لماذا هذه الحرب المحتومة؟ بقلم : عبدالله محمود حسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومن ثم ما عرف بمنظومة الكتلة الشرقية او الاشتراكية غدت الولايات المتحدة المتسيدة الوحيدة في العالم تفعل ما تريد, دونما وازع من خوف او ردع, وازدادت بمرور الايام غطرسة وغرورا وانعكس هذا على مختلف مناطق العالم ومنها المنطقة العربية عموما وعملية الصراع العربي ــ الصهيوني بخاصة, وتجلت تلك المواقف بأبشع صور الحقد والانحياز والكراهية وماتشهده المنطقة العربية ليس اكثر من تعبير وتجسيد لتلك المظاهر العدوانية السافرة والكراهية والانحياز, والشديدة الحقد, على امتنا العربية. فلماذا وصلت الامور لمثل هذه الحالة من الحقد والكراهية؟ ولماذا هذا التكالب الامريكي على المنطقة؟ وفي الوقت نفسه محاولة الضغط والاساءة للعرب وخلق المزيد من المشكلات في طريق حياتهم وتطورهم ومن ثم الانحياز السافر والدعم اللامحدود لاعداء الامة العربية واعوانهم وفي مقدمتهم الكيان العنصري الصهيوني. ان الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة وكما عبر عن ذلك كلينتون بأن المنطقة العربية وبخاصة الخليجية تحتوي على 32% من احتياطي النفط العالمي, وهو امر لايمكن لامريكا ان تغفل او تتغافل عنه من هنا كان لابد من تعزيز الوجود الامريكي بشتى الصور والاشكال بل واكثر من هذا التفرد بموقف الزعامة في المنطقة والعالم وعدم قبول الولايات المتحدة لاي نوع من الشراكة اوالانتقاد مهما كان مصدرها ومكانها. ان ما يجري في المنطقة يتم في سياق ترسيخ العديد من الامور سواء كان ذلك بصورة مباشرة او غير مباشرة ويعود بالفائدة الآنية والمستقبلية على اعوان وحلفاء الولايات المتحدة وعليها وعلى مصالحها يرمي في مجمله الى: 1 ـ اشعار الامم المتحدة ومجلس الأمن ان القرار الاول والاخير هو للولايات المتحدة فقط, ولا يحق لغيرها اتخاذ اي موقف مهما كان ذلك الموقف, وتحجيم دور الدول الاخرى, مهما كان وزنها وكبرها, واظهار الجميع انهم مجرد صنائع ودمى ترتهن بأوامر الادارة الامريكية ومخططاتها وارادتها ولا تجرؤ على اتخاذ اي قرار او موقف يتعارض او لا ينسجم والارادة الامريكية. 2 ــ دعم الكيان الصهيوني زيادة على ما تقدمه له من دعم مادي ومعنوي واعلامي وسياسي واقتصادي واجتماعي فمن خلال تحطيم القوات العربية والاسلامية تسهل على الكيان العنصري الصهيوني عملية التفرد والسيادة في المنطقة, وبخاصة تلك القوى التي تمكنت خلال فترة من الفترات التوصل الى مفاتيح الصناعات الكيماوية والجرثومية والنووية واستطاعت تأهيل كافة الامكانيات اللازمة لتطور وتطوير الصناعات المختلفة في الكيان الصهيوني, بل وعدم السماح بمجرد الاشارة لمثل هذه الصناعات وبخاصة اسلحة التدمير الشامل والتي تنتشر في العديد من مصانع الكيان, وتتوفر لديه كميات كبيرة من مختلف تلك المواد بما في ذلك القنابل الذرية والتي تكفي لقتال قارة كاملة, ومع ذلك لا يجرؤ احد بالحديث عنها, وتحريم ذلك على الدول العربية والاسلامية حيث يتم التركيز الآن على العراق, وبعد ان تتمكن الولايات المتحدة من تصفية حساباتها مع هذه الدولة, ستنتقل الى اقطار اخرى عربية واسلامية لدرجة عدم السماح ببقاء اي كمية او صناعة قد تؤثر في يوم من الايام على الكيان الصهيوني وهو امر ترفضه الولايات المتحدة شكلا ومضمونا ولن تسمح به. 3 ــ ازالة الكيانات العربية القوية وتمزيق اوصالها وارغام كافة الدول العربية على توجيه قسم كبير من مداخيلها للتسلح من خلال حجج واهية وذرائع غير منطقية ولضمان استمرارية عمل المصانع العسكرية وبالتالي صرف الاقطار العربية عن عمليات التطور والتطوير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية البناءة والمفيدة وتحويلها الى ميادين لافائدة منها ناهيك عن النفقات التي تستوجبها عمليات بقاء او استدعاء القوات الاجنبية وتمركزها في المطارات والموانىء والقواعد العربية, تستفيد منها على الدوام الولايات المتحدة وحلفاؤها. 