أبجديات: بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

نصر جميعا ـ برغم كل ما حدث ـ ان يظل العراق شريانا عربيا نابضا في الجسد العربي, وبرغم كل ما ارتكبه صدام, فإننا مؤمنون بأن صدام ليس هو كل العراق, والعراق ليس صدام حسين. يتشبث الدم بلونه العربي, وبنبضه الاسلامي, ويصر أن يتدفق بهذه الهوية في الجسد العربي كله, والا يتحول الى ماء آسن, تماما كما لا يمكن للظفر ان يقتلع من اللحم بسهولة.. ولا بصعوبة! فجر عجيب وملون... وعلى زينات وأضواء, وعرس حقيقي لم ولن يفرحهم أبدا.. لانهم القرابين الاكيدة التي ستنحر في هذا العرس لا محالة ويجيئني صوت فيروز فجأة وأنا اطالع الخبر: بغداد والشعراء والصور ذهب الزمان وضوعه العطر يا ألف ليلة, يا مكملة الاعراس, يغسل وجهك القمر فهل كانت فيروز تتخيل ان تصف بذلك حفلة (عيد ميلاد) الرئيس؟ وهل خطر ببال عربي واحد يسمع رائعتها (بغداد) أن يرثي بلاد الرافدين يوما ببيت شعر بائس: تموت الاسْد في الغابات جوعا ولحم الضأن تأكله (.....) هل نصدق أن يأتي الدواء والغذاء من استراليا, وروسيا ونيوزيلندا وأمريكا وفرنسا لاطفال العراق, ونسائه وشيوخه الجوعى, ووحده الرئيس يصر على أن العراق سيشبع (فرحا وسرورا) لمجرد حفل ميلاده الذي يقام في كل العراق؟ كلنا نتنادى قبل أي دم آخر, لحفظ دمنا وارواح اخواننا, ولكسر حاجز المقاطعة والحصار, ويرتفع فينا ومنا ذلك الصوت العربي المغتسل دوما بضياء العطاء وحب الاسلام والعروبة.. صوت صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان, ينادي بنسيان ما كان, وغسل القلوب ومد الأيدي للمصالحة والتسامح.. لا لشيء.. لا لغرض.. لا لأحد.. سوى لتلك الدماء والارواح العربية التي تسكن ضفاف الرافدين.. حتى لا تصبح مياها مستباحة لكل غريب واجنبي. هل يمكن ان نفعل ما نفعل لاجلك يا بغداد.. ثم يفاجئنا.. أبو المفاجآت بعرس اسطوري باذخ يحتفل فيه بعيد ميلاده.. الا يزال يتذكر ذلك اليوم الـ ... ويعود صوت فيروز يحفر فوق جدران القلب والروح, يستنفر كل الغضب.. وكل التاريخ. بغداد.. هل مجد ورائعة ما كان منك اليهما سفر أيام أنت الفتح ملعبه أنى يحط جناحه المطر اليوم لا مطر.. ولا فتح.. ولا ملاعب.. فكل الملاعب محجوزة لحفلات عيد ميلاد الرئيس!! وطوال تاريخها كانت بغداد.. قصورا وخلفاء وشعراء وبذخا, وفتنا وملاحم وظلما وعدلا.. ونكبات.. وطوال العمر العربي.. لم نندهش يوما مما يرويه لنا التاريخ عما كان يحدث على ضفاف الرافدين, وفي سواد العراق, هناك يصنع التاريخ الجغرافيا ولا دهشة ولا غرابة.. وحفلات الميلاد شيء من تاريخ البرامكة.. والنكبة قادمة.. فمن هو الرشيد الآتي.. ذلك من اسرار بغداد.. ووحدهم الرجال يصنعون التاريخ اذا كان هو يصنع الجغرافيا!

Email