حول قانون الخدمة المدنية: بقلم - عبد الرحيم الشاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تضمنت المادة الثالثة من مشروع قانون الخدمة المدنية الاتحادية المقترح تقسيم الوظائف العامة الاتحادية الى مجموعات نوعية مختلفة طبقا لنظام توصيف وتصنيف الوظائف العامة ووفقا لما يقرره مجلس الوزراء في هذا الشأن. هذا وقد أصدر مجلس الوزراء القرار الوزاري رقم (5) في 15 مايو 1991 في شأن نظام توصيف وتصنيف الوظائف العامة الاتحادية في الوزارات الاتحادية. والذي في ضوئه تم تقليص عدد المسميات الوظيفية من اكثر من (4000) مسمى وظيفي الى (12) نوعية وظيفية و(86) فئة وظيفية و(434) مسمى وظيفيا. ويلاحظ على نظام توصيف وتصنيف الوظائف العديد من الاستثناءات التي وردت في مجال التطبيق العملي لعل من أهمها تم استثناء وظائف الادارة العليا (وكيل الوزارة, وكيل الوزارة المساعد) من نظام توصيف وتصنيف الوظائف, وترك وفقا لما يقرره مجلس الوزراء بشأنهم. بمعنى ان التعيين في هذه الوظائف القيادية العليا لا يخضع لشروط المؤهل العلمي او الخبرة. ونعتقد أن هذا الاستثناء لوظائف القيادات الادارية العليا وهي تمثل قمة الهرم الاداري من شروط المؤهل العلمي او الخبرة لن يخدم العملية التنموية وسيؤثر على رفع كفاءة الجهاز الاداري, الذي يحتاج في شاغلي تلك الوظائف الى تخصصات ومؤهلات علمية وخبرات عملية قادرة على ادارة عجلة العمل الاداري بكفاءة وفعالية, ولديها المقدرة على رسم الخطط المستقبلية ووضع البدائل المناسبة لمزيد من الانتاجية والكفاءة لأن فاقد الشيء لا يعطيه. كما تضمن نظام توصيف الوظائف استثناء بعض الوظائف في مجال التطبيق وتخضع لقرارات مجلس الوزراء اللائحية المتعلقة بالتعيين وهي (الوظائف التعليمية المساعدة, الوظائف الطبية والطبية المساعدة, وظائف الطب البيطري, الحاسب الآلي, السواقين). كما نص نظام التوصيف ايضا على ان هذه المجموعات النوعية وفئات الوظائف ليست على سبيل الحصر, وانما يجوز بقرار من مجلس الخدمة المدنية الاتحادية اضافة مجموعات نوعية او فئات وظائف جديدة في هذا النظام, كما يجوز له دمج بعض المجموعات النوعية وذلك بعد اجراء الدراسات اللازمة من قبل دائرة شؤون الموظفين وبالتعاون مع معهد التنمية الادارية. كما أصدر وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في عام 1991 القرار الوزاري الخاص بتحديد الضوابط والقواعد الاساسية لتسكين الموظفين والمستخدمين في الخدمة المدنية. هذا وقد تم وضع خطة عمل لنظام توصيف وتصنيف الوظائف حيث تم مخاطبة جميع الوزارات لترشيح الموظفين المعنيين بتطبيق وتنفيذ نظام توصيف وتصنيف الوظائف من النواحي النظرية والعملية ومناقشة كافة المعوقات التي يمكن ان تعترض عملية التنفيذ وكيفية مواجهتها ووضع الحلول المناسبة لها وذلك بالتعاون مع معهد التنمية الادارية, وتم تنفيذ النظام على مرحلتين. بدأت المرحلة الاولى من عملية التنفيذ عام 1991 بالمجموعات النوعية التي تشكل القاسم المشترك بين معظم الوزارات وهي المجموعة النوعية