4ــ اعادة ترتيب المنطقة وفق الفهم والمنظور والمخططات التقسيمية الامريكية, الرامية لتجزئة الاقطار العربية, وبلقنة النزاعات المحلية وتطويرها واستشراء الحروب بين شعوب المنطقة, كما صرح بذلك عدد من رجالات الادارة الأمريكية في السابق والحاضر, ولعل حشد القوات التركية ودخولها الاراضي العراقية. في الوقت الذي تأخذ فيه الأزمة العراقية ــ الامريكية المفتعلة اعلى درجات التوتر, مع استمرار تنامي عمليات الحشد والتي ترمي من وراءها لارهاب دول المنطقة, وفرض السيادة والهيمنة, بخاصة, انها تعلم تمام العلم ان العراق لم يعد يملك اي من الأسلحة التي تمكنه من التصدي للقوات المغيرة والمعتدية, بعد ذلك الحصار المأساوي الطويل الذي لم تعرف البشرية له مثيلاً في اجراءاتها الاحترازية والمعادية للشعوب, وستكون البداية من العراق, ثم تنطلق العملية فيما بعد لأقطار أخرى, ومناطق عديدة. 5ــ تأزيم الموقف العربي مجدداً والحيلولة دون عودة العلاقات الحميمة والأخوية بين الأقطار العربية, وبخاصة بعد ان اخذت المبادرات والدعوات التي تبناها عدد من قادة الدول العربية وفي مقدمتهم صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان, للمصالحة وتنقية الاجواء ومن ثم التضامن العربي, الا ان الولايات المتحدة تحاول مجدداً توتير الاجواء وتأزيم العلاقات بين الدول العربية جراء اشاعات كاذبة وحجج لا أساس لها من الصحة. 6ــ صرف الانظار عما يجري داخل الوطن المحتل من عمليات استيطان وتوسع ومصادرة وطرد ومجازر وغير ذلك, وخاصة بعد ان اثبت الكيان العنصري الصهيوني عدم ايمانه وقناعته بالسلام العادل الشامل, وانه لا يريد البتة إقامة اي شكل من اشكال المصالحة والسلام, رغم كافة التنازلات اللامحدودة والتي قدمتها الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية وما زالوا يقدمونها, وهرولة عدد من قادة الانظمة العربية لإقامة علاقات ودية مع الكيان الصهيوني كسباً لرضى وود الولايات المتحدة, وبالتالي عدم التزام قادة الكيان الصهيوني والمدعوم من الولايات المتحدة وبشكل غير محدود, بأي التزامات سبق التوقيع عليها مع العديد من الأنظمة العربية. 7ــ تجربة منظومات الأسلحة الجديدة التي تمكنت مصانع الاسلحة من ابتكارها وتطويرها خلال المدة الواقعة ما بين حرب الخليج 1991 وأيامنا هذه, والتي لن تجد الولايات المتحدة وحتى حلفائها, مكاناً وأرضاً وفرصاً مناسبة للتجربة افضل من أرض العرب, وستكون الضحايا عربية, والخسائر المادية والاقتصادية والعمرانية وغيرها كبيرة, وهو أمر غير ذي بال بالنسبة للقيادة الأمريكية بل, على العكس من ذلك, ترمي الى حصول المزيد من الخسائر بشتى اشكالها وصورها في ارض العراق ومدنه وقراه ومنشآته وسكانه, وكما حصل في الحرب السابقة, حيث تم تجربة العديد من الأسلحة ومنظومات الاسلحة المختلفة بما في ذلك انواع عديدة من الاسلحة والبرامج والمنظومات المصنعة داخل الكيان الصهيوني (صواريخ, طائرات بدون طيار .. الخ), فإن هناك برامج ومنظومات جديدة من الاسلحة بحاجة لتجارب, مثل البرامج الالكترونية التي يسعى سلاح الجو الامريكي لاستخدامها مجدداً في القاذفات والمقاتلات الحديثة, وغير ذلك من منظومات التشويش والرصد والاستطلاع واجهزة القيادة والاتصال والصواريخ والقنابل الذكية, بل وحتى في مجالات اسلحة التدمير الشامل, حيث هناك حاجة لتجارب واختبارات على أنواع محددة, ودرجة فاعليتها, ومدى نجاحها في المناطق الصحراوية او الجبلية والمختلفة, وقدرة مهمات الوقاية والرصد والانذار والجرعات الواقية وغير ذلك, على التخفيف من الاصابة. وغير ذلك من الأمور التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها والحصول عليها خلال الأزمة المفتعلة والراهنة مع العراق, والتي لا تريد لها ان تنتهي, وحتى لو اسلمنا جدلاً, ان العراق فتح كافة منشآته ومواقعه ــ كما يجري في السابق والحاضر ــ فإن الأزمة لن ولن تنتهي, وهذا ما أشار إليه عدد من رجالات الادارة الامريكية علناً, لأن المطلوب استمرار الاذلال والاهانة للعرب والشعب العربي بشتى الصور والأساليب, والتي لن تعجز المخيلة الامريكية عن ابتداع العديد من المبررات والأسباب كل يوم, وبشكل منفرد عن رأي غالبية اعضاء ومجالس الأمن, ولو كانت الأمم المتحدة, التي لا تعدو في كونها مجرد ألعوبة في يد الولايات المتحدة وقراراتها وإرادتها, تريد إنهاء مشكلة التفتيش, لانجزت ذلك, لانه خلال سبع سنوات, ولو كان هناك جدية في الأمر لأمكن تفتيش قارات بكاملها, الا ان الولايات المتحدة لا تريد اغلاق ملف العراق, مهما قدم من تنازلات وتسهيلات للجان التفتيش الدولية وغيرها, وصولاً لما تريده الولايات المتحدة من المنطقة بأسرها, بما في ذلك العراق نفسه, وهو ما ستثبته قادمات الأيام.

Email