أبجديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل من له حلم, فليقبض عليه, حتى وان أحس بأنه كالقابض على الجمر, فذلك افضل من القبض على الريح والهباء. لقد تربينا في واقع معين, وراكمنا في داخلنا أحلامنا لا ندري. كيف اخترعناها وغنيناها, ومازالت لحننا الآسر حتى اليوم . كبرنا.. وكبرت الاحلام معنا.. وظل الواقع صغيرا, أصيب بأمراض كثيرة, لكننا بقينا بعيدا عن كل الجراثيم بقينا معافين حتى اليوم, أو هكذا يخيل لنا على الاقل! يوم بدأنا نغزل بنيان ثقافتنا, كان الواقع دكان ورّاق لا يبيع أوراقا!! كنا يومها نتوحم على القصاصات المكتوبة, ونحلم بالكتب المصفوفة في أماكن لا تطالها أيدينا. كبرنا.. وكبر الوعي في داخلنا, شق صدورنا وارتشف كل نور النهار, وغاب ثانية فينا, فامتلأنا بهاء وأكملنا الطريق. جاءتنا كتب لا ندري من أين؟ تسربت من تحت الطاولات, كراسات وأوراق, وكان الهمس العاثر يقول بانتشاء: هذه كتب ممنوعة, اقرأوها في الظلام, دسوها بين الجلد واللحاف.. السلطة تطارد هذا الكتاب وبعض الحكومات تعتبره افيونا. وفي حمأة النهم التي كان يمنحنا إياها ذلك العمر الغض, وفي عمق الحرمان من حياة ثقافية منفتحة ومفتوحة, كان الفكر مغيبا, ومدججا بهذا الخواء والضلال القائم على السري والممنوع والمصادر ولم ينعدم الصواب يوما, كما لمن ينعدم ابدا, ولكن العمر يشتهي التوق وينمو في المشاكس والمخالف والمعاند. بعضنا قادته الضلالة من يده على مهل وادخلته قلاع الدهشة والغرابة, وبعضنا كان الضلالة عينها! وكنا من الذين جربوا قراءة كل شيء, واظن اننا كنا الأوفر حظا. وذهبت أعمار بأهلها, وسافرت في العمر أقمار وشموس, واطلت نهارات ومضت أمسيات, وبقينا على عهدنا نسعى ويسعى الحلم أمامنا فتيا معافى, كنا دائما نحفظ المسافة بيننا وبين أحلامنا ونعلم بأنها يجب الا تتسرب من بين اصابعنا والا نفرط فيها. فلم نسقط نحن, ولم تنكسر احلامنا. اليوم, وبعد أزمان دار فيها ما دار, وحدث فيها ما حدث, يطل علينا من يتحدث عن رواية ممنوعة, وكتاب مصادر, وقصة محاصرة, ومجلة سرية! الا تزال هنالك أشياء رهن المصادرة والمنع في هذا العالم؟ أعجب حتى يكاد يقتلني ظمأ الحقيقة, ما الذي بقي لم يعرف بعد؟ يبدو ان الديناصورات لم تنقرض جميعها! إذ يبدو واضحا ان هناك انواعا منها مازالت تعيش بيننا ونعتقد بخرافات عهد الامين والمأمون وابن حنبل وفتنة خلق القرآن!! ما عدنا بحاجة لمن يرصدنا من الخارج, ومن يدعي انه (يعرينا) في مرثياته وابداعاته لوجه الله والتاريخ والحقيقة, فذلك الذي يكتب رواية طويلة يتباهى بأنها منعت, أود لو اعرف ماذا فيها كي تمنع؟ لقد قرأنا حتى تشبعنا, وابتذلنا القراءة حتى ما عاد شيء يؤثر فينا او يجعلنا نتهالك عليه. لم نعد أبناء النفط والصحراء والجهل, كما يصورنا البعض, وبودي لو اصرخ في كل الذين (يكتبوننا) من خارج غلافنا الجوي: اكسروا اقلامكم.. فما عدنا نصدق دجلكم وابتزازكم.. صرنا محصنين بما فيه الكفاية.. وسعيكم ليس سوى زرع في الملح وحرث في الهواء.

Email