مع الناس بقلم: عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمنيت لو أن جهة عربية ما, قدمت الى العالم فيلما سينمائيا يروي النكبة التي يصادف اليوم 15 مايو مرور خمسين عاما عليها, فيعرض في صالات السينما ليشاهده الناس خاصة أجيال الشباب منهم, ليعرف هؤلاء أن اسرائيل التي تؤيدها بلدانهم اليوم وأيدتها امس , قامت على عظام ضحاياها من سكان فلسطين. الفيلم المقصود عالمي موجه الى الآخرين لا الى العرب, وبما أنه لا ينقصنا شيء لمثل هذا الفيلم, فالمال متوفر ويمكن تأجير ممثلين عالميين ومخرجين ومصورين وكاميرات وغير ذلك, لانتاج هذا الفيلم العالمي, على غرار فيلم عمر المختار مثلا أو الرسالة, فيكون على أعلى مستوى من التقنيات والحبكة والدراما والتمثيل والانتاج الضخم, مثل (تايتانيك) , يجذب الشباب اليه ويسحرهم, ومن ثم يؤثر فيهم, فنكون بذلك قد أبلغناهم رسالة النكبة. طبعا هذه مجرد أمنية لن ترى النور لاننا لم نسمع فعلا عن استعداد عربي لاظهار النكبة لغير الشعوب العربية, لا بفيلم من هذا الطراز ولا بمعرض ولا بمؤثر ولا حتى ببرنامج تلفزيوني وثائقي ولا بكتاب يصدر باللغات غير العربية, وكأن هناك منعا لمثل هذا النشاط عالميا بأمر من اسرائيل, التي يخشى العرب والعالم كله استفزازها وكسر خاطرها وإفساد احتفالاتها بمرور خمسين عاما على قيامها. ولا نقلل بطبيعة الحال مما نقدمه لجمهورنا العربي من مقالات ودراسات وملفات ووثائق وبرامج وغير ذلك لاظهار النكبة وضياع فلسطين, فثمة أجيال عربية شابة تجهل الكثير من تاريخنا الحديث الدامي, هي بحاجة اليوم مع زحف السلام على صدورنا أن تعرف الآلام العربية والضحايا والنكبات التي مرت علينا وصولا الى ما نحن فيه اليوم من ضعف وهوان, لولا أننا نعتبر ذلك ناقصا, لأن العالم بأسره لا يعرف اليوم سوى اسرائيل وبطولاتها وأمجادها, فينسى حقنا وأرضنا وشهداءنا ودموع أمهاتنا وذل آبائنا وصراخ أطفالنا وأنين ترابنا الوطني تحت سنابك جحافل الغراة. لذلك ربما نجد اليوم الخامس عشر من مايو 1998 أن على غرار ما شهدنا في أيام سابقة, إن العالم يشارك اسرائيل احتفالاتها بالدولة, بالخطب والمديح وإبراز البطولات والانتصارات والانجازات, وبشرب الأنخاب وبالألعاب النارية والحفلات الغنائية, دون أن نجد بالمقابل من يشاطرنا العزاء والأحزان والندب ولطم الخدود والبكاء على الشهداء والضحايا والمشردين واللاجئين والباحثين عن أمل بعد ضياع بيوتهم وقراهم ووطنهم بالكامل, حيث لا عزاء للمقهورين. هؤلاء الضحايا المنسيون ليس لهم أحد يروي نكبتهم ويمسح دموعهم ويفتح لهم باب الأمل, ولا لهم من يسرد بطولات ومآثر لزعماء وأبطال لهم ماتوا كالأشجار, سوى أقاربهم من بعض العرب الذين مازالوا يعتبرون اسرائيل كيانا استعماريا ومازالوا يحلمون بالحق يعود لاصحابه, فيذكر بعضهم البعض بالنكبة, لأن الذكرى تنفع المؤمنين. خمسون عاما من نكبة العرب هي خمسون انتصارا اسرائيليا, وخمسون عاما اسرائيليا هي خمسون نكبة عربية, مرت كأنها فيلم رعب في صالة سينما شاهده العالم كله, يتدخل حينا ويغضب حينا, لكنه في أغلب الأحيان يتفرج, الى اليوم الذي يحتفل فيه العالم نفسه بإنتصار فرانكشتاين الذي يحاول شرب آخر قطرة دم من عروق ضحيته هذه المرة بالقانون والمواثيق والمفاوضات ورعاية العالم وبيبسي وكوكا كولا وسيتيزن وأديداس وكلينتون وجنرال اليكتريك... ما يجعل الكابوس مستمرا.

Email