بين أمريكا وإسرائيل وشروط استمرار التسوية : بقلم - د. شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعطي الخطة الامريكية اسرائيل الكثير, اذ تقدم مساحة انسحاب اقل بنسبة 10% مما كان متوقع في اتفاق اوسلو مع هذه المرحلة وهو اقل مما يطالب به الفلسطينيون بالطبع اذ كان عرفات يطالب 30% انسحاب ولكنه قبل 13% وفق المبادرة الامريكية, كما وتقدم الخطة الامريكية لاسرائيل ضمانات عدة مفادها ان يكون الانسحاب الاسرائيلي على مدى ثلاثة شهور يقوم الفلسطينيون اثناءه بأخذ اجراءات ضد (الارهاب) وبأخذ اجراءات تعزز أمن اسرائيل, اذن كانت اسرائيل تريد هذه الخطوات من الفلسطينيين فقدمتها لها الخطة الامريكية, كانت اسرائيل تريد الغاء الانسحاب الثالث الذي كان يجب ان يتم قبل المفاوضات النهائية فقدمتها الخطة الامريكية في اطار بدء المفاوضات النهائية مباشرة, بل ان الخطة الامريكية تطرح امتناع السلطة الفلسطينية عن القيام بالتحريض على اسرائيل واعادة التنسيق الامني الفلسطيني الاسرائيلي, وانشاء لجنة تحقيق في قضايا الاسلحة وتهريبها الى مناطق السلطة, وانشاء لجنة امنية امريكية اسرائيلية فلسطينية بحيث تكون الولايات المتحدة حكم في الخلافات, واعادة التأكيد على محو الفقرات من الميثاق الوطني التي تدعو لتحرير كل فلسطين, كل هذا جاء مع الخطة الامريكية, ولكن لماذا فشلت محادثات لندن اذن؟ الخطة الامريكية فشلت مرحليا وذلك لان نتانياهو عاجز كل العجز عن اقناع حكومته او عن التعامل بروح قيادية مع المتشددين والمتطرفين في حكومته لان التنازل عن الارض يشكل اكبر تحد للعقلية اليمينية الاسرائيلية, وهذا مربط الفرس بالنسبة لليمين: انه ينطلق من ان الارض له, لهذا تقوم سياسة نتانياهو على كسب اكبر وقت ممكن وتأجيل كل قرار يتضمن انسحابا. لهذا جاء الضغط الامريكي الذي عبر عن نفسه بالتمسك بانسحاب اسرائيلي يبلغ 13%, اضافة الى التهديد الامريكي باعادة رسم شكل واسلوب السياسة الامريكية تجاه السلام, اضافة لالقاء الرئيس كلينتون لكلمة في مؤتمر للعرب الامريكيين وتصريح هيلاري كلينتون حول الدولة الفلسطينية ليشكل حالة اختبار صعب لنتانياهو, ان هذا الضغط على هدوئه ومحدوديته هو الوحيد القادر على جعل نتانياهو يقبل بما لا يحب ان يقبل به وبالتالي جعل نتانياهو التوقف عن رقصه التأجيل والمماطلة التي صار لها اكثر من 16 شهرا, وهذا بدوره سوف يفرض على جدول اعمال نتانياهو استمرار العملية السلمية في الشرق الاوسط, وهذا هو المقصد الامريكي. الاسرائيليون اليوم منقسمون بين 41% مع الافكار الامريكية, 43% ضد 11% لا رأي لهم, الاسرائيليون يقولون ان 22 مستعمرة ستصبح تحت رحمه الجانب الفلسطيني عند الانسحاب من 13% من الاراضي بينما وافق نتانياهو على 11%باستثناء المستعمرات, وهنا يركز روس الان على كيفية اقناع نتانياهو بأن 13% لا تعرض امن اسرائيل او امن المستعمرات للخطر, وفي استقصاء اكد 80% من اليهود الامريكيين تأيدهم لسياسة كلينتون