أبجديات: بقلم - عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لنعترف بشجاعة, وبشيء من اللياقة النفسية البعيدة عن مطبات وحواجز الحساسية, لنعترف منذ السطر الاول ــ وسريعا ــ قبل فوات الوقت, وقبل ان يباغتنا العام الاول من القرن المقبل . في اول السطر ـ نقول وعلينا من الله والسلطات كل الامان ـ ان في اغلب مؤسساتنا ومكاتبنا لا نحتاج الى كل ساعات الحضور المقررة على الموظفين. فالموظف الذي حقت عليه (لعنة) السبع ساعات عمل, لا يعمل او لا ينتج في يومه الا بما معدله... ساعتان او ثلاث لا أكثر, والباقي يتوزع على مهام انسانية وترفيهية اخرى كشرب الشاي والقهوة وتبادل الزيارات بين المكاتب, وكثير من ثرثرة الهواتف النقالة وغير النقالة, والكثير الكثير من القيل والقال, وكثرة السؤال ــ فيما لا يهم ــ ويتبعثر اليوم بأوقاته على ارض المؤسسة التي لا تمسك ماء ولا تنبت شجرا. في نفس السطر نكتب ــ وعلينا الامان طبعا ــ بأن بعض المديرين والمديرات يستفيدون من هذه الاوقات الطويلة في التضييق على الموظفين والموظفات, والتنغيص عليهم, بأوامر ونواه لا مبرر لها, لانهم لابد ان يشعروا بأنهم مدراء أولا وثانيا لأنهم لا يجيدون افعالا اكثر فائدة! ومازلنا في نفس السطر, فنسأل على سبيل المثال: يأتي معلم او معلمة لسيادة المدير او المديرة وقد انتهى من اداء حصصه, واكمل الواجبات المترتبة من تصحيح وتحضير, ومسح السبورة, وحيّا العلم, وقال النشيد الوطني, وكان ملتزما طوال النهار جانب الحائط فلم يسمع همسه في شكوى او تبرم او احتجاج على المدير او المساعد او الفراشين, حتى انه رسم كل الوسائل التعليمية لدرس الغد.. ويريد الانصراف, فلديه اشغال ملحة او معاملات هامة ولا يضير احدا لو انصرف لاتمامها... وبالتأكيد فان امن الدولة والمرور وقوانين العمل والشؤون الاجتماعية لن تتضرر لو انصرف. لكن المروءة المهنية واخلاقيات العمل! تأبى على المدير ان يتهاون مع هذا الذي يريد المروق على القوانين ومخالفة اشارات المرور... ويأتيه الرد: ليس قبل بداية الحصة السادسة يا استاذ!! علما بأن الوقت كان تمام الحصة الثالثة والنصف صباحا! هذا يؤكد ما جاء في السطر الاول ان الاوقات اكثر من الواجبات والدليل ان الموظف انهى عمله قبل منتصف وقت الدوام المقرر, فماذا عليه ان يفعل بقية النهار؟ طغيان اداري وتعسف لا مبرر له على الاطلاق. المدارس عينة لا اكثر, والوضع ليس بأحسن حالا في بقية المؤسسات, المدير او الرئيس او المسؤول, يصب جام غضبه لأن الموظف المسكين قابع خلف مكتبه بلا عمل, لأنه يا سيدي المدير قد انهى عمله منذ زمن وليس لأنه متهاون او سارق لوقت العمل... فمنذ السابعة والنصف وحتى الحادية عشرة صباحا... المدة كافية لانجاز نوعية الاعمال التي نعرفها. هل هي مشكلة الموظف, ام مشكلة المؤسسة ام مشكلة النظام الاداري بأكمله؟ الموظفون يقولونها داخل المكاتب وخارجها وبصراحة تامة: نذهب ونعود ولا عمل, نقرأ الصحف ونشرب القهوة والشاي و(نغازل) في التلفونات حتى آخر الدوام... المهم ان نستلم المرتب آخر الشهر! مصيبة, بل كارثة ان يهدر العمر وتضيع الطاقات في هكذا قناعات وفي هكذا استراتيجيات... اذا كانت هذه استراتيجية من الاساس! الصحيح ان ينتهي الوقت ولا ينجز العمل لأنه كثير او متشعب او يريد بحثا وتنقيبا وتطويرا و.... عندنا ينتهي العمر والعمل... ولا ينتهي الوقت. نتدارك في السطر الاخير فنقول ــ ربما ــ لأننا لا نعمل كما يجب ان يكون العمل, او كما يعمل الآخرون.

Email