مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

احذروا باعة الصحف الهنود, الذين تصادفونهم صباحا وظهرا عند التقاطعات والدوارات يعرضون عليكم شراء صحيفة او مجلة, ويتحملون عناء الوقوف طويلا او الانتقال كالفراشة بين سيارة واخرى والنط من رصيف الى آخر , تحت الشمس الحارة وفوق الاسفلت الساخن, فقد يكون من بينهم عالم ذرة او قد يتطور احدهم يوما ليصبح رئيسا لحكومة مقاطعته, او يقفز فيطير رائدا لبرنامج فضاء هندي لغزو النجوم واكتشاف مجاهيل الكواكب. فبعد عبد الكلام قررت شخصيا ان احترم موزعي الصحف الهنود تحديدا عندنا واينما وجدوا, وان ابتسم لكل منهم كلما ناولني صحيفة, وان اقدم له درهمين ثمنها مع الشكر الجزيل العميق, وان اناديه بعد ان افتح زجاج النافذة بكلمة يا سيد بدلا عن رفيق المشهورة, فقد خرج من بين هؤلاء الموزعين للصحف في الهند عبد الكلام الذي هز العالم مؤخرا, من دون ان ينطق بكلمة لأن تفجيراته النووية هي التي تحدثت. وبما ان عبد الكلام كان يوزع الصحف في احدى مدن الهندوس في ولاية تاميل نادو في العاشرة من عمره, فلربما اكتسب اسمه عبد الكلام منها, لأنه يبيع كل الكلام الذي في الصحف على الآلاف يوميا من القراء الهنود, فجاء الاسم على مسمى, لولا انه كما نقلت الوكالات مؤخرا يعيش في صمت وزهد, ولا يحب الكلام كثيرا ويدعو الى العمل اكثر, فكان ان صار عالما له شرف وضع البرنامج النووي في الهند الذي تحول الى تفجيرات نووية مؤخرا ليدخل الهند في عصر السلاح النووي. وعبد الكلام المسلم من المؤكد انه بطل قومي في الهند اليوم وشخصية وطنية وعلمية من الطراز الاول ربما تخلده بلده في تمثال او نصب في شارع عام او ميدان, لأنه من بين العلماء الذين طوروا واخترعوا ما سوف يحول الهند الى قوة عظمى بالقنبلة النووية, بعد ان كانت قوة ليست عظمى بالقنبلة السكانية التي شكلت مصدر ضعف, كما انه من الذين حولوا الاحلام الى أفكار ومؤخرا الى واقع متفجر. يقول موزع الصحف السابق ان (الولايات المتحدة رفضت في الماضي تسليمنا حاسوبا كبيرا واصبحنا اليوم نملكه, كما رفضت روسيا ان تمدنا بنوع من التكنولوجيا الفضائية وسنمتلكها خلال اعوام, لم يعد احد قادرا على عرقلة تقدمنا التكنولوجي, وعندما واجهنا تحديا انجزنا العمل) . هذا ما يقوله عبد الكلام الذي يهوى الشعر وينظمه ويتلو النصوص الاسلامية والهندوسية ويحب الموسيقى الكلاسيكية الهندية, ويضيف انه (علينا كهنود ان نفكر كأمة تضم مليار نسمة وليس كبلد من مليون شخص, الحلم لا يكفي, يجب تحويل الاحلام الى افكار ثم الى اعمال, علينا ان نفعل ذلك بأنفسنا والا نختصر الطريق باستيراد اجهزة) , فكان ان نجح عبد الكلام وزملاء له في البرنامج النووي اعتمادا على الذات وتطويرا لقدراتها, وهو الدرس القديم الجديد الذي تقدمه الهند للبلدان الفقيرة من امثالها. غير ان صناعة السلاح, وان كانت انتصارا وطنيا, فهي تبقى صناعة للموت والدمار, ولن يفيد عالم مثل عبد الكلام يمزج الواقع بالشعر فيدعي ان الرؤوس النووية او الصواريخ يمكن ان تطلق ورودا ايضا, لأننا لم نر حتى الآن مدافع ولا صواريخ تنشر فوق العالم البنفسج والرياحين والياسمين والخزامى والدفلى, باستثناء ما نراه في احتفالات استعراض القوة حيث تسد فوهات المدافع الزهور للدعاية والزينة معا, فينتهي عالم كعبد الكلام عند سوء استخدام سلاحه النووي, وهو الامر الوارد اغلب الاحيان عند الدول المتخلفة, من المباهاة بالانجاز والفخر الى الموت حزنا من تعذيب الضمير, وفي حالته فالامر اكثر تعقيدا, لأن السلاح النووي الذي اخترعه مسلم يهدد المسلمين في الجوار اكثر من غيرهم فيا للمفارقة. وهل هذا كلام يا عبد الكلام؟

Email