ولضغطه على اسرائيل, فيما عارض 18% الامر. ومن جهة اخرى يعرف نتانياهو جيدا انه عليه الآن ترتيب اوراقه بعد ان بدأت تسقط ورقة الوقت والتأجيل, وكل الحديث عن استقلال اسرائيل كلام له حدوده, فنتانياهو يعرف جيدا ان اكبر خطر على امن اسرائيل هو خطر الابتعاد عن الولايات المتحدة والتصادم معها, اما عرفات فقد كسب حتى الآن من الاصطفاف مع المبادرة الامريكية مما وضع نتانياهو واليمين في موقف صعب مع الولايات المتحدة, وقد كسبت السلطة الفلسطينية نسبيا على الصعيد العالمي كما كسبت مع الكثير من يهود امريكا ويهود السلام الاسرائيلي الذين تضايقهم سياسات نتانياهو, وقد كسب الجانب الفلسطيني ايضا من تصريح هيلاري كلينتون حول الدولة الفلسطينية وقيامها في المستقبل. الخطة الامريكية تضمنت اذن انسحابا اسرائيليا على مدى 12 اسبوعا من 13% من الارض, وذلك من خلال عملية نقل اراض من مناطق تحتلها اسرائيل في الضفة تصنف اراضي (ج) اي واقعة تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة الى مناطق فلسطينية تصنف (ب) اي مناطق تحت سلطة الفلسطينيين السياسية والادارية ولكن امنيا لاسرائيل دور امني فيها, ويسيطر الفلسطينيون الآن على 24% من الضفة ضمن تصنيف (ب) حيث التنسيق الامني في تلك المناطق يتم مع اسرائيل من خلال دوريات مشتركة وحواجز, اما المناطق (أ) فهي المناطق التي تقع سيطرة السلطة الفلسطينية السياسية والامنية الكاملة وتبلغ مساحتها 3% من الضفة وهي اساسا المدن الفلسطينية. ان سعي منسق المفاوضات الامريكية روس الاساسي الآن هو في اقناع نتانياهو الذي وافق بصعوبة على الانسحاب من 11% على الموافقة على 2% اضافية وهي منطقة فيها 22 مستعمرة بشرط ان تكون الاجراءات الامنية في مناطق المستعمرات بيد الاسرائيليين, اذن بهذه الحالة تكون تلك المنطقة وهي 2% بيد الفلسطينيين اداريا وسياسيا ولكن الامن الاسرائيلي فيها مرتفع بسبب المستوطنات. لهذا ان القول بان الاتجاه نحو الحل بين الفلسطينيين والاسرائيليين قائم هو قول في مكانة, نعم هناك اتجاه لانقاذ الوضع يتم على هدي المبادرة الامريكية المقرونة بالضغط والتلويح بالمزيد منه. ان الصراع الراهن بالنسبة لنتانياهو يتضمن محاولة مستميته لرسم حدود للضغط الامريكي عليه وذلك من اجل كسب هامش اكبر من المناوره في مفاوضات المرحلة النهائية التي يخشى ابانها نتانياهو من ضغط امريكي اكبر واشد, ولكن بامكان نتانياهو لو قبل 13% ان يقول لجمهوره بانه حقق لاسرائيل اكثر بكثير من حزب العمل, فوفق اوسلو ان المساحة التي يجب ان تنسحب منها اسرائيل قبل المفاوضات النهائية تبلغ 50% اما نتانياهو فبامكانه ان يقول انه سيدخل المفاوضات النهائية (بعد 13%) في ظل سيطرة السلطة الفلسطينية على 40% من الضفة الغربية, وبامكانية ان يقول انه ابقى في يده 60% ليساوم الفلسطينيين بها في مفاوضات الحل النهائي على القدس واللاجئين والمستوطنات والسيادة والحدود. استاذ السياسة في جامعة الكويت*

Email