بانتظار فتوى شيخ الازهر: بقلم- د. مصطفى محمود

ت + ت - الحجم الطبيعي

المصطلحات الجديدة الفضفاضة, مثل (العولمة) و(الكوكبة) التي نتبادلها كرمز للتطور والتقدم والحداثة, هي مجموعة من الفخاخ اللفظية التي تحتوي على الكثير من قلب الحقائق وعلى كم هائل من التبعية والتنازلات بالنسبة للدول النامية تنتهي بتفريغ المواطن من وطنيته وقوميته وهويته وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي, بحيث لا يبقى منه الا خادم للقوى الكبرى التي تسمي نفسها بالنظام العالمي الجديد, وما هو الا استعمار جديد شامل و(امركة) تنزعك من جذورك وتخلع عنك اسمك ورسمك وهويتك وتحولك إلى مرمطون في بار امريكي يلبس الجينز ويأكل الهامبورجر ويشرب الكوكاكولا ويفكر على طريقة, الكاو, بوى, ويقضي اجازته آخر الاسبوع على طريقة الويك إند والجيرل فرند. انها (قولبة) جديدة للملايين والبلايين من دول افريقية واسيوية توضع في مفرمة السياسة الامريكية لتخرج وقد فقدت تنوعها الاجتماعي والبشري وتحولت إلى سوائم وابقار وديعة مستسلمة تحلب خيراتها لصالح المصنع الكبير بمواصفات خطوط الانتاج الجديدة التي تعد من الآن. و(العولمة) هي صناعة الاسواق الشاملة التي تضمن لامريكا عالمية التصدير واولوية السيادة وصنع القرار, وسيطرة رؤوس الاموال الامريكية الفلكية على كوكبنا الارضي بأكمله. ولكي يتم الترويج والدعاية لهذه الخدعة لابد من قبل الحقائق فالوطنية يقال لنا أنها (تخلف) والاسلام (ارهاب) والعروبة (تفكير) (محلي) وقبلية بائدة ونعره اقليمية لا تصلح لهذا الزمان. ولا مانع من ان تنفق مليارات الدولارات لتصنيع هذا الارهاب الاسلامي وفق المواصفات الامريكية على ايدي رجال الــ C. I. A في افغانستان والصومال والجزائر بتسليح القبائل المتناحرة والانفاق عليها وعلى زعاماتها في بذخ شديد, فالثمرة تستحق, والثمرة ستكون ضرب الاسلام واستبعاده من كل حسابات التطوير والتحديث في اقطار العالم الاسلامي في افريقيا وآسيا جميعها, وفي البقاع القليلة الباقية في اوروبا, ولن يبقى من قبيلة لا إله الا الله سوى فلول هائمة. والكلام ينسحب على توصياتهم بتطوير التعليم الديني كله تمهيدا لتقليصه والغائه, وما يحدث في الازهر قلعة التعليم الديني مثال بليغ, فتحت مسميات التطوير والتحديث تختصر مقررات الشريعة والفقه والقرآن وتلغى ابواب وفصول بكاملها من كتب الدين ويجري نزع الاسلام من جذوره تحت عين شيخ الازهر وباشرافه. وسوف تنفرط باقي المسبحة بالتبعية ولا يبقى معهد ديني واحد لا يضار مما يجري. وفي مقابل هذا العدوان على كل ما هو اسلامي, تجري التوسعة على كل ما هو اسرائيلي فالتوراة وسلطان الحاخامات والاحزاب الدينية, هي مقدسات لا تمس, والصهيونية وهي عنصرية تقوم على التعصب الديني البغيض, لا احد يقترب من حماها, بل تصدر هيئة الامم المتحدة قرارا بازالة تهمة العنصرية عنها, وتسلحها امريكا بالاسلحة النووية والكيميائية وبجميع المحظورات التي لا تباح لأي بلد عربي أو اسلامي, وتحرص امريكا على ان يتفوق السلاح الاسرائيلي من حيث الكم ومن حيث الكيف على اسلحة كل الدول العربية مجتمعة وتصرح بهذا في جميع بياناتها, زيادة في الاغاظة. نحن اذن الابناء المغضوب علينا بين كافة ابناء آدم, والامل الوحيد الباقي لنا وهو راية لا