مع الناس ـ بقلم: عبدالحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد الرئيس الامريكي كلينتون جاء دور توني بلير رئيس الوزراء البريطاني ليمدح اسرائيل ضمن احتفالات النفاق العالمي المقامة حاليا في كل ارجاء الأرض لمناسبة مرور 50 عاما على قيام اسرائيل, أي اغتصاب فلسطين عربيا , وقد سمى بلير هذا الاغتصاب المصحوب بالنكبات والقتل والجرائم بـ(حرب الاستقلال) مما سنعود اليه, ونبدأ الان بما يمكن تسميته بالعبث السياسي الذي يعبر حاليا عن مستوى السلام والحال الذي وصل اليه. هذا العبث تعبر عنه قمة لندن اليوم, اوضح تعبير, فمادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية تطير اليها وهي تعلن فشل المؤتمر وخيبة أملها منه, وياسر عرفات يحلق اليها وهو يعلن بأنه غير متفائل وأن قمة لندن لا ينتظر منها شيئا, ونتانياهو يذهب الى القمة وقد نعاها مسبقا خاصة انه يذهب وهو مجرور اليها جرا, وتوني بلير نفسه المضيف غير واثق من نجاحها خاصة بعدما زار اسرائيل واستمع فيها الى ما استمع, فلماذا القمة اذن اذا لم تكن شيئا آخر غير العبث السياسي؟ وبما ان المواقف المسبقة كلها تشير الى فشل القمة, لا سيما نتانياهو الذي لا يمكن أن يتزحزح قيد أنملة عن مواقف التعنت والتصلب, فأن فشل القمة محتوم ولا مجال لنجاح مرتقب الا في حالة تنازل عرفات, بوصفه الطرف الاضعف, مرة أخرى عن حقوقه, مع انه قبل امس بـ13% من الاراضي حسب العرض الامريكي الا ان نجاح القمة يبقى مشكوك فيه, فينتهي المراقب العربي تحديدا الى ان القمة ليست أكثر من مسرح لينعي السلام كله رسميا, وقتل الذي يحمل غصن الزيتون نهائيا. هذا المسرح الذي ينعقد في لندن تحت أضواء الاعلام وبصر العالم, يقام في الوقت الذي تشهد فيه لندن واغلب عواصم الغرب وامريكا وصحفها واعلامها حفلات نفاق لاسرائيل بوصفها المقاتلة من اجل الحرية والاستقلال وبوصفها اعظم تجارب القرن العشرين وواحة الديمقراطية بين غابات الوحوش وفي محيط من الاعداء, ما يعطي قوة لاسرائيل لا لتقتل امكانيات ضئيلة للسلام فحسب, بل لتزهو على ضحاياها من الذين يمثلهم عرفات, طالما أن العالم كله لم يعد يتذكرهم, كما يتذكر اسرائيل وانتصاراتها وقادتها وتضحياتها من اجل الاستقلال. وبعيدا عن الصحف مثلا التي خصصت زوايا وصفحات بالكامل تحت عناوين من نوع: (50 عاما ـ اسرائيل) او (50 عاما من الاستقلال) مع شعار وعلم اسرائيل وغير ذلك, فيعدد كل منها أمجاد الدولة العبرية, فان رؤساء دول بما يكيلون لاسرائيل من نعوت وأوصاف, وكأن العالم ليس به من دولة اخرى غيرها, حتى وهم يلوون أعناق الحقائق, انما ينفخون فيها مزيدا من الغطرسة والعنصرية بما يكفي لقتل أية امكانيات للسلام. فبعد كلينتون فأن توني بلير مثلا الذي حضر احتفالا في لندن مؤخرا اقامته السفارة الاسرائيلية برفقة وزرائه بالكامل, وصف اقامة اسرائيل بأنه (واحد من ابرز الاحداث واكثرها اعجازا في عصرنا) ووصف الاسرائيليين بأنهم (شعب استثنائي) وقال وهو يشير الى الشباب الاسرائيليين الذين قتلوا فيما اسماه بـ(حرب الاستقلال) الى ان اسرائيل رغم المشكلات التي واجهتها فانها (تمسكت بالديمقراطية وحولت المستنقعات بساتين وبنت اقتصادا قادرا على المنافسة دوليا في مجالات الطب والتجارة والتكنولوجيا) . ونكتفي بذلك من كلام كثير اخر لبلير فيه من استفزاز للعرب ما يكفي للرد عليه, ففلسطين لم تكن مستنقعات مثلا, لولا ان العرب فقدوا القدرة على الرد والكلام والدفاع عن قضاياهم, بدليل اننا لم نر حتى الان في عواصم الغرب جهدا عربيا لاظهار الاغتصاب والنكبة والاستيطان والاحتلال, مقابل ما نراه من جهد لاظهار الاستقلال الاسرائيلي وحرب اليهود المقدسة من اجل هذا الاستقلال المزعوم, فنختم بأن المسرح الذي أعده البريطانيون وساعدهم عليه الامريكيون وغيرهم منذ 50 عاما لاغتصاب فلسطين, يعد اليوم في لندن مرة اخرى لتمجيد المغتصب والزهو بانتصاراته, لا لاحلال السلام المقرون بالعدل, وهو للأسف مسرح المنتصرين الذين يحتفلون عليه بشرب دماء المهزومين, الذين ليس امامهم من طريق اخر بسبب ضعفهم وخذلانهم, سوى الذهاب بدورهم لتقديم دمائهم أنخابا للمنتصرين, ما يمثل قمة مسرح العبث!

Email