مع الناس : بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الدنيا من وسع الله عليه بالمكانة والمال أو بأحدهما, أو براحة البال والطمأنينة والصحة والزوجة الصالحة والأولاد المطيعين, كما أن هناك من ضيق عليهم في الرزق والمنزلة أو بأحدهما, أو أخذ منه الراحة والصحة وغير ذلك, حيث الله يرزق من يشاء بغير حساب ويذل من يشاء , وله في خلقه شؤون. غير أن هذه ليست خطبة كما قد يعتقد قارىء فيظن أنني تحولت إلى إمام مسجد أو خطيب أو واعظ, وانما دردشة نخفف بها عن نفوسنا والقراء بعد أسبوع من العمل, عملا بالمأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم: روحوا عن قلوبكم ساعة بعد ساعة فإن القلوب إن كلت عميت, وقلوبنا لا تحتاج إلى مزيد, فالقلب من الحامض لاوي. وبما أننا بدأنا بالسعة, فمنها المكان المريح الذي لا يجده كل من ترك بطنه يتهدل وجسمه يترهل من غير حساب ولم يراقب ما يدخل جوفه فزاد وزنه عن كل مقاس معروف, فلا يسعه لاحذاء ولا ثوب ولا قميص ولا مقعد طائرة أو باص, كالمرأة التي صعدت إلى حافلة فجلست قرب احدهم, فقال هذا لصديقه مازحاً: ما كنت اظن ان هذه السيارة صالحة لنقل الفيلة, دون ان يفطن إلى لسانها, فردت عليه بسرعة: هذه السيارة مثل سفينة نوح يدخل إليها كل أنواع الحيوانات من الفيل إلى الحمار. أما السعة في الرزق فنجد أمثلتها عند الأثرياء خاصة هذه الأيام, فبعض هؤلاء من ثرائهم لم يعد اسم مليونير مناسبا لمقاسهم, فأفقر واحد فيهم بليونير, ومن زاد فهو من مقام تريليونير, جمع ماله فلسا فلسا, وهو الذي احس في احدى الحفلات العامة بيد تمتد إلى جيبه فأمسك بها بقوة, ولاحظ ذلك أحد الحراس الذين هموا بالقبض على النشال, غير أن الثري همس في أذن الحارس: دعه, فقد بدأت حياتي مثله. وبمناسبة الأثرياء فقد قرأنا عن الثري العربي الذي حجز منتجعا بكامله في جزر سيشل لاقامة احتفالات بالذكرى الخمسين لزواجه, ما يجعله ثريا نادرا في الاخلاص لزوجته, لان صمود زواجه كل هذه السنين لا يتفق وسمعة اثرياء اليوم, إلا اذا كان القصد الاحتفال بزواجه الخمسين, فيصبح الخبر اكثر صحة ومصداقية, خاصة أنه لم يثبت حتى الان ان هناك من الرجال من يتذكر تاريخ زواجه, وإذا تذكره فبوصفه اليوم الأسود. مع ذلك ففي الخبر مفارقة, لا تعود إلى عمر الثري الذي من الممكن أن يكون الان ثمانين عاما أو سبعين على افتراض انه تزوج وعمره ثلاثون عاما أو عشرون على التوالي, فيندهش احدنا عن سر حيويته المستمرة حتى قبل ظهور (فياجرا) إلى الوجود, وانما المفارقة في انه يحتفل بخمسين زواجه في العام نفسه الذي يحتفل فيه العرب بخمسين عاما على النكبة في فلسطين, لولا انه كما هو واضح لا يعتبر زواجه نكبة في حياته, فنحييه على انتصاره من حيث هزم العرب. المتشائم منا سوف يدين هذا الثري باعتبار ان زواجه كان فأل نحس على العرب أدى إلى نكبتهم على يد العصابات الصهيونية قبل خمسين عاما, فهذا هو الذي يعتبر الزواج شرا, ومنهم الذي تزوج امرأة قصيرة ونحيفة الجسم فسأله أحدهم معاتباً: انك وجيه وميسور واغلب النساء يتمنين ودك, فلماذا تتزوج هذه المرأة القصيرة صغيرة الجسم؟ فرد عليه: يا أخي أن المرأة شر وكلما قللت من الشر كان خيرا. وبدأنا بالسعة في المال فنختم بالذي يحلم بها فلا يجدها فتمنى لو يرزقه الله امرأة غنية يتزوجها فتنتهي آلامه وفقره وجوعه, وهكذا حتى جاء يوم شاهدته امرأة تقود سيارة رولز رويس يمشي على الرصيف فوقفت ودعته إلى داخل السيارة, فلبى مبهورا بعقد اللؤلؤ في عنقها وبمظاهر الثراء وهو يمني نفسه بقرب تحقيق حلمه, وفي البيت طلبت منه خلع ملابسه فطار من الفرح غير مصدق, إلا انه فوجىء بدخولها عليه مع اولادها الصغار وهي تقول لهم: أنظروا يا أولاد ما الذي يجري لمن لا يشرب الحليب منكم.

Email