الازمات لا تحل عن طريق العدوى! بقلم- عمران سلمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل من أثنوا على اتفاق السلام في ايرلندا الشمالية فعلوا ذلك وتمنوا ان يكون خطوة في طريق حل النزاعات المشابهة في مناطق اخرى . العرب اشادوا باتفاق ايرلندا وعيونهم على عملية السلام المعطلة منذ اشهر. فيما تمنى الاسبان من سكان الباسك ان يكون هذا الاتفاق بادرة تشجيع لحل مشكلتهم. ولا بد ان آخرين قد فعلوا ذلك ايضاً في قرارة انفسهم, وتمنوا مثلما تمنى غيرهم والامر طبيعي, فالناس تتفاءل بالخير وتتمناه لنفسها, عندما تراه مقبل على الغير, مثلما يستشعر الغارق في مشاكله, بقرب الفرج عندما يطرق هذا الاخير ابواب جاره لكن للاسف فان الامور لا تسير دائماً حسب النيات والاهواء المتشحة بالتفاؤل. والازمات لا تحل عن طريق العدوى,و والتأثر عن بعد, او بمجرد حدوث انفراج في اماكن اخرى. بل لا بد لحلها من توافر ارادة حقيقية, قادرة على تذليل الصعاب واخذ زمام المبادرة في اللحظات الحرجة. ثم لا بد من ادراك حجم المشكلة وطبيعتها, التي تختلف بالضرورة عما عداها من مشكلات. لقد استطاع الانجليز ونظراؤهم الايرلنديون ان يخطوا خطوتهم الاولى باتجاه انهاء النزاع في ايرلندا الشمالية, ولكن هل صحيح ان هذا حدث فقط لان من يحكم في 10 دواننغ ستريت هو حزب العمال وليس المحافظين؟ ألم يصل العمال من قبل الى الحكم, ومع ذلك لم يفكروا في وضع حد لهذا النزاع القديم جداً. يمكن قول الشيء نفسه عن عامل الزمن والمكان والظروف, بمعنى ان حل الازمات قد لا يرتبط احيانا, بالظروف السيئة او الجيدة التي تفرض نفسها على الفرقاء. فالانفراج قد يأتي في وقت لا يتوقعه احد, او يرغب فيه احد, وقد لا يأتي في وقت يطلبه الجميع, تلميحاً او تصريحاً. الواقع ان ثمة شيئاً غير مفهوم احياناً هو الذي يدفع ببعض الشخصيات السياسية الى تحقيق (المنجزات) بينما يتعذر ذلك على بعضها الآخر. ويمكن ان نذكر اشخاصاً من الصنف الاول مثل فريدريك ديكليرك, الذي قبل بانهاء نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا وتسليم السلطة الى نيلسون مانديلا. رغم ان احدا لم يكن ليتوقع ذلك, في ظروف لم يكن فيه ما يدفعه الى القيام بهذه الخطوة, اعتقد شخصياً ان للعامل الشخصي دوراً كبيراً في انهاء النزاعات المماثلة, او توقيت انهاىها على الاقل. واعني بهذا الدور تحديداً, الخصائص التي يتمتع بها الزعيم السياسي في البلد المعني, وقدرته على اقناع مواطنيه بما يتخذه من قرارات, فقد ثبت ان الشخصيات التي تصل الى الحكم باجماع وتأييد شعبي كبير, هي الاقدر عادة على اتخاذ القرارات التاريخية, مهما كانت صعبة. وهي الاقدر على ابداء التنازلات, مثلما تحقيق المكاسب والانتصارات. على العكس من ذلك, فان الحكومات الضعيفة والقلقة, لا تحسن التعامل عادة مع المواقف والازمات. فهي اما مفرطة في حقوقها وحقوق بلدانها, واما عاجزة عن استرداد هذه الحقوق وانتهاز الفرص السانحة لتحقيق المكاسب. وهي بهذه الصفة ليست فقط عاجزة عن اقناع نفسها, وانما اقناع الغير بها ايضاً, وربما كان هذا احد اسباب الاخفاق الذي تعاني منه عملية السلام في المنطقة, من الجانبين العربي والاسرائيلي والارباك الذي حصل بعد اغتيال اسحق رابين ومجيىء نتانياهو. كاتب وصحافي بحريني*

Email