للوظائف الادارية والادارية المساعدة, المجموعة النوعية للوظائف المالية والاقتصادية, المجموعة النوعية للوظائف الحرفية والخدمات المعاونة. وتم اعادة تسكين العاملين في المجموعات النوعية وفقا لاستمارة خاصة تم تصميمها لذلك. وعلى ان يتولى فريق العمل المختص بالوزارة المعنية اقتراح المسمى الوظيفي الملائم بعد التشاور مع المختصين بالوزارة والمسؤولين بدائرة شؤون الموظفين لاقراره في شكله النهائي. وبدأت المرحلة الثانية من عملية التنفيذ من نوفمبر ,1993 وفي هذه المرحلة اختصت كل وزارة بتنفيذ مجموعاتها النوعية الخاصة بها والتي لا تشترك فيها مع وزارات اخرى وذلك بالتنسيق والتعاون مع دائرة شؤون الموظفين. والمفروض انه تم الانتهاء من عملية التسكين في كافة الوزارات الاتحادية وعلى مختلف المجموعات النوعية . ان احتياجات الخدمة المدنية الاتحادية من الموظفين أصبحت مبنية على حسن اختيار افضل الكفاءات والعناصر المؤهلة والمدربة لشغل الوظائف العامة باقرار نظام توصيف وتصنيف الوظائف وتضمين هذا النظام في مشروع قانون الخدمة المدنية المقترح ولاشك ان ذلك سيساهم في اكتشاف مواطن الخلل والقصور, ويستدل على اماكن التضخم الوظيفي في الخدمة المدنية سواء على مستوى الوزارة او القسم داخل الوزارة, كما سيساعد ذلك في معرفة حجم ونوعية الوظائف التي يمارسها المواطنون, والوظائف التي يزيد فيها غير المواطنين. الامر الذي يساعد على رسم سياسة للاحلال والتوطين. وايضا التجاوب مع احتياجات الوزارات من الوظائف المستحدثة. مما سيحد من التضخم الوظيفي والتعيين العشوائي, خاصة وانه تم اقرار الهياكل التنظيمية لجميع الوزارات الاتحادية. وعليه سيتم الاخذ بالاعتبار التخصصات العلمية ومدى علاقتها بطبيعة الوظائف المراد شغلها, ورغم أننا لم نلمس ان نظام توصيف الوظائف قد احدث تغييرات جذرية في تسريع عملية واجراءات التوظيف, وفي استحداث وظائف جديدة, وفي تحديد حجم الوظائف وتحديد مسمياتها, كما انه لم يساهم للان في تطبيق سياسة واضحة للاحلال والتوطين في الوظائف العامة. بالرغم من كل ذلك الا اننا نعتقد ايضا ان اقرار مشروع قانون الخدمة المدنية المقترح سيساهم في زيادة سرعة عجلة التوطين ورسم سياسة للاحلال, مع ايماننا ان هذا الامر لن يتحقق بصورة عاجلة, وانما المتأمل ان يتحقق بصفة تدريجية شريطة ان تتصف خطط الاحلال التدريجية بوضوح الرؤية المستقبلية وببساطة الاجراءات كذلك, فالتشريعات وحدها لا تكفي ولكن لابد من ايمان القيادات الادارية بضرورة واهمية التغيير, الامر الذي يتطلب في حالات كثيرة اعادة النظر ليس بالتشريعات والقوانين فحسب بل ايضا بالقيادات الادارية نفسها ومدى اهميتها في ادارة العملية التنموية وخصوصا تلك القيادات العاجزة على ممارسة دورها ومسايرة عمليات التغيير والتقدم المجتمعية, والتي يجب عليها ان تنتحى جانبا وتعطي زمام المبادرة للقيادات الشابة المؤهلة علميا وعمليا لتلعب دورها الوطني وتتحمل مسؤوليتها الوطنية في دفع عجلة التنمية ورفع كفاءة الجهاز الاداري وتطوره.

Email