على خلفية الموافقة الإسرائيلية على القرار 425: صراع الارادات في لبنان: بقلم - ماجد كيالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يواصل بنيامين نتانياهو وحكومته التلاعب بعملية التسوية على مختلف المسارات مستفيدين الى اقصى حد من التلكؤ الامريكي, ومن ضعف مستوى المواجهة العربية, كما من انحسار المعارضة الاسرائيلية . في هذا السياق يمكن فهم المبادرة الاسرائيلية الجديدة ــ القديمة ازاء الانسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة ولعل اسرائيل تسعى الى تجميل صورتها على الصعيد الخارجي بطرحها مبادرة تتضمن الايحاء بالاستعداد للانسحاب من اراض محتلة وفق شروط معينة في مناورة واضحة منها للتخفيف من وطأة شعارها (السلام مقابل السلام) والايحاء للعالم بان لدى اسرائيل ما تقدمه لعملية التسوية بعد الجمود الذي احاط بها, وتأمل اسرائيل من وراء تحريك المسار اللبناني التعويض عن جمود المسارين الآخرين: (الفلسطيني والسوري) اذ ان حكومة نتانياهو خاضت الانتخابات ببرنامج يتضمن التعهد بعدم الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة والحفاظ على ما يسمى ارض اسرائيل الكاملة, كما تعهدت بعدم الانسحاب من الجولان باعتباره ضرورة استراتيجية حيوية لاسرائيل, لذلك فإن الحكومة الاسرائيلية بسبب تعهداتها ومنطلقاتها الايديولوجية تجد نفسها غير قادرة ولا معنية بالتقدم على هذين المسارين, بينما هي تستطيع التحرك بحرية على المسار اللبناني في اطار شروط ومعادلات معينة خاصة وان اسرائيل عبرت مرارا وتكرارا, عن تبرمها وعن نفاد صبرها من تلازم المسارين: السوري ــ اللبناني, وهي التي كانت قد فرضت, بدعم من الولايات المتحدة الامريكية, صيغة المفاوضات الثنائية بين الاطراف العربية, كل على حدة, من جهة, واسرائيل من الجهة المقابلة, كما فرضت عدم التلازم بين المسارات ومع الاخذ بعين الاعتبار لكل هذه الدوافع الهامة يجب التأكيد على حقيقة اساسية وهي ان تصاعد اعمال المقاومة والخسائر الباهظة التي تتكبدها اسرائيل يوميا في الاراضي اللبنانية المحتلة, هي التي تقف وراء هذه المبادرة, فهذه المقاومة جعلت الاحتلال مكلفا للغاية, وعمقت الجدال الداخلي الاسرائيلي بهذا الشأن, والذي وصل الى حد ان تيارات اسرائيلية هامة باتت تطالب جهارا بالانسحاب من (المستنقع) اللبناني ولو من طرف واحد. الخلفية السياسية اما الخلفية السياسية التي تقف وراء فكرة (لبنان اولا) فهي تنبع من الفلسفة التي يعتمدها نتانياهو وحكومته ازاء عملية التسوية والتي يمكن تمثلها بالمنطلقات التالية: 1) تبني مفهوم امن اسرائلي اولا, بمعنى تفضيل مقولة (امن مع الجولان, على مقولة سلام بدون الجولان) وينطبق هذا الكلام ايضا على مسألة الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة, حيث ترفض حكومة نتانياهو هذا الانسحاب جملة وتفصيلا وتعتبر هذه الاراضي جزءا من (ارض اسرائيل الكاملة) وتنظر اليها باعتبارها ملكا مقدسا للشعب الاسرائيلي لا يمكن التنازل عنه, هذا من الناحية الايديولوجية, اما من الناحية الامنية فترى اسرائيل الانسحاب من العمق الذي تمثله الضفة الفلسطينية المحتلة بمثابة انتحار, لانه يحرم اسرائيل من عمودها الفقري ويجعلها مجرد شريط ساحلي مما يضعها تحت رحمة اي هجوم عربي محتمل من الشرق, قد يتمكن من قطعها الى اقسام هذا فضلا عن اعتبار اسرائيل لموارد المياه في الضفة جزءا استراتيجيا من امنها المائي. 