اله الا الله, امر محاط بالمحاذير والتهم والشبهات والممنوعات. واحب ان اسمع كلمة شيخ الازهر ورأيه في كل هذا الذي يجري وكيف يجري وكيف تساهم الهيئة التعليمية الازهرية فيه, كيف تساهم في هدم نفسها بنفسها, كيف يهدم الازهر نفسه طواعية واختيارا, في مواجهة طوفان من العدوان على الدول الاسلامية يأتينا فيه الهجوم من كل جانب. وارجو الا يحيلني الشيخ الكبير إلى الشيخ الزفزاف وكيل الازهر أو إلى اي شيخ آخر, وانما يخاطبني مواجهة, فأنا وفضيلته اصدقاء تعودنا ان نتحاور مواجهة ولا حاجة بنا إلى وسيط, وانا احب ان اسمع منه شخصيا رأيه في هذه القضايا. والشيخ الفاضل لا شك يرى ويسمع بحصار الكونجرس الامريكي لنا بالشبهات والاقاويل والتهم الكاذبة التي يذيعها عن اضطهادنا للاقباط, وهي حلقة اخرى من سلسلة التآمر على الاسلام واهله. وقد ارسلت امريكا بعثه من رجال كنائسها للتحقيق في امر هذا الاضطهاد للتجول في ارض مصر وتقصي الحقيقة لتعود بكلمة حق من ارض الواقع, وقد عادت البعثة لتدلي بشهادتها ولتنكر اي شواهد أو ادلة على هذا الاضطهاد المزعوم. وبرغم هذه الشهادة من ارض الواقع مازال الاتهام يتردد صفيقا في كل وسائل الاعلام الامريكية ومن منابر الكونجرس والمسألة تجاوزت الاتهام الكاذب, إلى محاولات صريحة لاثارة الفتن الطائفية وللدس والوقيعة بين ابناء الوطن الواحد. وتاريخ الاسلام كله يخلو من هذا الاضطهاد للملل الاخرى, والنصاري واليهود وجدوا في حضن الاسلام الملجأ والملاذ في كل المحن, ويهود اسبانيا هربوا إلى المغرب المسلم من المحارق والمشانق التي علقها الفرنجة لليهود بعد سقوط الحكم الاسلامي, وفي المغرب المسلم وجدوا الامن والامان. والقرآن يذكر عيسى بكل اجلال. ومريم في القرآن ترنيمة حب وقد افردت لها سورة من اجمل سور القرآن. ولكن النوايا الاجرامية عند الغرب تتخطى كل هذا ولا تراه وهي تتلمس لنا التهم والشبهات. وفرنسا اقامت الدنيا واقعدتها من اجل بنات مغربيات يلبسن الحجاب. وكل بلد حر في قوانينه ولكن لماذا تكشر القوانين عن انيابها امام اي ظاهرة اسلامية حتى ولو كان حجابا بريئا تضعه طفلة على رأسها, وهل في الا يشارب الذي تضعه تلك الطفلة على رأسها خطورة على الامن الفرنسي تستدعي كل هذه القيامة التي قامت. مجرد سؤال...؟!! والجواب حاضر فهم يضمرون العداوة لكل ما هو اسلامي ويلتمسون لنا التهم والشبهات في كل شىء. والرئيس الامريكي السابق نكسون يقول في كتابه, لقد انتهت الشيوعية ولم يبق لنا عدو سوى الاسلام. امام كل هذا يا فضيلة الشيخ تتعاظم مسؤوليتنا عن اسلامنا ويغدو واجبا علينا حماية للاجيال المقبلة وحماية لديننا الحنيف المتهم ان نجلي هذا الدين ونجلي كمالاته لكل دارس ولكل طالب معرفة ولا نلجأ إلى اي اختصار أو تقليص في المناهج والمقررات الاسلامية, خاصة في الدراسة الازهرية بالذات, لان الازهر هو المرجع الوحيد لعلوم الاصول الاسلامية, وهو الحافظ الوحيد لهذه الاصول من الضياع والتشويه, ولا يمكن ان يتحول إلى مجرد مدرسة تلقن ملخصات فهذه مهزلة لن نسمح بها. وهذه هي رسالتك الاولى. واذا كان الازهر سوف تقتصر الدراسة فيه على الملخصات والمختصرات, فأين يجد طالب المعرفة, العلم المستوفي والمعارف الجامعة, وأين يجد الدارسون ما يشبع تطلعهم. أم هل تراني مخطئا؟!

Email