حزب العمل الإسرائيلي وأزمة البحث عن دور في المعارضة : بقلم- هيلينا كوبان

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل من المبالغة القول أن حزب العمل الاسرائيلي لن يعود لتسلم زمام السلطة؟ لقد أثرت هذا الاحتمال في مقالتي السابقة. وأخبرني بعض القراء ان الفكرة أثارت لديهم الكثير من المخاوف. وتساءلوا ان لم اكن بالغت في تقديري للامور وشططت في تحليلي للوقائع . دعوني أؤكد في بداية الأمر أنني لم أعبر عن موقفي هذا جازمة بأن حزب العمل لن يعود الى السلطة. ولكن قلت انه خلال زيارتي الاخيرة لاسرائيل لاحظت وللمرة الاولى أن هناك احتمالا قويا بأنه لن يعود. ومن الاسباب التي اوردتها عدم كفاءة رئيس حزب الليكود الحالي ايهود باراك, وتزايد نفوذ المتطرفين القوميين والاصوليين اليهود في الدوائر السياسية الاسرائيلية. واليكم فيما يلي المزيد من الأدلة على ما سبق: (يبدو واضحا ان الفريق الاحتياطي في الجيش الاسرائيلي ايهود باراك لم يكمل حتى الآن تدريباته الاساسية في الساحة السياسية) . هذه الجملة لم تؤخذ من أدبيات حزب الليكود التي تتحدث بشيء من السخرية عن افتقار زعيم حزب العمل للحنكة السياسية, لكنها وردت في أحد مقالات ران كزليف احد المحللين السياسيين المرموقين في اسرائيل والذين عرفوا بتأييدهم لحزب العمال. وينهي كزليف مقالته باحساس تشوبه المرارة واليأس قائلا: (من المفروض ان يكون باراك قائد معارضة مقاتلة بدلا من ان يلعب الرجل اللطيف الذي يحاول ان يكسب رضى جميع الاطراف) . على صعيد آخر, فإن الآلاف من الطلاب المتزوجين في المدارس والمعاهد الدينية يتقاضون رواتب شهرية مقابل التعليم في هذه المدارس بالرغم من أن وزارة الدفاع تعفيهم من الخدمة العسكرية الاجبارية بشرط الامتناع عن مزاولة اي عمل مقابل أي أجر كان. ولكن لا يبدو حتى الآن ان وزارة الدفاع تعارض هذا الأمر وخصوصا أن دفع الرواتب لا يزال مستمرا منذ سنوات عديدة. وبالاضافة الى الرواتب التي يتقاضونها كمدرسين فان هناك مبالغ اضافية تدفع لهم من وزارة الشؤون الدينية مما يجعل دخل الطالب المتزوج في المدارس الدينية يرتفع الى 100.2 شيكل (حوالي 600 دولار) في الشهر. هذا بالاضافة الى الاعانات التي يحصلون عليها من وزارتي الشؤون الاجتماعية والاسكان والعلاوات السخية التي تصرف لهم عندما ترزق العائلة بطفل الى آخر ما هنالك من مناسبات وأعياد. هل من المستغرب اذا ان اولئك الذين يخدمون في الجيش الاسرائيلي, (السواد الاعظم منهم من المدنيين والمؤيدين لحزب العمل) يشعرون بالامتعاض من هذه الحكومة التي تقدم هذه الرواتب والاعانات السخية الى الاشخاص الذين يتهربون من واجب الخدمة العسكرية الاجبارية المفروضة على جميع اليهود الاسرائيليين.؟ الحقيقة هي أن الكثير من المدنيين الاسرائيليين يستاءون من تقديم هذه الرواتب والاعانات والعلاوات. ولكن افتقار باراك للخبرة السياسية ليس العامل الوحيد وراء استمرار هذه الاعانات السخية, فهناك ايضا النفوذ السياسي الهائل للمتطرفين اليهود الذي أصبح قادرا ليس على ضمان استمرارها وحسب ولكن على زيادتها أيضا. لابد من التأكيد على أنه بالرغم من الدلائل القوية على فتور همة حزب العمل وتوانيه عن المواجهة, الا ان حزب ميريتز والجيل الجديد في حركة السلام الآن أخذا على عاتقيهما لعب دور المعارضة الجادة لحكومة بنيامين نتانياهو. فهل من الممكن ان تآلفا سيفرز تحديا لم يستطع حزب العمل من بلورته حتى الآن ضد سياسات نتانياهو؟ قد لا يحدث هذا في الحال, وقد لا يحدث أبدا. ولكن يبدو على الأقل أن (معسكر السلام) قد بدأ بتوجيه طاقاته وقدراته نحو تعبئة منظمة ومنهجية للرأي العام الاسرائيلي ليؤيد التوصل الى سلام شامل من خلال اجراء المفاوضات الجادة مع العرب. يعتبر هذا تطورا ايجابيا وخصوصا انه طالما كان حزب العمل في السلطة كان السواد الاعظم من الناس الذين ينتمون الى (معسكر السلام) يعتمدون على قادة العمل لتحقيق السلام على مستوى القيادة. وطالما كان حزب ميريتز يتمتع (بامتياز) المشاركة في الائتلاف الحكومي بقيادة حزب العمل, فإن الغالبية من قادة ميريتز كانوا أكثر اهتماما بالمحافظة على هذا الامتياز بدلا من توجيه الانتقاد العلني للحكومة فيما يتعلق بكثير من القضايا الهامة مثل ابعاد الفلسطينيين (عام 1992) او العمليات التدميرية المتتالية للبنان (1993 و1996). أما الآن فإن زعيم حزب ميريتز يوسي ساريد لم يتردد بتأييد اقتراح لاطلاق حملة رباعية مع ممثلين رسميين من حكومة الاردن ومصر والسلطة الفلسطينية للتأكيد على الدور المهم الذي يمكن ان تلعبه القيادة في الشؤون الدبلوماسية المتعلقة بعملية السلام. إنها خطوة جريئة تستحق ان تؤخذ بعين الاعتبار. ولكن وللأسف لا يزال الفريق باراك سجين حذره وتردده الى حد أنه ليس طرفا في (تحالف السلام) ولم يعلن حتى الآن عن عزمه المشاركة فيه. وبما أنني انتهيت مؤخرا من دفع ضريبة الدخل في الولايات المتحدة الامريكية, اسمحوا لي أن أبدي هذه الملاحظة الأخيرة. لا أخفي عليكم أني مستاءة لأن هذا الجزء الضخم من إعانات الحكومة الامريكية الخارجية يذهب الى اسرائيل وخصوصا ان مستوى المعيشة فيها لا يقل عن مستوى المعيشة في اوروبا. وأنا على يقين من أن نسبة كبيرة من الامريكيين يشاركونني هذا الشعور بالامتعاض. كما أعتقد أن دافعي الضرائب الامريكيين لهم الحق ان يعرفوا كيف توزع الدولارات التي ترسلها حكومتنا الى اسرائيل وخصوصا تلك التي تذهب عبر الوزارات التي تدعم وتشجع اكثر الجماعات تطرفا في دين يحظى بالدعم المطلق للدولة. وأخيرا لابد من تذكير نفسي لبذل المزيد من الجهد لمعرفة المزيد عن قيمة الميزانيات والاعتمادات المالية التي ترصد كل عام لوزارة الشؤون الدينية في اسرائيل.

Email