المؤتمر الشعبي... سنة اولى حكم! بقلم: نصر طه مصطفى

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمر هذا الاسبوع الذكرى الاولى لاجراء الانتخابات النيابية في 27 ابريل من العام الماضي, والتي اسفرت عن فوز حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس علي عبدالله صالح بأكثر من 70% من مقاعد مجلس النواب , فيما لم يتجاوز حزب التجمع اليمني للاصلاح الذي يتزعمه الشيخ عبدالله حسين الاحمر نسبة 21% من مقاعد المجلس, وحصل التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري على ثلاثة مقاعد وحزب البعث العربي الاشتراكي على مقعدين من مجموع 301 هي عدد مقاعد البرلمان. وبذلك قرر الاصلاح العودة إلى صفوف المعارضة بعد تجربة اربع سنوات في الائتلاف الحكومي, وانفرد المؤتمر بالسلطة للمرة الاولى منذ الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990 بعد ان حكم اليمن بالتقاسم مع الحزب الاشتراكي اليمني خلال الفترة الانتقالية, ثم بالائتلاف الثلاثي مع الاشتراكي والاصلاح لعام ونصف العام, واخيرا بالائتلاف الثنائي مع الاصلاح لعامين ونصف العام حتى انتخابات العام الماضي. ورغم الاغلبية الكاسحة التي فاز بها المؤتمر الا ان المصلحة الوطنية اقتضت منها اسناد رئاسة البرلمان للشيخ الاحمر نظرا لما يتمتع به الشيخ من ثقل وطني وتاريخي يجعل منه الشخص الاكثر تأهيلا والواجهة الاكثر تشريفا للمجلس على الصعيدين الداخلي والخارجي خصوصا وان البرلمان افتقد الكثير من الشخصيات المؤهلة علما وخبرة وكفاءة, كما تناقص عدد الاحزاب الممثلة فيه من عشرة احزاب إلى اربعة فقط, وبدا اداء اعضائه سواء الممثلين للمؤتمر الحاكم أو الاصلاح المعارض باهتا وتنقصه الحنكة والوعي الدستوري والقانوني الكافي والخبرة البرلمانية, وترك غياب الحزب الاشتراكي عن المجلس بصمات سلبية وبرودا على صعيد الاداء السياسي خصوصا بسبب الخطوط الحمراء الكثيرة التي تحكم علاقة المؤتمر والاصلاح. كذلك فقد اسند الرئيس علي عبدالله صالح رئاسة الحكومة لشخصية مستقلة هو الدكتور فرج بن غانم, وكان ذلك التكليف عنصر مفاجأة كبيرة بسبب حرص المؤتمر على الحصول على اغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده ومن اعضائه, ورغم ان رئيس الحكومة لم يكن له دور في اختيار اعضاء حكومته, فانها ضمت في صفوفها القاضي احمد الشامي امين عام حزب الحق الذي اسندت اليه وزارة الاوقاف رغم ان حزب الحق كان احد اقرب الاحزاب للحزب الاشتراكي اثناء الازمة السياسية ثم جمعتهما إلى جانب احزاب اخرى صيغة تحالف من خلال مجلس التنسيق الاعلى لاحزاب المعارضة منذ نهاية الحرب وحتى الآن, وضمت الحكومة كذلك شخصيتين مستقلتين تنتميان إلى المحافظات الجنوبية اسندت اليهما حقيبتي الصحة وشؤون المغتربين وتلك أول مرة يسند فيها المؤتمر حقائب وزارية لشخصيات من خارج اطار جماعة الرئيس السابق علي ناصر محمد. وتجمع الاوساط السياسية والشعبية على ان اختيار الرئيس لفرج بن غانم لتشكيل الحكومة كان اختيارا موفقا يعبر عن رغبة جادة في اجراء اصلاحات حقيقية على الصعيدين الاقتصادي والاداري واحداث نقلة ايجابية في الاوضاع المعيشية والحد من استشراء الفساد في اجهزة الدولة, ومن المؤكد ان حكومة بن غانم نجحت في تحقيق قدر من الانجازات مثل الحصول على دعم الدولة المانحة التي اجتمعت في بروكسل, وعلى اعفاء اليمن من الديون الروسية من خلال نادي باريس, وعلى توقيع اتفاقية التعاون بين اليمن والسوق الاوروبية المشتركة, ورغم ذلك فلم تتحقق انجازات تذكر على صعيد الاصلاح الاداري أو