2) ترفض الحكومة الاسرائيلية ابداء اي قدر من التنازل للعرب, حيث ترى في نفسها القدرة على تجاوزهم وبالتالي تجاوز عملية التسوية من اساسها, بفضل اعتمادها على قوتها وعلى قدرتها على الردع الذي يضمنه تفوقها النوعي في مختلف المجالات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية, وعليه فإن هذه الحكومة ترى في قوة اسرائيل الضمانة الوحيدةلاستقرار هذه المنطقة المتقلبة, وليس الاتفاقات والمعاهدات, وهذا يفترض بقاء اسرائيل كرصيد استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة وضمان هيمنتها وتفوقها فيها, باعتبار ذلك الضمان الحقيقي لاي سلام! 3) تتبنى الحكومة الاسرائيلية الجديدة فكرة (القبول غير المشروط من قبل العرب باسرائيل) وهذا يعني الخضوع ايضا للتصورات الاسرائيلية المتعلقة بعملية التسوية وبالترتيبات الاقليمية وترى اسرائيل بان هذا القبول هو الذي يخلق لدى اسرائيل الثقة في جيرانها ويخلق لديها نوعا من الامان الذي قد يشجعها مستقبلا على تعديل مواقفها وابداء بعض التنازلات! 4) تنبني هذه الفكرة (لبنان اولا) على خلفية رؤية اسرائيل لمواجهة التحدي الاستراتيجي الذي تمثله سورية, سواء موقفها المتمسك بضرورة الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي العربية المحتلة, او موقفها الرافض لمحاولات الهيمنة الاسرائيلية في المنطقة, ومن المعروف ان حكومة نتانياهو تبذل جهدا لدى الولايات المتحدة الامريكية واوروبا لمعاملة سورية على اعتبارها دولة تستحق (العقاب!) وذلك في محاول لابتزاز سورية وعزلها بممارسة مختلف اشكال الضغوط السياسية والاقتصادية عليها, كما وصل الامر الى درجة ان اسرائيل لم تعد تخفي محاولاتها لاقامة حلف مواجه لسورية بالتعاون مع بعض الدول الاقليمية في المنطقة. 5) تلبي اسرائيل في هذا الطرح غرضا داخليا حيث تحاول الترويج لمنطقها بأن الامن هو اساس السلام, وليس العكس, اي السلام الذي يجلب الامن, كما كانت تطرح حكومة بيريز, ومن الجهة الثانية فان نتانياهو وحكومته يحاولان من وراء هذه المبادرة امتصاص التحركات الاسرائيلية المتنامية التي تطالب بالخروج من لبنان. من كل ذلك يمكن الاستنتاج بأن المبادرة الاسرائيلية القديمة ــ الجديدة, ستكون في هذه المرحلة مجالا للتجاذب والصراع بين الاطراف المعنيين وستعمل حكومة نتانياهو كل ما بوسعها من اجل تسويق هذا المشروع, وبينما تجد اسرائيل نفسها في وضع مريح نسبيا وضعت الاطراف المقابلين في مأزق صعب للغاية, فلا هم يستطيعون الظهور بمظهر الرافض للانسحاب الاسرائيل (ولو المشروط او الملغوم) ولا هم يقبلون الانصياع للاملاءات الاسرائيلية, وعليه فان هذا الخيار سيبقى في المدى المنظور مجالا للصراع بين الارادات للاطراف المعنيين, وهو بالاخص صراع مفتوح بين الارادة السورية والعربية من جهة, والارادة الاسرائيلية من الجهة الثانية, إن بالنسبة للانسحاب من الاراضي العربية المحتلة, او بالنسبة لشكل الترتيبات الاقليمية الناجمة عن عملية التسوية.

Email