ياسمين نزار.. ومدافع يلتسين! ـ بقلم : د. أحمد القديدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعلنت اجهزة الاعلام عن وفاة الشاعر نزار قباني. من منا لم تنقش حروف هذا الاسم في ذاكرته وفي أعصابه وفي أهدابه, احبه ام لم يحبه. وافقه ام خالفه قرأه او لم يقرأه, شاعر ملأ الدنيا وشغل الناس على مدى نصف قرن , كان قباني فعلاً شاعر القرن العشرين وشاعر الحب والمرأة والعواطف والسياسة الذي اعاد الاعتبار لكلمات عربية بسيطة ساذجة فجعلها شعراً وجعلها سحراً. كان المتمرد ضد الافيون والطاغوت والظلم وفي وجه ذلك الذي اوصد الباب في وجه امرأة حبلى وأنكرها, وفي وجه بائعي بيت المقدس, وفي وجه رافعي السياط وفي وجه الحشيش والقمر وفي وجه قاتلي بلقيس ببيروت. اذكر ان فضيلة الشيخ العالم يوسف القرضاوي قرأ علينا بعض ابياته في خطبة الجمعة بجامع عمر بن الخطاب عام 1994 وكنت ارى علامات التعجب على وجوه المصلين.. والشيخ يوسف هو من أكثرنا علما وسماحة ونفاذ رؤية نعم كان نزار شاعر غزل ــ الم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يمدح شعراً بقصيدة مطلعها غزل: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول, لكن نزار كان ابن عصره فأحب وعبر بلغة عصره. وهو في نظري اكبر شعراء عصره لأنه طوع اللغة العربية الكريمة لمعالجة قضايا العصر, في العاطفة وفي السياسة وفي اذكاء لهب العروبة والاسلام ضد مظالم العصر, رحمك الله يا أمير شعراء العربية الحديثة, فقد درأت بالحسنة السيئة كحال الناس جميعاً, وجزاك الله خيراً عن لغة القرآن وعن فقراء دمشق وثوار جنوب لبنان وشهداء قانا لقد كنت صوتهم وصوتنا بالفن الصادق المتميز والكلمة النافذة الثائرة.. منذ ان قرأنا لك إبان الثورة الجزائرية قصيدة جميلة بوحيدر الى أن قرأنا لك قصيدة قانا ابان الثورة الفلسطينية رحمك الله يا جزءاً كريما من تاريخنا ويا وطن اللغة العربية ويا سليل المتنبي والبحتري واحمد شوقي.. يا مفجر عبقرية الضاد ويا مرآة جيلنا الحائر وضميرنا الحي. ان المجتمعات بلا ابداع مجتمعات بلا روح, والناس بلا عواطف ولا عواصف مجرد أشباح... وسيبقى نزار مبدعاً وزارع ابجدية الياسمين. كيريينكو أو المدفع! الذي وقع في مجلس الدوما الاثنين الماضي بموسكو جدير بالكتابة بأحرف منقوشة على رخام التاريخ عبرة لمن يعتبر من الاجيال فقد زعق الرئيس الروسي بوريس يلتسين وصرخ وضرب بقبضته على طاولة المنصة وتهدد وتوعد وارقد وازبد وكاد يقول للنواب (المنتخبين) : اما كيريينكو او المدفع! وللمدفع حكاية بين يلتسين والدوما, وهي حكاية تجدونها في صفحات كتاب جينس للارقام القياسية وفي باب ضرب البرلمانات والبرلمانيين تبدأ من اللكمات الى العصا الى المسدس الى الرشاش لتنتهي بالمدفعية الثقيلة, وكلكم يذكر مشهد الدبابة التي صدر لها امر من بوريس يلتسين بتوجيه مدفعها الى (البيت الابيض...) وهو النعت الرسمي للدوما واطلاق النار على النوافد ودك المكاتب حتى خرج (نواب الشعب) من (مجلس الشعب) رافعين ايديهم كأبطال الوسترن في شريط (كلينت ايستوود) يتقدمهم (حسب اللطيف) الذي قاد عملية العصيان الدستوري ضد القيصر الجديد.. نعم المدفعية ضد الديمقراطية والنار الحية ضد الحرية وقد تحلى النواب المحترمون هذه المرة بالحكمة (الخوف سيد الحكمة) وقرروا تتويج رئيس الحكومة الشاب ذي الخمسة والثلاثين شتاء (نظراً للبرد القارس في موسكو) بعد ان ترددوا واعلنوا عدم تصديقهم على هذا التعيين بل وذهب نائب من اقليم اوكرانيا الى حد القول ان تعيينه جاء بعد عشاء دافىء لبوريس يلتسين في ليلة باردة. تشي جيفارا ماليزيا في العام الماضي احتفل شباب العالم وكهوله وفي عقر ديار اوروبا وامريكا واليابان بالذكرى الثلاثين لمقتل (الكومندنتي تشي جيفارا) ذلك المتمرد الوسيم الملتحي وليد الاورغواي والذي كان رفيق سلاح ثم وزيرا للرئيس الكوبي فيدال كاسترو. وبيعت الملايين من أغنية امريكية لاتينية عنوانها كومنتدنتي تشي جيفارا, والملايين من القمصان المزينة بصورته.. ولكن رئيس الوزراء الماليزي الدكتور مهاتير محمد احيا هذه الذكرى بطريقته الخاصة, فقد أعلن ان العولمة التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية هي عولمة امبريالية وجائرة وساحقة للفقراء والكادحين.. وهذه اللهجة لهجة جيفارية, بل كان فضل جيفارا ان تفطن الى تلك الحقيقة قبل سواه ورفعها شعاراً في حرب العصابات والادغال التي راح ضحيتها في بوليفيا عام 1967. ها هو مهاتير محمد الليبرالي رجل الاقتصاد الحر والسوق الحرة يستعمل مصطلحات وشعارات تشي جيفارا الماركسي الثائر بل وحامل السلاح ضد العولمة الامبريالية, فهل انتهى تماماً عصر الايديولوجيات وهل اصبحنا نرى كل عاقل حكيم ــ ثوريا كان في الادغال او رئيس حكومة في سدة الحكم ــ يشكك في نوايا العولمة التي بدأها صندوق النقد الدولي بالثورات التي تسبب فيها عندما فرض سياسات الترفيع في سعر العيش والرز؟ ها هو مهاتير محمد يكرر بأن الفقراء يزدادون فقراً والاغنياء يزدادون غنى.

Email