تحسين الاوضاع المعيشية بل ان تنفيذ الجرعة الثالثة من زيادات اسعار السلع المدعومة قد زاد الاوضاع سوءا, كما ان الانخفاض العالمي في اسعار النفط قد ترك آثارا سلبية على الموازنة العامة للدولة لعام 1998 التي بنيت تقديراتها على اساس سعر 18 دولارا للبرميل الواحد مما احدث حالة من الارتباك في الاداء الحكومي دفعت الرئيس علي عبدالله صالح لترؤس اجتماع للحكومة دعاها فيه لاتخاذ اجراءات تقشفية صارمة بهدف الحد من العجز الكبير المتوقع في الموازنة. ومع بداية عام 98 كان يفترض أن تشرع الحكومة في تطبيق جرعة جديدة من جرعات رفع الدعم عن السلع, كما كان يفترض أن تشرع في اتخاذ خطوات تنفيذية في مجال الاصلاح الاداري وانجاز قانون السلطة المحلية, ويبدو أن رئيس الوزراء رأى ضرورة اجراء تعديل وزاري في حكومته يتواكب مع المراحل الجديدة في برنامج الإصلاح يستبعد بموجبه الوزراء الذين يعتقد أنهم غير قادرين على مواكبة المستجدات بناء على تقييمه لهم خلال الشهور الثمانية التي أعقبت تشكيل الحكومة .. ولأن مفاوضات التعديل الوزاري طالت, ولأن مشروع قانون السلطة المحلية الذي أقره مجلس الوزراء وأحاله إلى مجلس النواب قد تم سحبه من البرلمان قبل مناقشته وإقراره, الأمر الذي رفض معه رئيس الوزراء تنفيذ الجرعة الاقتصادية الجديدة قبل اجراء التعديل الحكومي ودفعه في النهاية إلى تقديم استقالته التي رفضها الرئيس صالح ووعده بمناقشة مطالبه عقب عودته من رحلته العلاجية. وتميز العام الأول من حكم المؤتمر الشعبي العام بالدعوة التي أطلقها الرئيس علي عبد الله صالح لإغلاق ملفات الماضي وتشكيل المؤتمر لجنة للحوار مع الإصلاح برئاسة العميد يحيى الراعي الأمين العام المساعد للمؤتمر, ولجنة للحوار مع أحزاب المعارضة برئاسة العميد يحيى المتوكل الأمين العام المساعد .. إلا أن هذا الحوار لم يبدأ حتى الآن دون إبداء أسباب هذا التأخير .. وبالمقابل فقد صدرت الأحكام القضائية في حق المتهمين الخمسة عشر بالحرب والانفصال الأمر الذي اعتبره الحزب الاشتراكي وحلفاؤه من أحزاب المعارضة بأنه يتنافى مع الدعوة لإغلاق ملفات الماضي .. وبالتالي فقد تجمدت - إلى أجل غير مسمى - كل إمكانيات الحوار, ساعد على ذلك تردي العلاقات التي تجمع الأطراف الثلاثة الرئيسية (المؤتمر والإصلاح والاشتراكي) وإن بمستويات مختلفة لكنها - في الأخير - دون المستوى المطلوب الذي ينعكس إيجابياً على الأوضاع العامة في البلاد. عندما يحاول المرء تقييم تجربة المؤتمر الشعبي في الحكم خلال عام كامل, لا يمكنه بالتأكيد تحميل المؤتمر كل الأوزار والسلبيات التي حدثت, ولايمكن أن ينسب إليه كل الإنجازات والإيجابيات, بسبب وجود مسافة - تزيد أو تنقص - في كل الأحوال بين القرار السياسي وبين المؤتمر كتنظيم وآلية محددة .. ولعل هذه في المحصلة واحدة من أهم إيجابيات الرئيس علي عبد الله صالح الذي لم يحصر نفسه في أطر حزبية ضيقة بل ظلت رؤيته ووسائله وآلياته في الكثير من الأحيان تتسم بسعة الأفق والنظرة الوطنية الشاملة .. لذلك نجد أنه بينما هناك انقطاع في الحوار والتواصل بين المؤتمر وكل من الإصلاح والاشتراكي فإن الرئيس صالح من موقعه السيادي ظل على صلة مستمرة بهما ولم يسمح بانقطاع التواصل .. ومن المنطلق الوطني نفسه اختار الرئيس الدكتور فرج بن غانم لرئاسة الحكومة لاعتقاده أنه الشخص المطلوب للمرحلة متجاوزا الأغلبية الكبيرة التي حصل عليها حزبه في الانتخابات والتي أخذت تتحول - تدريجيا - إلى عبء عليه وعلى الوطن! رئيس المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية*

Email