مع الناس : بقلم - عبدالحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو ان العرب وحدهم مشغولون بقضايا العولمة, وما أدراك ما العولمة, فمن مؤتمر (العولمة وقضايا الهوية الثقافية) الذي اختتم اعماله في القاهرة الاسبوع الماضي إلى مؤتمر (عولمة مهنة خبراء المحاسبة) الذي بدأ اعماله في بيروت هذا الاسبوع, ربما نشهد خلال ما تبقى من هذا العام, بعد ما شهدناه من مؤتمرات وحوارات حول العولمة خلال نصفه الذي انصرم, المزيد من هذه المؤتمرات فتشمل قضايا ملحة اخرى استراتيجية وتكتيكية على السواء, واقتصادية وثقافية واجتماعية, فحربنا ضد العولمة بدأت ولابد من النصر عليها كما انتصرنا سابقاً في كل معركة حياة او موت على غيره من المصطلحات الاستعمارية التآمرية الامبريالية الشيطانية. وعلى ذلك فأتوقع شخصياً مؤتمراً يبحث الانتاج الزراعي ومحاصيل البصل والبطاطا في عصر العولمة, وآخر يبحث الفول والفلافل وعلاقتهما بالعولمة, وثالث يمتد عميقاً اكثر فينعقد تحت عنوان (الرقص الشرقي ما بعد العولمة) ويلحقه مؤتمر اخطر هو (الفيديو كليب العربي وقضايا العولمة) فلا ينتهي العام إلا وعقدنا مؤتمراً يعلن انتصارنا الساحق وحل كل قضايانا بعنوان (العرب في مواجهة العولمة... انتصارات وحقائق) . طبعاً العولمة موضة هذه الايام عند المثقفين والاقتصاديين وغيرهم, بعدما بطحنا الخصخصة ارضاً ونجحنا فيها, تشهد على ذلك انجازاتنا الباهرة فيها, وآن الآوان حالياً للالتفات نحو العولمة قبل ان ينقض علينا العالم بها ويبطحنا, مع انني على يقين وغيري ان اكثرنا لا يعرف معنى للعولمة ولم يسمع بها إلا عند مفكرينا الاكابر, لولا اننا لابد من ان نجد شيئاً نتسلى به بين حين وآخر, وإلا كيف نبرر عقد المؤتمرات والندوات ونسافر ونسكن الفنادق ونصدر البيانات الختامية والتوصيات إلى الامة نطالبها بالعمل؟ قبل العولمة أنجزنا تشريحا وتحليلاً وتشخيصا وتجريدا وتلبيسا وتبييضا وتسويدا وتلوينا وما الى ذلك من معانٍ لمعنى الخصخصة, التي انتهت بعد ذلك لافتة لمحل شاورما وضعها معلم همام فسمى محله (خصخصينا) , فتبعه آخر بتقليد افخم فأطلق على محل الفول (فخفخينا) , ما اخشى ان تستمر موضة المصطلحات الجديدة كمسميات لمحلاتنا وبقالاتنا, فيأتي من يأتي بمحل يرفع لافتة عليها (شخشخينا) عنواناً للمحل وللمرحلة كلها. وبما ان الحبل على الجرار كما يقولون , ونحن اسرع الناس الى المصطلحات وعلكها, فإن العولمة سوف تنتهي من نصيب الخصخصة مثلاً او من نصيب النظام العالمي الجديد, فننساها في سنة او اقل كما نسينا غيرها, ذلك لأن بوادر مصطلحات جديدة تطل في الافق, فيكون لمصطلح الكوكبة نصيب من المؤتمرات والبحوث, حتى اذا اجهزنا عليه درساً وبحثاً تفرغنا لمصطلح الامركة, فعقدنا الندوات لبحث امركة العالم وامركة العرب وامركة البطيخ وامركة الكرة وامركة الطعام وامركة الحمير... الخ. ومن المتوقع مع كثرة المؤتمرات المصيرية التي تناقش المخاطر التي تواجه العرب ان ينبري من ينبري فيرفع مصطلح الهمبكة مثلاً, باعتبارها الحل العربي الوحيد في مواجهة الامركة, فيعقد هؤلاء المؤتمرات تحت شعارات من نوع: الهمبكة لا الامركة, أو النظام الاقتصادي العربي في عصر الهمبكة, او الهمبكة في ظل الامركة, وغير ذلك مما يصلح عناوين لقضايانا المصيرية. غير اننا بدأنا بالعولمة فنختم بها, فهذه من كثرة انشغال العرب بها هذه الايام, مع ان الشعب العربي كله من المحيط الى الخليج لم يسمع بها ولا يعرفها قدر ما يعرف اغنية (ياطيب القلب وينك) من الممكن أن تنتهي وقد تبنتها فيفي عبده باسم الجماهير العربية كلها, ذلك لأن اصل الكلمة كما تعتقد هو من العوالم وبما انها تنتمي الى العوالم, والآن تشق طريقها لتكون رئيسة اول نقابة للراقصات, فمن حقها وحدها ان تتحدث عنها وتكون الناطقة الرسمية باسم العولمة, وتقديرا منها للجماهير فانها ستقدم لهم هذا الصيف رقصة جديدة باسم العولمة!

Email