهة وبين تركيا من جهة اخرى, وستدفع تركيا إلى ارتكاب افعال يصعب التنبؤ بها, ولا يمكن تفادي هذه الاوضاع الخطيرة الا بجهد اوروبي ودولي يخفف من تصاعد الازمة الحالية, فالمشكلة القبرصية متعددة الجوانب ولا تتحدد في خلاف الاتراك واليونانيين داخل قبرص نفسها, وهذا ما يتطلب ايضا العودة إلى تلك الصيغة (20 مادة) التي اتفق عليها كل من الزعيم القبرصي الراحل الاسقف مكاريوس وزعيم الاتراك القبارصة دنكتاش بعد الاستقلال, والتي تعتمد على قدر كبير من الديمقراطية والمساواة بين الشعبين بعيدا عن تأثيرات وذيول الخلافات الاقليمية بين تركيا واليونان أو أي خلافات اقليمية اخرى وبعيدا عن تأجيج مشاعر التعصب القومي في كلا الجانبين. كاتب عراقي مقيم في لندن*

Email